الكوليرا، البكتيريا المعوية الجرثومية التي تصيب أمعاء الإنسان، تجعله رهينةً للترات قليلة من السوائل الطبيعية، والتي قد تقف حائلًا بين الحياة والموت. الكوليرا، البكتيريا المعوية الجرثومية التي تصيب أمعاء الإنسان، تجعله رهينةً للترات قليلة من السوائل الطبيعية، والتي قد تقف حائلًا بين الحياة والموت.
تلك البكتيريا الوبائية كافحها وحاربها العالم عشرات السنين، لأنها بكتيريا استغلالية تتحلّى بالجُبنِ والنذالة، فهي تستغل الظروف الإستثنائية، خصوصًا ظروف الحرب التي تجعل الوضع الصحي والبيئي متدنياً إلى حدٍ لا يستطيع فيه الإنسان مقاومة تلك البكتيريا القاتلة والفتاكة.
ما يحدث في اليمن حاليًا دليل على جُبنِ تلك البكتيريا التي استغلت ضعف الإنسان، وتغذّت على مخلفات الحرب، لتعلن معركةً شرسة وجبهةً مشتعلة، فهي تتقن القتل السريع والإصابة المنهكة على أقل تقدير، فجبهات الكوليرا لا تقل ضراوةً عن جبهات القتال الأخرى في هذا الجسد اليمني الممتد على فراش الجغرافيا الوسيع والمترهل.
ما يُميّز بكتيريا الكوليرا أنّها تقتل الإنسان، عندما تتوغل في داخله، فهي تشبه تمامًا الجماعات المسلحة التي تنهش في الوطن من الداخل، وتنخر في عظمه، حتى يكاد يسقط مغشيًا عليه، لا يستطيع الوقوف أو المواجهة والصمود، فبكتيريا الكوليرا الجرثومية والجماعات المسلّحة كلاهما تحملان الهدف نفسه، وهو قتل المواطن الضعيف، وإنهاك المواطن القوي، وما يحدث على أرض الواقع ليس إلا شاهدًا على كلامي، وما كلامي إلا شاهدًا على هذا الواقع.
فقد نشرت منظمة الصحة العالمية، في تقريرها أخيرا، عن الوضع الصحي في اليمن، وصول عدد الوفيات بسبب وباء الكوليرا إلى 522 حالة، بينما وصلت حالات الإصابة إلى 52 ألف حالة، وما زالت الإصابات والوفيات في ازدياد متسارع، وكأنّ الكوليرا نارٌ تنتشر في كومةٍ من الهشيم، والرياح تزيدها لهبًا كما يفعل تمامًا بعض السياسيين في الوطن.
قتلى بكتيريا الكوليرا المتفشيّة في جسد اليمن النحيل خلال الشهرين الماضيين لا يقلون كثيرًا عن قتلى الحرب المشتعلة في أرجاء اليمن منذ ثلاث سنوات.
وما يشكّل فارقًا بين عدد قتلى الكوليرا وقتلى الحرب هو الفارق الزمني، فلو استمرت حرب الكوليرا بهذه الوتيرة ثلاث سنوات، لارتفع عدد ضحاياها كثيرًا، ولصارت بكتيريا الكوليرا تقتل كل من لم تصل إليه الحرب برصاصها وقذائفها، وكأنها تنفذ المهمة نفسها التي تنفذها الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة في اليمن، ليصبح اليمني بعدها منهكًا شاحب الوجه والجسد، وممسكًا بيديه على بطنه من شدّة الوجع، بينما يبدو الواقع أيضًا من حوله شبه ميت، ومتقطع الأنفاس وتحت الرصاص والقذائف والصواريخ الذي تمزقه إلى أشلاء، لا تعرف بعضها بعضًا، ولا تقوى على تجميع شتاتها خلال دهرٍ من الصبر.
العربي الجديد