“الحياة بالألوان .. حي لبناني من العشوائية إلى وجهة سياحية
للوهلة الأولى قد يشعر المار بالقرب من منطقة “الأوزاعي”، أنه ضل طريقه، لما طرأ عليها من جمال وسحر.
يمن مونيتور / بيروت / الأناضول
للوهلة الأولى قد يشعر المار بالقرب من منطقة “الأوزاعي”، أنه ضل طريقه، لما طرأ عليها من جمال وسحر.
فالمنطقة الشعبية الواقعة بضاحية بيروت الجنوبية ظلت على مدى 42 عاماً، تعاني من إهمال وفقر مدقع، قبل أن تشهد هذا التغيير المفاجئ.
تحوّل الحي إلى لوحة من ألوان الفرح وجداريات فنيّة ملفتة في هذه المنطقة، التي يقطنها أكثر من 5 آلاف شخص، ضمن مجمّعات شعبية عشوائية.
مشروع التطوير تبناه إياد ناصر، بمعاونة أكثر من 40 متطوعاً لبنانيا، أغلبهم من سكان الحي.
ويقول إياد ناصر، في حديث للأناضول، “أنا ابن المنطقة، ولدت فيها قبل 42 عاماً، وسط بيئة فيها الكثير من الفقر والإهمال والنفايات”.
ويضيف “تربّيت بمفردي بعدما تخّلى والدايّ عنّي، وحين كبرت فهمت أن هذه البقعة تشبهني، فكلانا لا أحد يلتفت إليه”.
قرر ناصر، الاهتمام بالحي، بمجرد العودة إلى البلاد بعد غياب طويل بالخارج، رغم أنه كان يسكن في منطقة راقية بالعاصمة بيروت.
وحركه في هذا التوجه حبه وحنينه المستمر لهذه المنطقة التي احتضنته في طفولته.
ويقول: بعد زيارتي لها فوجئت أن الإهمال ازداد أكثر، وأصبحت أكثر عشوائية، فقررت إلباسها حلّة الفرح والألوان.
فالمنطقة كانت على الخارطة السياحية البحرية، وكانت أهم مركز للسياحة واستقبال السائحين في مطاعمها قبل أن تدمرها الحرب الأهلية اللبنانية في 1975 (انتهت رسميا في مارس/ آذار 1991 بصدور قانون العفو عن كل الجرائم التي وقعت في 1975).
مبادرة إياد ناصر (46 عاماً)، انطلق بها قبل أشهر قليلة، والهدف كان تلوين منازل منطقة الأوزاعي، وجدران شوارعها.
في غضون 5 أشهر تحولت من منطقة أشباح إلى منطقة تضج بالحياة، أعطت الروح مجدداً إلى 100 منزل من أصل 950 منزلاً، والعمل جار على القسم المتبقي لتحسينه، إلى جانب 5 شوارع رئيسية.
دوافع المبادرة، التي قام بها ناصر، والتي شارك فيها عدد من أصدقائه النشطاء، جاءت بعدما هزه “مشهد الأوزاعي من الطائرة”، بحسب قوله.
لا يخفي أنه شعر بـ”القرف” عندما شاهد أكوام النفايات تحتل المنطقة ومياه بحرها لونته المجاري، ناهيك عن المباني المتهالكة على شاطئ البحر.
وأطلق على مشروعه اسم “أوزفيل”، في إشارة إلى الأوزاعي، (عادة تسمية “فيل” تًطلق في لبنان على المدن والمناطق التي تتسم بالرقي والهندسة المعمارية اللافتة).
واعتبر أن “الأوزاعي”، لا تقل أهمية عن مناطق لبنانية أخرى، في حال تم الاهتمام بها وتزيينها وترتيبها، لا سيما أن الشعب اللبناني يلفته كثيراً التسميات الأجنبية.
وعن ذلك قال ناصر: “استطعنا إعادة ثقة الأهالي بأنفسهم ومنطقتهم، وتغيير حياة السكان وشرعنا أبواب المنطقة أمام السياح، وحولناها من منطقة مهملة إلى جاذبة للنشاط التجاري والاستثماري”.
ويشير إلى أن المنطقة، قبل 1975، كانت مقصداً لكبار نجوم العرب لتصوير أفلامهم على شاطئها وداخل مطاعمها.
كذلك نجوم الغناء العربي، وكانت تحتوي المنطقة على ميناء مهم لاستقبال السفن من الخارج، وكانت نقطة جذب سياحي مهمة وقبالتها يقع مطار بيروت الدولي.
وعن كيفية تمويل مبادرته لفت ناصر، إلى أنه جمع بعض الأموال من السكان كتبرعات، والجميع وافق وبادر، حسب قدراته، التي نعرف مسبقاً أنها متواضعة.
منى عساف، إحدى القاطنات السابقات، والتي أقامت بالمنطقة قبل زواجها، تقول للأناضول، إنها حين عادت لم تعرف منزل أسرتها وظنت أنها دخلت خطأً إلى مكان آخر.
وتضيف: “كنت أتمنى لو هذه المبادرة أتت سابقاً، حينها لبقيت هنا مع أسرتي، فتلك التغييرات بالألوان والنظافة أعطتني أملاً كبيراً، وأتمنى أن تعود الأوزاعي منطقة سياحية مجدداً”.
بدوره، اعتبر الشاب محمد نقزان، أن منطقته سابقا أعطت صورة سلبية عن لبنان، فجميع الطائرات تحلق فوق المنطقة، خلال إقلاعها أو هبوطها.
ويضيف أن السائح، الذي يشاهد من الطائرة تلك العشوائية، يشعر بالقرف والاستياء، ولكن بعد تلك المبادرة تغيير شكل المنطقة من فوق وأصبحت الألوان ملفتة للعين.
وتقع منطقة “الأوزاعي”، على أطراف العاصمة بيروت، ويقطنها نحو 150 ألف نسمة، غاليبتهم من الطائفة الشيعية نزحوا من الجنوب والبقاع اللبناني خلال فترة الحرب اللبنانية بين 1975 حتى 1991.
وكان رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، يعتزم تحويلها إلى منطقة سياحية تضم مدرجات للمطار الذي لا يبعد سوى أمتار عنها.
وظلت المنطقة، حتى انطلاع الحرب الأهلية، مصيفاً بحرياً لأثرياء لبنان لما كانت تضمه من منتجعات بحرية ومطاعم شهيرة، وبينهم المطربة المصرية الراحلة “أم كلثوم”.
كما تم تصوير عدد من الأفلام العربية على شاطئ، وداخل مطاعم “الأوزاعي”، بينها أفلام شاركت في بطولته الممثلة المصرية الراحلة فاتن حمامة، والموسيقار السوري الراحل فريد الأطرش.
ويعود تسمية هذه المنطقة تيمناً بالعالم الديني والإمام “أبو عمرو عبدُ الرحمٰن بن عمرو بن يُحمد الأوزاعي”، وكان إمام بيروت وسائر الشَّام والمغرب والأندلُس.
ويوجد في “الأوزاعي”، مدرسة لتعليم الفقه الإسلامي أسسها في زمانه، كما تضم مدفنه بالقرب من المسجد الذي يحمل اسمه وهو مسجد تاريخي قديم جداً (توفي في العام 774 ميلادية).