كنا أطفال، تثقل حركتنا في العشر الأواخر من رمضان، يتخفف الصخب واللهو، نتلصص من الكبار حكاياهم عن ليلة القدر، مازالت الحكايات مستمرة حولها ولن تنتهي.. كنا أطفال، تثقل حركتنا في العشر الأواخر من رمضان، يتخفف الصخب واللهو، نتلصص من الكبار حكاياهم عن ليلة القدر، مازالت الحكايات مستمرة حولها ولن تنتهي..
ليلة؟ أم ساعة؟
يحتدم النقاش، تحتد الألسن، يتراهنون ويتشاتمون، لايخسر أحد كما لايكسب أحد.
في يوم ما؛ حلف الحاج أحمد بالحرام والطلاق أنه رآها، لو سأل الله أي شيء سيعطيه، قال بأنه رأى السماء تنفتح وسحب بيضاء تتشكل على هيئة ملائكة، سألناه إن كان رأى الملائكة قبلا، اعتبر ذلك تشكيكا بمصداقيته، شتمنا وأكد أن السماء لمعت بضوء ساطع ثم انغلقت..
سألناه: لم لاتسأل الله وقتئذ؟
رد بشتيمة وأردف: كنك أبول.. أجاءه وانا أبول جمب الزرب..
أردف: اجزعوا من جمبي.. لموه ماتصدقونيش مثل الكبار..
..
كنا ننام ونحن في انتظار ليلة القدر، نريد رؤية الملائكة المنسلخة من كرافئ السحب البيضاء..
وكانت أمهاتنا يحذرننا: لاتكونوا مثل الأفطس.. الأفطس المنحوس!
الأفطس لم يتغير، رغم مصادفته لليلة القدر كما حكت الأمهات..
كان هم الأفطس أن يكون له أنف طويل، يريد أنفا مرعفا ليكف معايرة الناس له، في احد الرمضانات وفي العشر الأواخر، خرج يبول، انفتحت السماء وتطايرت الملائكة، التمع الضوء، كان حاذقا، قال: يارب استجب لي ثلاث دعوات.. مرت سنة وهو يفكر ماهي الدعوات الثلاث التي يطلبها من الله، لم يجد أفضل من الدعاء لنخرته قال: يارب كبر نخرتي..
طالت أنفه.. طالت زيادة حتى شوهت وجهه وصار يعايره الناس أكثر.. بقى له دعوتان.. قال: يارب صغر نخرتي..
صغرت حتى لم تكن سوى فتحتان أسفل عينه، تشوه زيادة، كاد يجن، بقى له دعوة، قال: يارب رجع نخرتي مثلما كانت ولك الشكر..
..
كنا ننتظر الله لنسأله أن نكبر بسرعة بغير اكتراث بالتفاصيل،
كبرنا وصارت الليلة في مداركنا جهد لايرى، كبرنا وها نحن ننعي تلك الأيام ونحن للطفولة متمنين أن نعود صغارا..
صرنا كبارا نملك الأحلام إلى أن اندلعت الحرب، تحجمت الأحلام وصارت واحدا: أن نبقى على قيد الحياة.. حاصرتنا المليشيا، جعلتنا نرتدي البنادق، وبدلا من انتظار ليلة القدر، صرنا ننتظر نصف خبر جيد ينبئ بالحياة، فيما الأمهات على سجاجيدهن يتهجدن ويتضرعن لله: أهلكهم يالله.. حرمونا من أولادنا..
الأمهات حاذقات في أدعيتهن ولسن أنانيات مثل الأفطس.
استجب لهن يا الله.
….
من ذكريات العشر الأواخر من رمضان المنصرم.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.