لم تكن المرة الأولى التي ألقى بها مثل أم مختار؛ ولم تكن المرة الأولى التي يخترق بها الألم أذني بكل جرأة وصلابة!
كانت أم مختار تحمل بين يديها قطعة من النقود
قدرها عشرون ريالا، وهي مطرقة رأسها داخل حافلة نقل صغيرة، تلعب بالقطعة بين أناملها الناحلات، ولا أدري ما
الحكاية التي تسردها المرأة اللطيفة للقطعة من النقود.
هل تحكي لها مسيرة المعاناة التي تتلقاها،
أم أنها تسألها ما الذي يمكن لها أن تصنع بها وهي تود أن تستخدمها في مشوارين؟
ثم ما الذي ستخاطب به سائق الباص وقت النزول
عندما يتضجر منها، وهل تجعل العشرين أجرة هذا الباص أم تجعلها أجرة الباص الآخر، ثم
هل سائق الباص هذا سيقبل أم لا؟؟
بادرني الفضول -ولم يكن من عادتي- أن أسألها
عن حالها فأجابتني بصوتٍ مليئ بالحزن وعينين قد أثقلهما السهر والتعب والإعياء: (ليتني
لم أنجبْ كثيراً)!
بدأت تحدثني بكل قهر وتأسف، إنها تعول خمسة
أولاد فقدوا أباهم قبل عامين من الآن إثر رصاصة اخترقت رأسه وهو يمشي في أحد شوارع
صنعاء، وبعدها تغير مسار حياتهم إلى الأسوأ. لم تعد الحياة كما كانت؛ فصغيرها يحمل مرضاً وراثياً يتطلب الدواء اليومي،
ولقمة العيش لم تستطع توفيرها بالشكل المطلوب، ولم تحصل على مصدر رزق لها وأسرتها..
إنها طوال الوقت تبحث عن عمل تحصل من خلاله على لقمة العيش والدواء لصغيرها.
تغادر اللطيفة بيتها كل صباح لتعود في وقت
متأخر إما مسرورة بما حصلت عليه، أو خائبة حزينة تعض أناملها قلقاً، و تتساءل مع نفسها، ما الذي يمكنها أن ترد به على
أسئلة صغارها!
سألتها عما حصلت عليه اليوم؟
فأجابت أنها لم تحصل على شيئ سوى التعب
والعناء، ثم أضافت: التعب قد أرهقها وجسدها منذ اليوم الأول الذي ظلت تعمل به طوال
النهار في تنظيف إحدى البيوت لتحصل وقت الغروب على خمس مائة ريال عادت بها إلى أفراخها
الجوعى المنتظرين لها بفارغ الصبر، العالقين على شباك الغرفة الصغيرة التي استأجرتها
بعد ما تم طردها من قبل المؤجر للشقة التي كانت تعيش فيها.
كادت المرأة أن تنام وهي تحدثني لشدة التعب
والاعياء،
فعلاً
ليتها لم تنجب كثيراً.. وليتني لم أرَ وجعاً
كهذا!
*المقال
خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.