كتابات خاصة

النخبة المفضوحة!

حسن عبدالوارث

   يُحكى أن رجلاً شتم المُهلَّب بن أبي صُفرة، فلم يُجِبْهُ. وحين سألوه: لِمَ حلمتَ عنه؟ .. ردَّ المُهلَّب: لا أعرف مساوئه، وكرهتُ أن أبهته بما ليس فيه.    يُحكى أن رجلاً شتم المُهلَّب بن أبي صُفرة، فلم يُجِبْهُ. وحين سألوه: لِمَ حلمتَ عنه؟ .. ردَّ المُهلَّب: لا أعرف مساوئه، وكرهتُ أن أبهته بما ليس فيه.
إنه درس بليغ في شرف الخصومة الذي يندر وجوده في هذا الزمان. فالنزاهة في الخصومة تعيش أزمة حادة في صفوف الناس، لكنها -للأسف- تبدو بجلاء قبيح في أوساط المثقفين.

فالأدباء والكُتَّاب والاعلاميون والفنانون -وسائر المبدعين- هم أكثر الفئات الاجتماعية ظهوراً على سطح المجتمع أو مسرح الواقع، وهم -بالتالي- أوسع الشرائح صيتاً وأعلاها صوتاً.. ولذا يكونون الأقرب إلى دائرة الفضيحة الاجتماعية متى وُجدتْ، اذْ سرعان ما يشرعون في نشر غسيلهم القذر قبالة الناس، أكان على صفحات الجرائد ووسائط التواصل الاجتماعي أو في المحافل الاجتماعية المختلفة!

وقد شهدنا العديد من حالات المبارزة بالكلمات (وبالصور والوثائق أحياناً) التي دارت رحاها بين عدد من أهل الأدب أو الصحافة أو الفن. والمؤسف أن جُل هذه “المعارك” ذات قرون ذاتية سطحية ساذجة، تاهت في دوامة العبث وأضاعت معها وقت الناس واحترامهم للنخبة، حين أضاعت احترام عقول الناس ووقتهم وأذواقهم، وحين أضاعت احترام الجدل الجاد والحوار المنهاجي والنقاش العقلاني وراحت “تردح” كتلك النسوة اللواتي يقبعن في أسوأ أحياء العشوائيات!

وما يدعو للأسف البالغ أن أرباب الحكمة وأصحاب الكلمة فقدوا الكثير من سمعتهم وهيبتهم وجلال قدرهم بسبب هذه الحفنة من النخبة الفضائحية المفضوحة والردَّاحة المردوحة.

فقد طغت الثرثرة الجوفاء على الصمت المتأمل، وأرتفع الصراخ الهيستيري على الهمس العذب، فتلاشت خطوط الفصل وخيوط الوصل في المدى الممتد بين العقل والوجدان.

وكما قال المَثَل العربي المأثور “لو كانت الغلبة بالضجيج، لكانت الحمير أول الغالبين”!

هذه حالة يعيشها عدد من الزملاء الأعزاء. والمصيبة أنهم لا يعيشونها في حلقات الغيبة والنميمة التي تتطلب قدراً من السرِّيَّة والكتمان، بل نجدهم يتعدُّونها الى أجواء العلانية، على صعيد النشر العلني أو الحَكْي عالي الصوت.

فالحقيقة التي لا غبار عليها تفيد بأن الطاقة الجامحة لدى بعض هؤلاء -والتي يستعرضونها بسخونة مرتفعة- هي مؤشر على الفقر الروحي وخواء الوعي من كل ما هو ثمين وسمين.

وحينها يغدو حال هؤلاء كحال “الفارة التي وقعت في المصيدة، ولم يبقَ لها إلاَّ أن تقرض قطعة الجبن”، على حدّ تعبير الأديب الكبير اندريه جيد.

*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى