اللغة العربية تحتاج إلى عمل مؤسساتي للدخول إلى العالم الرقمي
تعاني اللغة العربية في عصرنا الراهن من ضعف مساهمتها في المجال التكنولوجي، بينما باتت التكنولوجيا أهم ميزات عصرنا، ومقومات الحياة فيه، حيث يستعمل كل الأفراد في العالم الكمبيوترات والهواتف الذكية وشبكة الإنترنت. يمن مونيتور/أبوظبي /العرب اللندنية
تعاني اللغة العربية في عصرنا الراهن من ضعف مساهمتها في المجال التكنولوجي، بينما باتت التكنولوجيا أهم ميزات عصرنا، ومقومات الحياة فيه، حيث يستعمل كل الأفراد في العالم الكمبيوترات والهواتف الذكية وشبكة الإنترنت. لكن بقيت اللغة العربية قاصرة عن التواصل والإنتاج في هذا المجال، حيث تعاني لغة الضاد من حواجز عديدة تعيق دخولها الفعّال في دائرة التكنولوجيات الحديثة وعالم الرقمنة، ما يستدعي حلولا جذرية لتلافي هذا القصر للغة تعد من أهم لغات العالم.
في هذا الإطار، وعن حوسبة اللغة العربية والتحديات التي تواجهها هذه العملية، إضافة إلى آفاق الاشتغال وما يمكن أن يتمخض عنه من نتائج من شأنها انتشال اللغة العربية من أزماتها، تحدث الباحث والأكاديمي محمد الخليل مدير برنامج الدراسات العربية في جامعة نيويورك بأبوظبي، مشيراً إلى أن الواقع يعاني من قصور كبير في هذا المجال، وأن البيانات تدل على تفاوت هائل في الموارد المتاحة للغة العربية مقارنة مع لغات أخرى كالإنكليزية، وأن هذا التفاوت يزداد حدة عندما يتصل الأمر بمنشورات اللسانيات الحوسبية.
جاء ذلك في محاضرة نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في الشارقة مساء الأربعاء وأدارها إسلام أبوشكير المنسق الإعلامي في الاتحاد. وقد استهل محمد الخليل محاضرته بتعريف مبسط لحوسبة اللغة قائلاً إنه يعني استخدام الإمكانيات الحوسبية الهائلة للكمبيوتر في تحليل ودراسة الظواهر اللغوية والظواهر الأخرى المستشفة من اللغة، ثم تحدث عن الأسباب الموجبة التي تدفع إلى الاهتمام بهذا الحقل البحثي.
البيانات تدل على تفاوت هائل في الموارد المتاحة للغة العربية مقارنة مع لغات أخرى كالإنكليزية، وأن هذا التفاوت يزداد حدة عندما يتصل الأمر بمنشورات اللسانيات الحوسبية
مصنفاً إياها إلى أسباب علمية تشمل إنجاز مسح وتوثيق شاملين لمكونات اللغة وقواعدها، وتحقيق فهم أكبر لآليات تعلّم اللغة واستخدامها، وفهم الإمكانيات والوظائف الحيوية التواصلية للعقل البشري، إضافة إلى تقديمه أسبابا عملية تشمل الترجمة، وتفعيل تعليم اللغات، وصنع معاجم وقواميس محددة ودقيقة، وتكوين المحادثة الآلية، من ناحية فهم الأصوات وإصدارها، وتحديد الاحتياجات والميول الشخصية من نصوص التواصل الاجتماعي (لأغراض الدعاية والتسويق مثلاً)، كما تطرق الباحث إلى مجال التطبيقات الأمنية من تشفير وفك تشفير ودراسة ميول العنف والتنبؤ بالجرائم والإرهاب.
وبعد أن استعرض الباحث أهم المحطات التي مرت بها التجربة الحوسبية على مستوى العالم، توقف عند التجربة العربية، مستعرضاً مجموعة من المشاريع الواعدة مثل: متن عربية القرآن، ومداميرا MADAMIRA، ومكنز قُمر، وبرنامج QATS لتحويل اللغة المحكية في الأفلام إلى كتابة على الشاشة، والقارئات الضوئية، والمترجمات والمصححات اللغوية لشركات صخر ومايكروسوفت وغوغل، إضافة إلى مشروع “سامر”، الذي تشرف عليه جامعة نيويورك أبوظبي، وهو مشروع تبسيط روائع الأدب العربي لدعم القراءة الممتدة، والمتن الذي يشتغل عليه هو المنهاج التعليمي المعتمد في وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة لجميع المواد من الصف الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي.
وعن التحديات التي تواجهها اللغة العربية في مجال الحوسبة ذكر الباحث أن بعضها يعود إلى سمات تخص اللغة العربية ذاتها، ومنها كثافة المضمون التاريخي في المعجم العربي، وخصوصية الخط العربي وتمثيله لأصوات اللغة العربية، خاصة فيما يتعلق بضعف تمثيل الحركات، وكثرة قواعد اللغة العربية وتعقيدها، وتعدد اللهجات العربية وتداخلها على المستويين الجغرافي والحضري.
غير أن من هذه الأسباب ما هو موضوعي يمكن علاجه بالتخطيط والإدارة، ومن ذلك ضعف السياسات اللغوية في البلاد العربية، وتكلس المؤسسات القائمة على رعاية اللغة العربية، وتردي مكانة أستاذ اللغة العربية الاعتبارية والاقتصادية، علاوة على ضعف التأهيل الجامعي للباحثين في اللغة العربية، وغياب أصحاب الاختصاص عن المشاريع المهمة، وترك اللغة العربية تحت رحمة قوى السوق العالمية.
وأكد المحاضر أن مجال حوسبة اللغة يحتاج إلى عمل مؤسسي متكامل، وذكّر بنموذج التعاون المثمر الذي يمثله مشروع “سامر” بين جامعة نيويورك أبوظبي ووزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي ختام المحاضرة قدم القاص محسن سليمان عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات شهادة تقدير إلى المحاضر الضيف محمد الخليل، شكراً له على جهده ومساهمته في إثراء برنامج فعاليات وأنشطة الاتحاد.