كيف ستتصدى أمريكا لنفوذ إيران في الشرق الأوسط؟
ترى السياسة الأمريكية في عهد ترامب أن إيران تشكّل تحدياً شاملاً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط. يمن مونيتور/ متابعات خاصة
تضع السياسة الأمريكية الجديدة، نصب عينيها تقليم أذرع النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط، وهو الاتجاه الجديد الذي بدا واضحاً أن إدارة الرئيس ترامب تتبناه بل وتسعى من أجل تحقيقه إلى تنفيذ استراتيجية بدأت تتشكل ملامحها من شأنها أن تمثل متغيراً مهماً في طبيعة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وأقطاب التحالف فيها، ما من شأنه إجمالاً أن يؤثر بشكل مباشر على المشهد السياسي في المنطقة، وربما يكون له انعكاسه على كثير من الاحداث في عدد من البلدان وعلى رأسها: اليمن، وسوريا.
وترى السياسة الأمريكية في عهد ترامب أن إيران تشكّل تحدياً شاملاً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط.
وأدلى مارتن مارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذي، لمعهد بروكنجز يوم الثلاثاء 28 مارس/ آذار 2017 بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن “الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران”. قال فيها إنه وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تمكنت إيران من إنشاء “قوس نفوذ” يمتد من لبنان وسوريا في بلاد الشام، مروراً بالعراق والبحرين على الخليج، ووصولاً إلى اليمن على البحر الأحمر. مشيراً إلى إن ما تحتاجه الولايات المتحدة الآن هو “استراتيجية التصدي” تكون شاملة ومتكاملة ومستدامة.
وأوضح مارتن إنديك، وهو نائب الرئيس التنفيذي لمعهد بروكنجز، أن أي استراتيجية أمريكية من هذا النوع لا بد أن تأخذ في الاعتبار كيف أنّ كل شيء مترابط في الشرق الأوسط. فقد يؤدي الضغط على إيران في اليمن إلى تحريك الشيعة في البحرين. وإن ضغطنا على الإيرانيين في سوريا، فقد يستخدمون الميليشيات الشيعية في العراق لتقويض جهودنا للقضاء على داعش هناك، أو أنهم قد يشجعون حركة حماس على شن هجمات صاروخية على إسرائيل من غزة.
وقال إنديك، في شهادته التي نشر معهد بروكنجز الدوحة، ملخصاً لها في موقعه على شبكة الإنترنت، إن الاستراتيجية الشاملة لا بد أن تتضمن ستة عناصر على الأقل:
1- تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني بصرامة. أيا كانت عيوب خطة العمل المشتركة الشاملة، إلا أنها نجحت في خلق نافذة ضرورية على مدى 10 أعوام لا تكون خلالها المنطقة مهددة بإمكانيات إيران النووية وسباق التسلح النووي الذي كانت ستطلقها لا محالة. إنّ مقاومة إيران في الشرق الأوسط المثقل بالصراعات ليست بالأمر السهل البتة، إلا أن كل شيء يصبح سهلاً لو لم نكن نواجه تهديداً نووياً إيرانياً يثير قلقنا في الوقت ذاته. وطالما يلتزم الإيرانيون التزاماً دقيقاً بالاتفاقية، تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون قد كسبوا وقتاً ضرورياً لتطوير العناصر الأخرى لاستراتيجية التصدي وتنفيذها.
2- تقديم الدعم للحكومة العراقية التي يرأسها حيدر العبادي والقوات المسلحة العراقية في الحملة للقضاء على داعش واستعادة السيطرة على الموصل والمناطق السنية في العراق. إن تقويض النفوذ الإيراني في العراق لا يعد هدفاً قابلاً للتحقيق أو هدفاً ضرورياً نظراً للعلاقات التاريخية والدينية بين شيعة العراق وإيران. ولكن ما يمكن تحقيقه هو توازن مضاد فعّال للتأثير الإيراني في بغداد، لا سيما وأن الحكومة العراقية الحالية ترحب بذلك، وهو أمر غاب في عهد حكومة المالكي السابقة.
صحيح أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج لم ترغب التعامل فعلياً مع الحكومة العراقية منذ وقت طويل، إلا أن زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة إلى بغداد – وجهود السعودية للتعامل مع العشائر السنية في العراق – بشّرت بنهجِ جديد لا بدّ من تشجيعه ودعمه. إن القضاء على داعش سيخلق تحدياً كبيراً لإعادة الإعمار في فترة ما بعد الصراع في الموصل وغيرها من المدن والبلدات السنية المحررة من أتون الحرب. سيكون من الضروري بشكلٍ خاص الحصول على دعم الدول السنية لجهود إعادة الإعمار بعد الحرب تقودها حكومة العبادي بتشجيع من الولايات المتحدة. ومن الضروري ألّا يُسمح للميليشيات الشيعية التي تديرها إيران بملء الفراغ وفي الوقت نفسه المشاركة في عملية مد جسر بري بين إيران وسوريا عبر شمال العراق.
3- التشجيع على التوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية في اليمن. إنّ إدارة ترامب تدرس حالياً تكثيف الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في حملتهما العسكرية الطويلة التي بدأت منذ عامين في اليمن. ولكن لا يكون لذلك أي معنى إلا إذا كان هذا الحل مقترناً باستراتيجية دبلوماسية لإنهاء الحرب، الأمر الذي قد خلّف آلاف الضحايا المدنيين ومعاناة إنسانية على نطاق واسع. ما عدا ذلك، ستجد الولايات المتحدة نفسها في مستنقع اليمن كما حصل للكثير من القوى الخارجية قبلنا.
ولا بد أن تؤثر الانتصارات في ساحة المعركة على الديناميكيات على طاولة المفاوضات. وفي هذا الصدد، قد تؤثّر الجهود الناجحة للسيطرة على ميناء الحديدة في البحر الأحمر على حسابات الحوثيين وتؤدي إلى مزيد من الجدية والمعقولية من جانبهم في المفاوضات. بيد أنّ الدعم الأمريكي يحتاج إلى أن يكون مشروطاً على حلفائنا السعوديين أيضاً للسعي إلى حل سياسي.
4- الحد من التأثير الإيراني في سوريا. سيشكّل ذلك مهمّة صعبة ومعقدة، وتنفيذه لن يكون أسهل بالحديث عن الهدف غير الواقعي المتمثل في “إخراج إيران من سوريا”. لا بد أن ندرك أننا لا نملك، لا نحن ولا الروس، الإرادة أو القدرة على تحقيق هذا الهدف في ظل الظروف الحالية، بغض النظر عن رغبتنا الشديدة بذلك.
لقد حققت إيران وجوداً كبيراً على أرض الواقع في سوريا: لقد توغّل الإيرانيون إلى داخل مؤسسات نظام الأسد المتبقية، وضموا حوالي 30,000 عنصر في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في غرب سوريا (حوالي 5,000 من عناصر الحرس الثوري الإيراني والباسيج وعناصر من الجيش الإيراني؛ وبين 3,000 إلى 5,000 مقاتل في حزب الله من لبنان تلقوا تدريباً عالياً؛ وحوالي 200,000 عنصر من الميليشيات الشيعية تمّ تجنيدهم من أفغانستان وباكستان). إنّ عدد هذه القوات يفوق عدد العناصر المتبقية من الجيش السوري أو القوات الروسية المنتشرة الآن هناك.
عاملان أساسيان يعززان الوجود الذي تسيطر عليه إيران:
أولاً، التحالف بين إيران وعائلة الأسد الذي أسسه الأسد الأب في ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، أصبح الأسد الابن أكثر اعتماداً من أي وقت مضى على طهران من أجل بقائه. وبالتالي، فإن الأسد لن يتجرأ أن يطلب من إيران أن ترحل. والأمر سيّان بالنسبة لروسيا، إذ إنّ مصلحتها الأساسية هي بقاء النظام.
إنّ مصلحة إيران “الأساسية” هي الحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا لأنها المحور الرئيسي لاستراتيجية هيمنتها واسعة النطاق. فلو خسرت هذا الوجود، فسيهدد ذلك سيطرة حزب الله على لبنان التي تمثّل النقطة الأساسية في استراتيجية إيران الإقليمية. ويعني ذلك أن إيران ستقاوم أية جهود ترمي إلى إخراجها من سوريا، مع الإشارة إلى قدرتها الكبيرة على القيام بذلك.
تسعى روسيا وإيران إلى إبقاء نظام الأسد في السلطة. إلا أنهما تتنافسان أيضاً للحصول على نفوذ في دمشق، وينتهز الأسد الفرصة ليراهما تتنافسان. إنّ استخدام هذه الخصومة هو في مصلحة استراتيجية أمريكية ترمي إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. لكن لهذه اللعبة حدود عليا دقيقة. إذ إنّ روسيا لن تتعاون في تقويض نفوذها في سوريا من أجل بناء شراكة مع الولايات المتحدة. وبالتالي، فإنّ فكرة أن تطرد روسيا إيران من سوريا تعتبر خيالاً خطيراً، وفكرة أنه علينا دفع ثمن هذا الخيال برفع العقوبات الأوكرانية عن روسيا قد يكون سوء تصرّف استراتيجي، نظراً للتأثير الذي قد يتركه ذلك على حلفائنا في أوروبا، لا سيما في أوروبا الشرقية.
وبالتالي، لا بدّ أن نضع أهدافاً أبسط. فعلى سبيل المثل، لا بدّ أن نضغط على روسيا لكي تمنع إيران عن استخدام الموانئ في سوريا. إذ من شأن مرفأ خاضعٍ لسيطرة الإيرانيين أن يمكّن إيران من شحن أسلحة لحزب الله بسهولة أكبر، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل – وهو أمر لروسيا مصلحة في تجنبه. على نحوٍ مماثل، لا بدّ أن ندعم إصرار إسرائيل على أن تضغط روسيا على إيران وحزب الله كي لا يرسلا قواتهما إلى هضبة الجولان.
أخيراً، كما يحصل في اليمن، علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لتعزيز حل سياسي للحرب الأهلية السورية، حل قد يؤدي في نهاية المطاف ولكن بكل تأكيد إلى رحيل الأسد. لا بد أن يشكّل رحيل كافة القوات الأجنبية أحد شروط هذه التسوية السياسية. وقد ورد هذا المبدأ في اتفاقية الطائف التي أنهت الحرب الأهلية في لبنان وأدت في نهاية المطاف إلى رحيل سلمي للقوات السورية من لبنان. وسيرحب السوريون بهذا المبدأ، لا سيما وأنهم لا يريدون أن تسيطر عليهم ميليشيات شيعية تحكمها إيران في مرحلة ما بعد الحرب. كما أنه سيوفّر لنا الشرعية الضرورية للمطالبة برحيلهم في نهاية المطاف.
5- تنسيق قدرات حلفائنا الإقليميين في إطار عمل أمني إقليمي من شأنه أن يضمن جهود مستدامة تتقاسمها كافة الأطراف. إن الولايات المتحدة محظوظة بشركاء إقليميين قادرين في إسرائيل وتركيا والمملكة العربية السعودية والدول العربية السنية يتشاركون المصلحة نفسها في مقاومة الطموحات الإيرانية المهددة. صحيح أن لكل منهم منظوراً استراتيجياً خاصاً، إلا أن ثمة استعداد جديد في المنطقة للعمل معاً، مع تحسين تركيا ودول الخليج ومصر تعاونها مع إسرائيل على سبيل المثال. حان الوقت لاختبار استعداد حلفائنا لتحقيق ترتيب أمني إقليمي يسمح لنا بتنسيق جهودنا ضد إيران بفعالية أكبر.
6- وضع الأسس الضرورية للتفاوض مع إيران بشأن طموحها وسلوكها في المنطقة. وتبين الاتفاقية النووية الإيرانية أنه من الممكن التوصل إلى اتفاقات قابلة للتنفيذ مع إيران، مع استخدام العقوبات والدبلوماسية المتضافرة كنفوذ لتحقيق أهدافنا. من شأن مشروع قانون العقوبات الأمريكي المقترح حديثاً – يكمّله تنفيذ فعال للعناصر الخمسة الأخرى في استراتيجية التصدي – أن يوفر أساساً لإشراك إيران في مفاوضات تركّز على:
جهود إيران الرامية إلى تصدير ثورتها والتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية في المنطقة؛
أنشطة إيران الإقليمية التي تزعزع الاستقرار ورعايتها للإرهاب؛
برنامج الصواريخ البالستية العابرة للقارات الخاص بإيران وأنشطتها النووية بعد انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة.
لا تُعتبر المفاوضات تنازلاً لإيران، ولا تدلّ على ضعف، طالما أنها مدعومة بعقوبات والعناصر الأخرى من الاستراتيجية، وطالما أنها منسقة تماماً مع حلفائنا الإقليميين. لكن لا شك في أنها طريقة للقول لإيران إن الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين مستعدّون لبناء علاقات بناءة معها ولتطبيعها، وأيضاً للاعتراف بمكانتها كقوة إقليمية، وذلك إذا رغبت في تغيير سلوكها المقلق بطرق أساسية. وبالطبع، في حال ثبت استعداد الإيرانيين لإجراء مفاوضات جادة بشأن هذه المسائل، فلا بد لنا من أن نكون مستعدين أيضاً للإشارة إلى استعدادنا لرفع كافة العقوبات الثنائية- وهكذا نكون قد استخدمنا مقاربة الجزرة والعصا على طاولة المفاوضات.
ومما لا شكّ فيه أن التصدي لطموحات إيران بالهيمنة إقليمياً هو عمل غاية في الجدّية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يتعيّن أن نكون حذرين بشأن إطلاق تهديدات ما لم نكن مستعدين لدعمها. كذلك، لا بد من أن نتحفّظ عن الإعلان عن أهداف لا نملك الإرادة لتحقيقها وليس لنا مصلحة في ذلك. والأهم من ذلك، لا بد أن نأخذ في الاعتبار العواقب المنطقية لاستراتيجيتنا وأن نفكّر ملياً فيها قبل المضي في طريق يمكن أن يكون لها آثار معاكسة لما أردنا تحقيقه. ولكن، لا يجب أن تحول أي من هذه التحذيرات دون استعداد الولايات المتحدة للتحدي في الوقت الذي تسنح لنا فيه الفرصة للقيام بذلك.