الحوثي وصالح.. من يُلقي الآخر من السفينة أولاً؟
يحاول طرفا الانقلاب (الحوثي/ صالح) التخلص من بعضهما، فمن يقذف بالآخر من السفينة أولاً. يمن مونيتور/ صنعاء/ خاص
العديد من المؤشرات التي تعكسها التحركات السياسية لكل من تحالف الانقلاب “الحوثي/ صالح” تكاد تفصح عن سباق واضح بين طرفي الانقلاب، يسعى فيه كل منهما لرسم مستقبله السياسي من دون الآخر، أو عبر التخلص منه.
وازدادت حدة الخلافات بين كل من صالح وجماعة الحوثي المسلحة مؤخراً، وأمس قالت وكالة خبر التابعة لصالح، إن مليشيا الحوثي منعت طباعة عدد الأسبوع الحالي من صحيفة “الميثاق” لسان حال المؤتمر الشعبي العام (جناح صالح) في تطور خطير، يدل على عمق الهوة بينهما، تزامناً مع تراشقات إعلامية بين صحفيين وناشطين من الطرفين، واتهامات متبادلة بالفساد وشق الصف، والخيانة.
ونقلت وكالة خبر التابعة لصالح، عن محمد أنعم، رئيس تحرير صحيفة الميثاق (لسان حال المؤتمر الشعبي العام)، أنه “تم عرقلة طباعة عدد الأسبوع الماضي ولم يطبع العدد إلا بعد مرور يومين على موعد صدور الصحيفة”. مضيفاً أن مسؤولي التوجيه المعنوي “رفضوا حتى الآن طباعة عدد الأسبوع الجاري”.
وحسب الوكالة، شدد رئيس تحرير صحيفة الميثاق، أنه “لن يقبل أبدا بإغلاق الصحيفة ولو على قطع رأسه هو وهيئة التحرير”، مطالبا المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ بـ”اتخاذ موقف فوري”. مشيراً إلى أن ما حدث للصحيفة هو “استهتار بأعضاء المؤتمر الشعبي العام”، مطالبا حزبه بموقف جاد تجاه ذلك.
وطغت على الأجواء السياسية في صنعاء الواقعة تحت سيطرة مسلحي الحوثي/ صالح، مظاهر الخلاف بين طرفي الانقلاب الذين يشتركان في حكومة غير معترف بها دولياً، ومجلس سياسي يدير شؤون المناطق الخاضعة لسيطرة الطرفين، يستأثر الحوثيون برئاسته رافضين تسليمها لممثلي حزب صالح في المجلس وفقاً لما كان متفقاً عليه بينهما، فيما يستمر ممثلون للحوثيين في إدارة الوزارات والمصالح الحكومية بما في ذلك الوزارات التي عين فيها موالون لصالح.
وتعرض عدد من الوزراء المحسوبين على حزب صالح للطرد من مكاتبهم على أيدي مسلحين حوثيين، ضمن صراع على المناصب بين الجانبين، فيما يلوح الحوثيون بإمكانية اتخاذ اجراءات من شأنها تكميم أفواه إعلاميي صالح، تحت شعار “الطابور الخامس”، وهو المصطلح الذي يستخدمه الحوثيون في وصف إعلاميين وناشطين محسوبين على صالح يصطفون إلى جوار الحوثيين في مواجهة ما يسمونه “العدوان”.
ويخشى صالح وقيادات حزبه أن يقوم الحوثيون بحركة قمع واسعة بحقهم (كالتي قامت بها الجماعة ضد حزب الإصلاح وعدد من الإعلاميين المحسوبين عليه)، تمهيداً للاستئثار بالسلطة، خصوصاً بعد أن قام الحوثيون بتغييرات واسعة في الجيش الموالي لصالح والمؤسسات التي كان يديرها المحسوبون عليه، محاولين تضييق المساحة التي يتحرك فيها هو ورجاله.
وحسب مراقبين، فإن صالح يريد أن ينتفض ضد التمدد الحوثي الذي يبتلع الدولة يوماً بعد يوم، ويحاول سحب البساط من تحت أقدام الرئيس السابق وتقليص نفوذه في مناطق شمال الشمال، حيث ما زال لدى الرجل قطاع واسع من الجيش يأتمر بأمره، وتحالفات قبلية واسعة تدين بالولاء له.
وقال صحفي يعمل في إحدى وسائل الإعلام التابعة لصالح، إن صالح اتخذ من الحوثيين أداة في تصفية خصومه من حزب الإصلاح والقوى التي انتفضت ضده في 2011م، وكان ينتظر أن يتخذ منهم أيضاً _أي من الحوثيين_ وسيلةً في العودة إلى السلطة، من خلال الثورة عليهم. لولا أن “عاصفة الحزم” قطعت الطريق عليه. حين وضعته هدفاً إلى جوار الحوثيين.
وقبل أيام، أطلق الرئيس السابق في كلمة ألقاها أمام القطاع النسوي في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه، ما يشبه المبادرة داعياً المملكة العربية السعودية للحوار المباشر من أجل الاتفاق على رئيس جديد بدلاً من (عبدربه منصور هادي) مبدياً استعداده للخروج من اليمن من أجل الحوار حول ذلك “في أي مكان مع السعودية، حتى في أراضيها، بعد رفع الحصار عن اليمن ووقف الطلعات الجوية وإدخال المساعدات”.
وجاء ذلك بعد أيام من تصريحات تلفزيونية لولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قال فيها إن “علي عبدالله صالح لديه خلاف كبير جداً مع الحوثي، ونعرف أنه اليوم تحت سيطرة الحوثي وتحت حراسة الحوثي، ولو لم يكن تحت سيطرة حراسة الحوثي سيكون موقفه مختلفا تماماً عن موقفه اليوم بلا شك”. مضيفاً أن “علي عبدالله صالح لو خرج من صنعاء إلى منطقة أخرى سيكون موقفه مختلفاً تماماً عن موقفه اليوم، اليوم قد يكون مجبراً على الكثير من المواقف التي ذكرها”.
ونشرت صحيفة “الخليج” الإماراتية تقريرا، مساء أمس الاثنين، أشارت فيه إلى أن صالح أبدى استعداده لمغادرة اليمن إلى السعودية أو سلطنة عمان.
وأشارت الصحيفة الإماراتية إلى أن “صالح قد يغادر اليمن بضغوط أمريكية، للمساعدة في إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد”.
ونقلت “الخليج” عن مصادر لم تسمها، تأكيدهم وجود اتصالات سرية غير معلنة، بين مسؤولين أمريكيين وصالح، انتهت بإقناعه بمغادرة اليمن للمساهمة في حل سياسي للأزمة.
ونشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، الأسبوع الفائت، تقريراً قالت فيه، إن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بدأ يتحرك “إعلاميا” ضد الحوثيين، بعد تقارير تحدثت عن نية حوثية لاغتياله” مضيفةً، نقلاً عن مصادرها في صنعاء، إن صالح “التقى أعضاء المؤتمر الشعبي العام وهدد ببيع الحوثي للتحالف إذا لم يرضخ لمطالبه واصفاً الحوثيين بالمتطرفين”. فيما قالت إنه “أعطى الضوء الأخضر لوسائل الإعلام التابعة له لتعرية الحوثي وفضحه أمام المواطن اليمني وعلاقته بإيران، وبيعه اليمن إلى طهران”.
وكشفت الوكالة أن الرئيس اليمني السابق المتحالف مع ميليشيات الحوثي “يعد خطة لاستعادة صنعاء” منهم.
ويطالب صالح السعودية بإيقاف الطلعات الجوية التي تستهدف من بين ما تستهدفه قوات عسكرية موالية له، والجلوس للحوار المباشر، وقبل أيام، وفي خطاب له أمام قيادات من القطاع النسائي في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه، جدد صالح، الدعوة مخاطبا السعودية: (قلتم نوقف ضرب الصواريخ، قلت لا بأس سنقنع شركاءنا ورفاقنا في التحالف أن نوقف إطلاق الصواريخ مقابل أيش مقابل توقفوا طلعات الطيران، قلتم توقفوها في صنعاء وتعز لكن لا توقفوها في بقية المحافظات مرفوض، إحنا منظومة متكاملة المحافظات كلها مع بعض توقف طلعات الطيران كخطوة أولى ارفعوا الحصار، افتحوا المطار، فكوا الحصار، اسمحوا للمواد الانسانية أن تدخل، تعالوا نتحاور).
ويشير حديث صالح إلى أن ثمة خط تواصل بينه وبين السعودية، فحسب كلامه طلبت السعودية منه إيقاف إطلاق الصواريخ البالستية فاشترط مقابل ذلك ايقاف الطلعات الجوية التي رأت السعودية أن توقفها في صنعاء وتعز، فقط، وهو الأمر الذي لم يلق قبولاً من صالح، الذي طلب ايقافها في جميع المحافظات، هذا وفقاً لحديثه المشار إليه، الذي جدد فيه الدعوة للسعودية: (توقف طلعات الطيران كخطوة أولى، افتحوا المطار، فكوا الحصار، اسمحوا للمواد الانسانية أن تدخل، تعالوا نتحاور).
وتبدو الخيارات محدودةً في يد صالح الذي تعتبره السعوديةُ هو ورجال حزبه والقوات الموالية له هدفاً لها، في حين يتربص به حليفه وشريكه في السلطة الانقلابية جماعة الحوثي المسلحة، للانقضاض عليه، فهل يجد صالح المحشور بين فكي (السعودية، الحوثي) ثقباً يهرب منه إلى مستقبل اليمن السياسي؟
يتموضع صالح وحزبه في الطرف النقيض لجماعة الحوثي التي تتكئ على إرث الإمامة وتؤمن بالولاية وتراها في البطنين، بينما يستند صالح، على الأقل نظرياً، إلى ميراث ثورة 26 سبتمبر التي قضت على حكم الدولة المتوكلية وهي الثيمة التي يلوح بها خطاب صالح ووسائل إعلامه في الفترة الأخيرة، في سياق ضمني يراد به إيصال رسالة لجماعة الحوثي التي تعد امتداداً لحكم الأئمة.
ويجمع بين الحوثي وصالح تحالف أشبه بتحالف الضرورة، فالرجل الذي قدم تسهيلات كبيرة للجماعة في حربها ضد زعماء قبليين ثاروا ضده، وقيادات عسكرية محسوبة على حزب التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب اخرى، كان يرى في ذلك نيلاً من خصومه بيد غيره، بينما كان يعول على العودة إلى السلطة من خلال الثورة على الجماعة التي ثمة أرضية صلبة للثورة ضدها، هذا قبل أن تضعه عاصفة الحزم هدفاً موازياً إلى جوار الحوثي، ما اضطره للتحالف معها.
وترى جماعة الحوثي في صالح، هبة إلهية، إذ لم تكن تحلم بالوصول إلى صنعاء بتلك السرعة الخارقة، وبينما أجلت الانقضاض عليه بسبب ما أسمته التلاحم في وجه العدوان الخارجي، ترى في صالح حليفاً جيداً في ظل العمليات العسكرية التي تقودها السعودية، إذ تستفيد من قوات الجيش الخاضعة لسلطته والقاعدة الشعبية القبلية التي تدين بالولاء له في رفد الجبهات بالسلاح والمقاتلين.
ومؤخراً، بدأت الجماعة في تقليص نفوذ صالح، ومحاولة النيل منه، ونشر الحوثيون وثائق تثبت فساد وزراء في حكومة بن حبتور محسوبين على حزب صالح، فيما شرع إعلام الحوثيين وتحركاتهم الميدانية في استخدام مصطلح “الطابور الخامس” لإرهاب حلفائهم، والمطالبة بحالة الطوارئ التي يرى فيها موالون لصالح سوطاً سوف تستخدمه جماعة الحوثي في قمع وتكميم أفواه المحسوبين على صالح، من إعلامييه وقيادات في حزبه وموالين قبليين له.
ويعرف طرفا الانقلاب أن المركب التي تقلهما لا تتسع لهما الاثنين معاً، وإذا لم تكن المؤشرات تفيد بأن كلاً منهما يلهث ليكون سباقاً في القاء الآخر من السفينة، والمضي منفرداً، فإنه على الأقل يتربص به.