فكر وثقافة

منذ آلاف السنين الجدران دفاتر الأدباء

يرى الباحث علي حافظ كريري في كتابه «أدب الجـدران.. قراءة في النقش الشعري وفضاءاته البصرية»، أن كتابة الشعر على الجدران، ونحوها من الظواهر التي سجّلت حضوراً لافتاً في تاريخ الأدب، ولكنها من ناحية أخرى سجّلت غياباً ملحوظاً في الدراسات النقدية. يمن مونيتور/العرب اللندنية
يرى الباحث علي حافظ كريري في كتابه «أدب الجـدران.. قراءة في النقش الشعري وفضاءاته البصرية»، أن كتابة الشعر على الجدران، ونحوها من الظواهر التي سجّلت حضوراً لافتاً في تاريخ الأدب، ولكنها من ناحية أخرى سجّلت غياباً ملحوظاً في الدراسات النقدية.
ربما كان هذا الغياب عائداً إلى شفاهية الشعر العربي في الأصل، وسيطرة هذه الشفاهية، حتى حجبت العيون عن الوقوف عند فضاءاته البصرية التي من شأنها أنْ تثريَ القول الشعري، فتضيف إليه عناصر جديدة، وإشارات مهمة، تكشف عن نوافذ من العمل الشعري مجهولة، وتفتح للمتلقي آفاقاً واسعة من جماليات القراءة، والتأويل.
وسعى كريري في كتابه، الصادر بالاشتراك بين مؤسسة أروقة ونادي نجران الأدبي الثقافي، إلى الكشف عن البواعث المتعددة وراء كتابة الشعر على غير الورق، وقام بتأمّل فضاءاته البصرية، وأبعاده الموضوعية، ثم سماته الفنية التي يتسم بها في جانب الشكل؛ إذ يقول «عرف في تاريخ العرب كتابة الشعر على جدران المباني، من القصور والمصانع والمدارس والمساجد. وكذا كتابته على الأدوات، والآلات من السيوف، والتروس، والأقلام، والمحابر، وكتابته على الأواني، والتحف، وكتابته على الفواكه، والعصائب، والمناديل، وغير ذلك كثير”.
ولفت كريري إلى أن من أقدم النقوش النادرة، والمثيرة في تاريخ علم النقوش “ترنيمة الشمس أو القصيدة الحميرية” التي تعود إلى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد، على صخرة قرب قصور آل معاصر في اليمن.
ويبين المؤلف أن “في المعلقات -على مذهب مَنْ يرى أنها كتبت بماء الذهب، ثم علقت بأستار الكعبة- مظهراً من مظاهر النص الموازي، حيث يرفع النص إلى مرتبة عالية.. وهو مبدأ يوظف عناصر غير لغوية من النص الموازي التي تذكّر بعنصر التجليد، والتزيين، والتذهيب”.
ويؤكد كريري أنه في هذه الظاهرة تمازجت ثلاثة وجوه من الفن «فن الشعر، وفن الخط، وفن المعمار». ومن أجمل الصور الشاهدة على هذا التمازج الثلاثي قصور الحمراء بغرناطة.
ويخلص المؤلف إلى أنه تَعَانَقَ الشعرُ مع الوعاء الذي كتب عليه في أكثر الأحيان، فظهرت وجوه كثيرة لهذا العناق، كما جاء الوعاء الشعري في أحيانٍ قليلة مجرد وسيلة لإيصال الرسالة، حاله كحال الورق. كما أن السمة الفنية الغالبة التي بدت على نصوص الغربة هي لغة الزمن.
وتجلّت من خلال الاستفهام الخارج عن دلالته الأولية إلى التعبير عن أزمة في الشعور، وحيرة في العقل، وتجلّت حركة الزمن أيضاً عبر الجمل الفعلية التي تناسب الاضطراب، وعدم الاستقرار الذي يعيشه الغريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى