خطوتان عرض وثلاث خطوات طول هذه المساحة هي طموحي، هذه هي ميراثي من خمس مائة ألف وخمسة وخمسين كيلو متر مربع من وطني. “قصة قصيرة”
خطوتان عرض وثلاث خطوات طول هذه المساحة هي طموحي، هذه هي ميراثي من خمس مائة ألف وخمسة وخمسين كيلو متر مربع من وطني.
ولم اعد اطمع في شيء، ولقد تعبت من نضالي للحصول على حقي كمواطن يمني لم يستطيع أن يكون مواطناً فاسداً ليحصل على أكثر من حقه.
ولقد رددت كثيراً قول الشاعر:
خذوا المناصب والمكاسب بس خلوا لي الوطن
فلا منصب حصلت ولا وطنا وجدت
صديقي محمد أعاب علي انكفائي على نفسي واستسلامي ويحذرني من إصابتي بحالة نفسية، الذي قال إن أحد معالمها وبدايتها هو الانكفاء على الذات ويضرب أمثله لاناس اعرفهم انكفوا على انفسهم فاصيبوا بحالة نفسية.
ثم أضاف
أنت شخص ساذج، وكان المفترض بك استغلال فرصة الزواج من تلك المرأة الأرمل التي تمتلك الكثير من الميراث في صنعاء، يقول إنها كانت فرصة حياتي.
في جلسة فارقة في معطياتها، أعلنت لصديقي:
لست طامعاً في شيء ولم اعد ارغب بشيء وهذه المساحة الصغيرة تكفيني، وعن الزواج من المرأة ذات الأموال والأراضي فأنا لم استصيغ الأمر ابداً ولا يمكنني الزواج بأمرأة لأجل مالها..!
صديقي محمد بانفعال شديد:
يا أخي طيب طالب بنصيبك من أرضكم فربما يضرب الحظ ضربته معك، وتكتشف منجم ذهب في حصتك في البلاد.
لم استسغ الفكرة ولم احبذها فعاود قائلا:
طيب خليك ذكي واستغل فرصة الزواج، لا زالت الفرصة أمامك، صدقني ستصبح ترفل بالنعم والخيرات، والأموال، وكل عام تذهب أنت وهي للاصطياف في سويسرا ولندن وباريس.
سكت قليلاً ثم قال:
الزواج هو صفقة يا صديقي والحب انما هو للفقراء، احيانا تضطر ترهن تلفونك للحصول على اجرة الباص وأنت ذاهب لأجل الالتقاء بمن تحبها، ونصوصك التي تكتبها لأجلها كل يوم كل ما تجني من ذلك سوى خمسين لايك أو قريب منها وتعليقات مكررة “أنت رائع، قلمك جميل”، وانتهى الأمر.
أنا مؤمن بما تقول ياصديقي، ولا أخالفك الرأي، ولكن هذا خياري الاستراتيجي.
هز رأسه وتبدو عليه علامة التأسف لحالي، وضرب كفا بكف، وهو يستعيذ من الشيطان، وكأنني قد ارتكبت جرما حينما أردت تحقيق حلمي بقبر مستقل، يكون مأواي الأخير.
سكتنا قليلا وسبح خيالي في الكون العظيم، وفي تلك اللحظات وكأن صديقي لا يجلس قبالتي، فغبت عن الواقع في سياحة للعالم الآخر واستعراض المقابر على اختلاف جغرافيتها، فوجدتها لا تختلف إلا بأشكال يبتكرها الناس رمزا لمكانة فقيدهم فيما سبق من حياته، ولكنه تساوى مع جاره في كل شيء، فهو مجرد من كل جاهه وغناه.
واذا بي وجدتني ودعت الحياة ووصلت إلى قبري محمولاً على الأكتاف، فكنت أسمع ترحمات الراحمين، ولعنات اللاعنين.
بلغت حافة البيت الجديد، السواعد متهيئة لإبعادي عن عالمهم ووضعي في مقري الجديد، وكأنهم يريدون التخلص مني بأقصر وقت، هؤلاء أحبتي وأهلي، يردمون التراب فوقي ويتناوبون على العمل عندما يأخذ التعب من أحدهم، يا إلهي ما الذي دهاهم بهذا الشكل المريع..!
رجعت من غفلتي عن صديقي، وهو يتأملني، وكأنه رأى شيئا في وجهي، وهو ينفث سيجارته واحدة بعد اخرى حتى كان المكان مغطى بالدخان.
تنبهت للأمر وكأن الصدمة ألجمته، فقلت منتبها:
أنا فررت من الحرب يا صديقي عفواً
تركت كل شيء، خوفي يقتلني، اضطرابات نفسية تكاد تقطع أنفاسي حينما أذكر موت أصدقاء لي كثر لا يغادرون مخيلتي كل لحظة، أصدقاء منهم من ترك أطفال ومنهم من كان عليّ التزام تجاهه ومنهم من كان بيننا وعود للمستقبل والحياة ومنهم…
بدني يقشعر، و قواي تتحطم، كلما جال بخاطري وأنا أرى حال الناس المزري..!
حرب وفقد، لا مرتبات ولا أمن، موت وجوع وأوجاع، خوف وأمراض، وحالات مستعصية.
تنهدت ثم اضفت:
تخيل وهم يخرجون جسدي من تحت أحد الأنقاض بلا رحمة لدفنه في حفرة واسعة، أتخيل وأحد أقاربي مريض ولا استطيع انقاذه، أتخيل وأنت تطلب مني خدمتك بملغ مالي لحاجتك له وافشل في ذلك.
أعرفت يا صديقي؟
*المادة خاصة بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات والمواد المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.