لا شك في أن من اخترق موقع وكالة الأنباء القطرية، وبث تصريحات على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان يبتغي بث فتنةٍ بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين قطر والمملكة العربية السعودية بالذات
لا شك في أن من اخترق موقع وكالة الأنباء القطرية، وبث تصريحات على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان يبتغي بث فتنةٍ بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين قطر والمملكة العربية السعودية بالذات.
ويعرف المراقبون المحايدون والمطلعون تماما أنه لا يمكن للشيخ تميم أن يدلي بمثل هذه التصريحات التي فُبركت، بحرفية سياسية وإعلامية عالية، لأسباب مهمة عديدة، منها:
أولا، العلاقات القطرية مع السعودية، في هذه الأيام، في “أزهى أوقاتها”، وقبل ثلاثة أسابيع من انعقاد القمم الثلاث مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الرياض يومي الاثنين والأحد الماضيين، كان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، يستضيف أمير قطر، الشيخ تميم، في جدة في مطلع شهر مايو/ أيار. وأعلم تماما أن هناك علاقات “ود شخصية” تربط الملك سلمان بالشيخ تميم، أقله منذ قام الملك سلمان بأول زيارة “رسمية” إلى الدوحة في نهاية شهر مارس/ آذار 2014، وكان وليا للعهد ووزيرا للدفاع.
وقد أذيع سرا حين أقول إنه عبّر لي عن “إعجابه” بالشيخ تميم، حين قابلته في مكتبه في وزارة الدفاع في الرياض بعد زيارته الدوحة، حيث قال لي “الشيخ تميم رجل قيادي من الطراز الأول، وسيوليه والده الحكم قريبا، وأنا آمل منه كل الخير والمصلحة لقطر وللعلاقات مع المملكة”. ويذكر أن الشيخ تميم، وكان وقتها وليا للعهد، رافق الملك سلمان طوال زيارته للدوحة.
ثانيا، قطر عضو أساسي وفعال في “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية، والذي يخوض حربا ضد الحوثيين وجماعة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، لإبعاد الخطر والنفوذ الإيراني عن اليمن، وإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء. وهي تشارك عسكريا وماليا في هذا التحالف، وتساند موقف المملكة سياسيا في الحرب، بعيدا عن أية أهداف سياسية تخالف أهداف المملكة، مثل فصل جنوب اليمن عن شماله، أو إجراء اتصالات خلف الستار مع صالح، ولا تعمل على تغليب قوى حزب التجمع اليمني للإصلاح، المحسوب من جماعة الإخوان المسلمين، على القوى السياسية الأخرى.
ثالثا، تشارك قطر السعودية في دعم المعارضة السورية ماليا وعسكريا وسياسيا في معركة هذه المعارضة ضد النظام السوري وحلفائه من قوات حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وهناك تعاون استخباراتي قطري– سعودي مشترك في سورية والعراق، يعززه التعاون القطري – التركي. ويؤكد ذلك نجاح الجهود القطرية بإطلاق سراح 21 مواطنا قطريا احتجزوا في العراق الشهر الماضي، وحرصت الدوحة على أن يطلق معهم مواطنان سعوديان احتجزا أيضا.
رابعا، أصبحت قطر عضوا فاعلا في التحالف الخليجي العسكري والسياسي الذي يجري دعمه وتعزيزه منذ تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة. وهذا التحالف الذي تقوده السعودية هو الذي يقود معركة التصدّي للمشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة.
تؤكد هذه المعطيات والحقائق أنه لا يمكن لأمير قطر أن يدلي بمثل تلك التصريحات التي فبركت لإظهار أن الدوحة تغرّد خارج السرب الخليجي، وإظهار أن لها مواقف تتعارض مع الرياض.
صحيح أن لقطر سياستها وعلاقاتها مع قوى سياسية، لا تودّها الرياض حاليا، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولها علاقات غير عدائية مع إيران، وعلاقات تحالف استراتيجية مع تركيا. ولكن هذه العلاقات ليست على حساب علاقات الدوحة مع السعودية، وعلى حساب مجلس التعاون الخليجي.
وقد أصدرت الدوحة، وعلى لسان غير مسؤول، نفيا وصل إلى حد الاستنكار للتصريحات المفبركة المنسوبة للأمير الشيخ تميم. وعلى الرغم من ذلك، بقي الصخب والضجيج من بعض وسائل الإعلام السعودية، وكل وسائل الإعلام الإماراتية التي لم تتعامل بـ “مهنية” مع النفي والتكذيب القطريين، بشكل جعل بعضهم يعتقد أن من فبرك التصريحات المزعومة نجح في إحداث فتنة جديدة بين دول الخليج، وخصوصا بين الدوحة والرياض.
ويُلاحظ أن هذه الأزمة التي افتعلت ترافقت مع حملة علاقات عامة، تنظمها جهة خليجية ضد قطر في الولايات المتحدة، كان منها ندوة عقدت في واشنطن للحديث عن “دعم قطر حركات الإرهاب السياسي الإسلامية”.
إلى ذلك، ليس تعامل إعلام النظام المصري مع هذه التصريحات مستغرباً، وقد بدا أن هذا النظام وجد في ذلك ضالته، ليصب جام اتهاماته على قطر، ويتهمها بمختلف أشكال الاتهامات، الأمر الذي يجعل المرء يثير الشكوك عما إذا كان بعضهم، في القاهرة وأبوظبي، وراء اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وفبركة التصريحات التي نسبت لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد.
نقلا عن العربي الجديد