(تقرير خاص) من أدبيات الحرب: الزامل.. ساحة أخرى للصراع في اليمن
تخلق الحروب مثل كل الحالات والظواهر الاجتماعية الإنسانية، أدبياتها الخاصة بها، وفي مجتمع ما زال يطغى عليه الطابع القبلي كاليمن، تلعب أشكال التعبير الشفاهي دوراً مهماً في ذلك، لدرجة تجعل من بعضها مثل الزامل، الفن الشعبي الأول الذي يتضمن أدبيات الحرب بوصفه ساحةً أخرى للصراع بين الأطراف المتنازعة، عوضاً عن تمثيله ما يشبه الأدبيات الأساسية بالنسبة لبعضها، مثل جماعة الحوثي المسلحة.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/خاص:
تخلق الحروب مثل كل الحالات والظواهر الاجتماعية الإنسانية، أدبياتها الخاصة بها، وفي مجتمع ما زال يطغى عليه الطابع القبلي كاليمن، تلعب أشكال التعبير الشفاهي دوراً مهماً في ذلك، لدرجة تجعل من بعضها مثل الزامل، الفن الشعبي الأول الذي يتضمن أدبيات الحرب بوصفه ساحةً أخرى للصراع بين الأطراف المتنازعة، عوضاً عن تمثيله ما يشبه الأدبيات الأساسية بالنسبة لبعضها، مثل جماعة الحوثي المسلحة.
ومنذ ظهر الحوثيون، اشتهروا بالزامل، كمكون رئيسي من أدبياتهم التي يمكن تلخيصها في ملازم زعيم الجماعة (حسين بدر الدين الحوثي)، و(الزوامل التي يغنيها منشدون من الجماعة ويتداولها أنصارها في كاسيتات، وملفات ميديا رقمية).
وتؤدي الزوامل بالنسبة لجماعة الحوثي، وظيفة الأناشيد بالنسبة لحزب الله، عوضاً عن مضامينها التي تعبر عن وعي الجماعة الشعبي المذهبي العرقي، بما فيها من خطاب يمجد الحرب وبطولات الجماعة وتضحيات أتباعها من أجل “السيد”، وغير ذلك من المضامين التي تعرض بالخصوم، وتشبه الأغاني العسكرية الحماسية التي تلهب حماس المقاتلين في الجبهات. وتتمركز حول بطولاتهم المزعومة، كما تتحدث على لسان زعيم الحركة عبدالملك الحوثي، أو تخاطبه على لسان اتباعه، وقد تتضمن مفردات من بعض خطاباته السياسية التي يلقيها في المناسبات.
الغرق في الخطاب الطائفي-الجهادي
ويغرق الزامل إجمالاً في الخطاب الطائفي، الجهادي، الذي يمجد السلالة ويعبر عن مرتكزات أساسية من رؤية الجماعة وفكرها، فيما عدا بعض الخروجات عن ذلك في الفترة الأخيرة، والتي تفتخر بالشعب اليمني أو تتحدث باسمه أو تستحثه انطلاقاً من هويته التاريخية (الحميرية، القحطانية)، فقط من أجل استعطاف أفراد الشعب، واستقطابهم للانضمام إلى جبهات القتال.
ويتجدد إنتاج الحوثيين من “الزوامل” بين كل فترة وأخرى، بينما يتسم إنتاج كل مرحلة بطابع خاص يطغى عليه خطاب المرحلة ومقتضياتها، فقبل اقتحام المدن اليمنية كان الحوثيون يتغنون بالسلام، بينما في الفترة التي كانوا يمهدون فيها لدخول صنعاء اتسمت زواملهم بانتقاد حكومة الوفاق الوطني، وانتقاد الفساد مثل زامل (شرق، شرق، شرق، ثورة على كل السرق)، أما في الفترة الأخيرة فموجهة معظمها ضد التحالف العربي والمقاومة الشعبية.
وينظم هذه “الزوامل” شعراء من أتباع الجماعة، وتغنى على ألحان فولكلورية لكن بأصوات منشدين من الجماعة نفسها، أشهرهم (لطف القحوم، وعيسى الليث) والأول قالت الجماعة إنه قتل في جبهة نهم، بعد مسيرة حافلة معها.
فرق الحوثيين
ويصاحب أداء المنشد الرئيسي أداء جماعي على إيقاع الطبل الذي عادةً ما يكون الطبل الشعبي المعروف في اليمن. وللحوثيين فرقتان إنشاديتان، في كل من صنعاء وصعدة، وكان لهم فرقة محدودة وشعراء محدودون ينظمون النصوص التي يتم إنشادها، قبل أن تقتحم الجماعة العاصمة صنعاء وينظم إليها كثير من الفرق الإنشادية من المنشدين الدينيين (الزيديين)، وكثير من الشعراء الشعبيين.
وقال أحد الشعراء الذي أنشد الحوثيون بعض زوامله، لـ”يمن مونيتور” “نتواصل مع المنشدين عبر الواتس آب، مباشرة، وهم يقررون إذا ما كان ما نظمناه يستحق الإنشاد أم لا”، مضيفاً إنهم (أي الشعراء) لا يستلمون أي مستحقات مادية مقابل ذلك، وإنما يعتبرون ذلك “بمثابة الجهاد، لأن ذلك يدخل في إطار تثقيف المجاهدين في الجبهات”.
وأضاف، هناك استديوهات للتسجيل، لكن مؤخراً تم إعداد استديوهات صغيرة لبعض المنشدين في منازلهم.
ويستخدم الحوثيون النشيد مع شعارهم المعروف بالصرخة، في مختلف مناسباتهم وتجمعاتهم الصغيرة والكبيرة، وعادةً ما يبثونه عبر مكبرات صوت في السيارات التي يتنقل عليها المقاتلون. في حين يمثل الزامل مادة أساسية بالنسبة لوسائل إعلام الحوثيين المرئية والإذاعية، وأصبح للحوثيين إذاعة خاصة هي “سام. إف. إم”، تعتمد على بث الزوامل الحوثية.
ويحتل الزامل المكانة الأولى وربما الحصرية فيما يتعلق بالأدبيات الفنية بالنسبة للجماعة التي تحرم الغناء، وبدأت منذ اقتحامها لمدينة عمران بإسكات صوت الغناء واعتقال الفنانين ومنع الغناء بما في ذلك على المركبات التي تمر بنقاط التفتيش التي كانت تقيمها، هذا قبل أن تتخلى عن ذلك بسبب النقد الكبير الذي واجهته، بينما ما زال أنصارها يلحون على الناس بطريقة شبه مهذبة بالاستماع إلى الزوامل.
والزامل: فن من فنون الشعر الشعبي في اليمن، يقترب في بنائه وبعض خصائصه من فن الزجل الأندلسي، يتميز بقصره إذ لا يتعدى بيتين شعريين على اختلاف بناه الشكلية التي قد تشبه أحياناً _وليس دائماً_ نظام بيت الموشح.
متى يقال الزامل؟
ويقال الزامل في المناسبات والمواقف ويشبه بياناً اجتماعياً من قائله الذي قد يمثل ذاته أو جماعته التي ينتمي إليها (القبيلة مثلاً)، وهو أكثر أشكال التعبير الشفاهي الشعرية تداولاً واستعمالاً بسبب حيويته وقصره وخصائصه الفنية “الشفاهية” التي تمكن الشعراء من التعبير عن موضوعات الحياة اليومية والساخنة، كما يمكن الذاكرة الشفاهية من تناقله واستحضاره، ولهذا غالباً ما يصاحب مناسبات اجتماعية (الأعراس، العزاء، الخلافات الاجتماعية، أو المصالحات)، وفي هذه الحالة الأخيرة عادة ما ينشد جماعياً ويعبر عن موقف الجماعة التي ينتمي إليها الشاعر.
ويتضمن الزامل عادةً، تلك المضامين التقليدية التي تعالجها القصيدة العربية الكلاسيكية، مثل الفخر، والهجاء، والرثاء، والحب، وغيرها من المضامين الذاتية الوجدانية، إضافة إلى مضامين أخرى نابعة من وظيفته الاجتماعية المرتبطة بالمناسبات، كالتهاني، والمجاملات، وحتى إصلاح ذات البين، وعادةً ما مثل الزامل وسيلةً في ذلك، بل اعتبرت بعض نصوصه بمثابة “أحكام” عرفية في خلافات بين بعض القبائل وبعضها.
وللزامل لدى القبائل، وظيفة اجتماعية فنية مهمة، ولقد لجأ الحوثيون له نظراً لفاعليته ودوره واعتياد أبناء القبائل الذين يمثلون قوام الجماعة عليه.
ويرى باحثون ومهتمون بالتراث الشفاهي، إن انحراف الزامل عن وظيفته الاجتماعية، وتفخيخه بثقافة العنف وخطاب الحرب، يعد جنايةً على هذا الفن الشفاهي الجمالي القادم من أغوار ثقافة الإنسان اليمني، والمندمج مع حياته ومن خلاله اعتاد الإنسان التعبير عن قضاياه وأفكاره بمختلف تمثلاتها وأشكالها وتوجهاتها.
الأثر في الأطفال
وقال توفيق محمد وهو أستاذ تربوي يعمل في إحدى مدارس العاصمة لـ”يمن مونيتور” صار التلاميذ ينشدون الزوامل الحوثية أكثر من النصوص الأدبية والأناشيد التي يتضمنها المنهج الدراسي.
يقول سامي محمد، وهو رجل أعمال، لـ”يمن مونيتور” إن طفله أحمد يحفظ العديد من زوامل الحوثيين التي تمجد العنف، وهو يخاف عليه من قيم العنف والحرب التي تتضمنها. أما ناصر وهو سائق تكسي يعمل في العاصمة، فقال إن الزوامل هي التي دفعت بأحد أقاربه للتوجه إلى جبهات القتال.
وقال أحد الشعراء الذين أنشد الحوثيون ما نظموه من زوامل، لـ”يمن مونيتور” لم يعد هناك زوامل مهمة، لم تعد هناك زوامل تشتهر كثيراً بعد أن فقر الناس وساءت أوضاعهم بسبب عدم صرف المرتبات، إذ يلقون باللوم على الحوثيين في ذلك.
ومؤخراً أصبح الزامل الحوثي محل سخرية من الناس، وحين عجزت الجماعة عن دفع مرتبات الموظفين اشتهرت نكات من قبيل تلك التي تقول “على الحوثيين أن يصرفوا للناس زوامل” كرواتب شهرية.
وقال الشاعر الشعبي الذي تحدث ليمن مونيتور، إن مكانة الزوامل الحوثية بدأت تنحسر شعبياً، خصوصاً بعد أن جاء أبو حنضلة بالشيلة، والذي أصبح يمثل مصدر إزعاج كبير للحوثيين.
وأبو حنضلة منشد غير معروف كثيراً، انتشرت كثير من التسجيلات الخاصة به وهو يغني شيلات (والشيلة فن شعبي يشتهر في المدن الجنوبية للسعودية ويشبه الزامل في اليمن)، وفيها فخر باليمن واليمنيين، دون أن تمس طرفاً من الأطراف، أو تجرح أحداً، أو تشيد بأحد من القوى السياسة.