ليست المرة الأولى التي تتكدس فيها النفايات المنزلية في شوارع اليمن. فالمشهد يتكرر بين فترة وأخرى منذ بدء الحرب قبل عامين، لكنّ اليمنيين يواجهون تبعات الموجة الثانية لتفشي مرض الكوليرا بسبب هذه الأزمة البيئية بالذات
يمن مونيتور/صنعاء/العربي الجديد
ليست المرة الأولى التي تتكدس فيها النفايات
المنزلية في شوارع اليمن. فالمشهد يتكرر بين فترة وأخرى منذ بدء الحرب قبل عامين، لكنّ
اليمنيين يواجهون تبعات الموجة الثانية لتفشي مرض الكوليرا بسبب هذه الأزمة البيئية
بالذات
تأخرت مبادرة إزالة النفايات من شوارع اليمن
التي بدأت صباح أمس الأربعاء كثيراً. فتلك الأزمة البيئية أودت بحياة عدد من أبناء
البلاد بمرض الكوليرا الذي انتشر بالترافق مع تدهور الوضع البيئي والصحي في البلاد،
بالإضافة إلى أكثر من 2000 حالة إصابة مشتبه بها.
سلطات محلية عديدة في مناطق مختلفة استمرت
أمس الأربعاء في إرسال نداءات استغاثة لنجدة سكانها من المرض. منها مجموعة قرى بني
سعد في محافظة المحويت التي أصيب نحو 30 شخصاً فيها بالكوليرا. كذلك، أرسل مدير مستشفى
“الأمومة والطفولة” بمحافظة إب (وسط) نداء مماثلاً عقب وصول 60 حالة جديدة
الى المستشفى الذي يفتقد للمحاليل الطبية والأدوية.
تسيطر الكوليرا على أحاديث المجتمع والطبقة
السياسية فانتشار المرض يثير الكثير من الخوف. الأحد الماضي، وبعد انقضاء ثلاثة أيام
فقط على بدء إحصاءاتها، كشفت وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء عن ارتفاع الحالات
المشتبه بإصابتها بالمرض من 215 وثلاث وفيات إلى 1350 إصابة محتملة وثماني وفيات في
البلاد ككلّ، وثلثا الحالات في العاصمة صنعاء. لكنّ منظمة الصحة العالمية، من جهتها،
أوضحت مساء الثلاثاء أنّ المصابين بالإسهال الحاد في اليمن أي المشتبه بإصابتهم بالكوليرا
هم 2022 شخصاً، أما الوفيات المرتبطة بالمرض فهي 34.
السكان يعيشون حالة رعب من تفشي المرض وهم
مرتابون من تعمد السلطات إخفاء العدد الحقيقي الذي يتوقعون أنّه أضعاف ما جرى الإعلان
عنه بعد تبادلهم الكثير من قصص لإصابات يعرفونها. في هذا السياق، يستغرب، المواطن عبد
الكريم ردمان التصريحات الرسمية وتقارير وسائل الإعلام التي تقلل من أعداد المصابين
بالمرض. يقول في منشور على “فيسبوك”: “لم يجروا مسحاً ميدانياً، ففي
الحي الذي أسكن فيه تجاوز عدد المصابين عشرين شخصاً، وفي منزلي إصابتان”. ويتساءل:
“من المستفيد من هذا النوع من التضليل الذي لا يخدم المصابين ولا يخدم أيّ إنسان
يريد لليمن وأهله الخير”؟ ويوضح ردمان أنّ صنعاء على أبواب كارثة كبيرة، فالمرضى
عندما يصابون لا يعرفون ما الذي أصابهم فيصبرون أو يلجؤون إلى عيادات خاصة، والسعيد
من يحصل على محاليل طبية تبقيه على قيد الحياة، والبعض يقضي نتيجة انخفاض الضغط والجفاف”.
كذلك، يقول حسين العمراني إنّ أحد جيرانه
ووالدته أصيبا بالمرض بعد شربهما مياهاً ملوثة كما يبدو. يقول إنّه نقل والدته بسيارة
تاكسي إلى مستشفى “السبعين” في مركز مدينة صنعاء الذي خصصته السلطات لاستقبال
النساء المصابات لكنّه تفاجأ بموظفي المستشفى يطلبون من السائق إدخال السيارة إلى موقف
المستشفى الداخلي ليكون في استقبالهما الطاقم الطبي الذي باشر في علاجها وهي فوق السيارة.
يضيف العمراني: “اعتذرت الممرضة لهذا التصرف بالقول إنّ جميع أسرّة المستشفى بالإضافة
إلى ممرات الأقسام المختلفة مليئة بحالات مشتبه بها بالكوليرا. وبالفعل، كانت النساء
ملقيات على الأرض وليس تحتهن سوى بطانيات والطواقم الطبية القليلة تتناوب المرور بينهن”.
نشرت السلطات قائمة بأسماء المستشفيات التي
ينبغي على من يشتبه بإصابته بالكوليرا نقله إليها. لكنّ أوضاع معظمها لا تؤهلها لمعالجة
المصابين. يعلق نائب مدير أحد المستشفيات أنّ “المستشفى، مثل باقي المستشفيات
العامة الأخرى، ليس مستعداً عملياً لتقديم الخدمة الطبية المطلوبة بسبب العديد من التحديات
المالية والفنية التي يعاني منها منذ عامين، فمعظم الطواقم الطبية مضربة عن العمل بسبب
انقطاع رواتب أعضائها كما أنّ الصيدلية المركزية استقبلت مؤخراً كميات غير كافية من
الأدوية، أما المختبرات فتفتقر إلى المحاليل الوريدية ومحاليل فحص المرض، فالمرضى يغطون
تكاليف معظم هذه النواقص”.
في هذا الإطار، يصف طبيب في مستشفى
“الكويت العام” تفشي الكوليرا بالكارثة الإنسانية الجديدة في اليمن التي
يصعب على السلطات السيطرة عليها بإمكانياتها الحالية الضعيفة من دون دعم حقيقي للمنظمات
الدولية. يضرب الطبيب مثلاً أنّه “بسبب نقص محاليل الفحص المخبري على المستوى
الوطني يضطر الأطباء المتوفرون إلى وصف الأدوية لمرضاهم بعد تشخيصهم أعراض المرض فقط
من دون تحاليل مخبرية”. يشير إلى أنّ في هذا الإجراء مخاطرة لكنّه ضروري لإنقاذ
حياة ضحايا هذا المرض الذي يمكن أن يفتك بصاحبه بسبب الجفاف الحاد في غضون أيام إذا
تأخر عن تناول الدواء المطلوب.
يضيف الطبيب أنّ من الطبيعي أن يصل اليمنيون
إلى هذه الكارثة: “بغض النظر عن تراكم النفايات وتخمرها وانتشارها وسط السكان
لعدة أسباب، يرتبط هذا المرض تماماً بتلوث مياه الشرب وانكشاف بؤر الصرف الصحي في بلد
يعاني أكثر من 14 مليون شخص فيه من صعوبة في الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي
الآمن”.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)
قد ذكرت أنّها قدمت 7 أطنان من المواد العلاجية تكفي لألفي حالة إصابة بالكوليرا. بدورها،
أرسلت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الأسرّة والأثاث الطبي وأدوية علاج حالات الكوليرا
و1000 قنينة من المحاليل الوريدية إلى مركز علاج حالات الإسهال في “المستشفى الجمهوري”
بصنعاء. أما منظمة أطباء بلا حدود فقد دعت إلى تعزيز الاستجابة تجاه تفشي الكوليرا
في اليمن. أضافت في بيان لها أنّها تستقبل وتعالج أعداداً متزايدة من مرضى الكوليرا
والإسهال المائي الحاد في محافظات عمران وحجة والضالع وتعز وإب. وأشارت إلى أنّها أنشأت
مراكز لعلاج الكوليرا ضمن خمسة مستشفيات لعزل ومعالجة المرضى الذين تظهر عليهم الأعراض،
مؤكدة أنّها عالجت نحو 276 مريضاً بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.
من جهتها، أبدت جامعة الدول العربية أمس
الأربعاء قلقها من تفشي الكوليرا في اليمن وإمكانية حدوث كارثة بسبب ذلك. وقال المتحدث
الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، الوزير المفوض محمود عفيفي، إنّ
“الأمين العام أحمد أبو الغيط يتابع بقلق بالغ التقارير الدولية التي تُشير إلى
تفشي مرض الكوليرا في اليمن بما أدى إلى وفاة وإصابة المئات حتى الآن”.