دعني أحاول مكاشفتك بمشكلتك. فأنا أعرفك جيداً منذ زمن بعيد جداً.. وبالتالي، لاشك في أنني أعرف طبيعة مشكلتك، ولو في خطوطها العريضة والواضحة لي بالقدر الكافي.
ما هي مشكلتك يا صديقي؟
هل سألتَ نفسك هذا السؤال؟ .. لا أظن.
واذا سألت، فأعتقد أنك قد لفَّقتَ الاجابة -كعادتك- على نفسك قبل الآخرين!
دعني أحاول مكاشفتك بمشكلتك. فأنا أعرفك جيداً منذ زمن بعيد جداً.. وبالتالي، لاشك في أنني أعرف طبيعة مشكلتك، ولو في خطوطها العريضة والواضحة لي بالقدر الكافي.
ان مشكلتك يا صديقي لم تكن يوماً قط، ولن تكون في يومٍ أبداً، مع أيّ شيء ولا مع أيّ شخص في هذا الكون أو في غيره من الأكوان. مشكلتك الأولى والأخيرة، الأزلية والوحيدة، هي مع نفسك فقط وتحديداً وبالذات وفي المطلق!
إنني أتصوَّر أحياناً أنك قد عجزت عن تحقيق حلمك الطفولي الباطن في أن تكون بطلاً أولمبياً في لعبة الجمباز، غير أن كتلتك الجسمانية المخالفة لمعايير اللعبة ومقاييس اللاعب حالت دون تحقيقك حلمك في الميدان الرياضي، فاذا بك تمارسه في الميدان السياسي، وقد حققت فيه قدراً معقولاً جداً من النجاح، ولكن على حساب أمور أخرى هامة للغاية في حياتك الخاصة والعامة أنت تعرفها جيداً جداً.
كما أظن حيناً أنك فشلت في التمكُّن من موهبة الرسم التي كانت تراودك طفلاً ومراهقاً، فاذا بك تنتقم من مجمل تراث ومدارس ومواهب الفنون التشكيلية عبر التاريخ، موغلاً في العبث المهووس بتشكيلة شاذة من الألوان والأشكال والأضواء والظلال، وتُلطِّخ بها جدران الحارة الثقافية والشارع الاعلامي والسياسي والآيديولوجي. وكان أحرى بك أن تستعين بصديقي وزميلك الفنان الرائع عدنان جُمَّن لتنمية تلك الموهبة لديك على أصولها وبأسلوب منهاجي، بل لعمري أنه كان قادراً أن يخلقها لديك من عدم ويُدخلها فيك ولو من دُبر.
إن مقدراتك الكتابية والخطابية ومحاصيلك الثقافية والنظرية يا صديقي لهي توزن بميزان الذهب، ولكنك أهدرتها في سوق العرض والطلب. وكم كنتُ وغيري كُثر نحسدك عليها أيّما حسد ، لكننا صرنا نمقتك بعد أن بخستها حقها وبخست نفسك أشياءك، اثر أن رحتَ تلهث بالخمس وتركض بالأربع خلف صالونات الحكم وحوانيت السلطة، بغض النظر عن هويات أجناس تلك الصالونات ونوعيات بضاعة تلك الحوانيت، ثم تعدّدت وتمدّدت وشذَّت زياراتك واقاماتك وانتسابك وانتماؤك لها، حتى علَّق أحد أصدقائنا بهذا الصدد ساخراً ذات لحظة مؤسفة: “ما باقي لصاحبنا الاَّ الدكان الاسرائيلي.. وتكمل الفورة “! لم يكن صديقنا هذا يدري أنك كنتَ يا صديقي قاب قوسين أو أدنى من باب ذلك الدكان ذات يوم ليس ببعيد في عاصمة عربية عريقة! .. لكنني صُنْتُ السرّ وسأصونه مدى العمر.
ما يؤسفني يا صديقي أن لهاثك صار مسعوراً على نحوٍ بالغ الرعب. أتصوّر أحياناً أنك صرتَ على استعداد تام لارتكاب أبشع الجرائم واقتراف أشنع الموبقات في سبيل الحصول على سيف المُعزّ وذهبه معاً.. وليتك تدري -أو ربما أنك تدري!- أن هذا السيف قد يقطع عنقك في أية لحظة، وأن ذاك الذهب سيصب في كيس قاتلك ، لمجرد أن تنقلب اللحظة السياسية أو تتبدّل اللعبة السياسية أو يتغيّر مزاج أو هوى الحاكم نحوك ، وهو ما يحدث دائماً وبوتيرة شديدة الحمى في هذا البلد!
فرملْ خُطاك يا صديقي، الجمْ جموح لهاثك واغلق صنبور خطاياك.. فجميع السلطات في هذا البلد عاهرة، وعهود الحكام عابرة، غير أن عبور الحكام في هذا البلد يكون دائماً على كومة من الجثث، قد تكون بينها جثتك!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.