كنا نشتري أغراض الفطور والعشاء من قبل أسبوع: التمر والمهلبية، الحلبة والشوفان، الشعيرية والمعكرونة، قد يستغرب البعض من الديدن الذي نعيشه في الريف وتخصيص أكل الشعيرية في هذا الشهر فحسب، ذلك لا يهم، ما أستغربه حقًا لماذا يضيفون العين للمعكرونة التي تعيش في ألستنا بلا عين.
كنا نشتري أغراض الفطور والعشاء من قبل أسبوع: التمر والمهلبية، الحلبة والشوفان، الشعيرية والمعكرونة، قد يستغرب البعض من الديدن الذي نعيشه في الريف وتخصيص أكل الشعيرية في هذا الشهر فحسب، ذلك لا يهم، ما أستغربه حقًا لماذا يضيفون العين للمعكرونة التي تعيش في ألستنا بلا عين.
لم تكن نساء القرية يعرفن عمل السمبوسة بعد، ربما اعتبرن ذلك سرًا لباعة المدن المتجولين، لكن وفي ظل تطور العالم الذي سيصبح قرية كونية، صارت السمبوسة سهلة في كل بيت، حتى تلك التي قَلَتْهَا بشكل مربع في أول الأمر ورمت بها إلى وراء البيت خوفًا من ضحك الزوج أو غضبه، صارت أسرع ماهرة في تثليث السمبوسة.
هذه السنة، المنازل فاضية، الناس بلا مرتبات.. والذي كان يتباهى بتمرة يثرب العريضة وحمرتها الشهية، يتأهب ليسارب في طابور تمر المسجد، التمر المُتْرِب الذي تصدق به أبخل مغترب قبل سنوات من الحرب.
**
كان رمضان بالنسبة لنا، شهرًا للتمتع والراحة من لغب إحدى عشر شهرًا. نأكل فيه ونشرب، نلعب ونتسابق في قراءة القرآن. كنا نتجهز بأوراق الكوتشينة، استخدم لفظة الكوتشينة بتعالِ من نوع ما أستدعيه لأؤكد لأخي محمد أني اكتسبت أشياء من دراستي في صنعاء، فما نطلق عليها نحن: البطة، يسميها المثقفون الكوتشينة، والضومنة عندنا هي ذاتها أحجار الدومينو. لكن القرآن هو القرآن، والفائز من يكمل أولًا؟
لقد كنا صغارًا ولا نعترف بتأمل المعاني.
**
ما زالت أذهاننا تسطع بذكريات متوهجة
شهر رمضان يرتبط بالضوء، لقد كنا من قبل أيام من رؤية الهلال، نركض خلف المنازل القروية إلى تتحول إلى ملتقى الكداديف بالأشياء التالفة، كنا قبل وصول كهرباء الضغط العالي نبحث على أغلفة الأتاريك المعطلة، أغطيتها، وبطاريات أبو بس التي انتفخت بفضل عوامل التعرية وظننا أنها امتلأت بالطاقة.
الأتاريك هي المصابيح اليدوية، وسبب التسمية مجهول حتى الآن.
وكان لي إتريك وإتريك لأخي محمد.
كنا نعيد توليفه من جديد، نتأهب لرمضان ونحول الليل إلى ضوء صاخب ونتسابق عن صاحب أقوى ضوء من الإتريك الموالف.
ثمة مخترع يهزمنا جميعًا، كنا نظنه موهبة وهو بكل تأكيد مبدع مبتكر بمقياس سلطة الحوثي الآن، كان يصنع توصيلة للإتريك من لي بلاستيكي ليضيف بطارية ثالثة. عندما تحالف الحوثي والمخلوع انعدم الضوء تماماً، تساوى رمضان بشهر الغبار: تموز.
قبل سنوات كان الضوء أصفر، بما في ذلك الضوء الذي يولده أقدم ماطور يانمار، وهو المولد الذي يصمت طيلة السنة ويعمل قبل رمضان بأيام، كنا نفرح لضجيجه وعجيجه، هو بلا إجزاز، صوته ودخانه من المبشرات المفرحة لنا، في كافة أيام الشهر الفضيل يظل الكبار يسرحون ويروحون بحثًا عن “الشورت” الماس، أو العطل الذي أطفأ القرية.
عند العتمة كنا شجعانًا بقدر النهار
ذلك أنه كان لي إتريك، وإتريك لأخي محمد.
أحيانًا كان لا يصل رمضان إلا وقد انتهى شغف الاتاريك ودب الملل ونحن مستلقون في التكة بانتظار المسلسل التاريخي الديني.
بدأنا نكبر وتتحول اهتماماتنا تدريجيًا.
وعندما اندلعت الحرب؛ تعطلت كهرباء الدولة، بالنسبة لبيتنا ساعدنا أخي محمد على شراء لوح شمسي وبطارية لاستقبال رمضان لم يصمه معنا بل كان في جبهة القتال، تأكد لي أن رمضان شهر الضوء، كثير من الناس يذهبون الآن إلى المحلات لاقتناء أدواء الضوء البديل عن الكهرباء العمومية، ما يسبب غلاء في أسعار الألواح والبطاريات.
البطارية تفقد قيمتها والضوء يتضاءل الآن..
أخي عبدالله يصلح إتريكًا موالفًا لاستقبال رمضان.
العتمة تتراكب، والحزن يسبر الذكريات..
لقد انطفأ الضوء.. واستشهد أخي محمد.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.