سأل أحدهم سياسياً بريطانياً مخضرماً قبل أكثر من نصف قرن: «من سيحكم العالم في المستقبل»، فأجاب السياسي البريطاني: «سيحكمه جنرالات التلفزيون» سأل أحدهم سياسياً بريطانياً مخضرماً قبل أكثر من نصف قرن: «من سيحكم العالم في المستقبل»، فأجاب السياسي البريطاني: «سيحكمه جنرالات التلفزيون».
ولا شك أن نبوءة السياسي تحققت تماماً في هذا العصر الذي باتت فيه الصورة التلفزيونية تحكم العالم. لم يعد الإعلام في هذا العصر «السلطة الرابعة» كما سماه إيدموند بيرك وتوماس كارلايل في القرن التاسع عشر، بل أصبح السلطة الأولى، فهو يصنع السياسة ويصنع السياسيين.
لكن أين جنرالات التلفزيون العرب المزعومون من أساسيات اللعبة التلفزيونية؟ هل أتقنوها فعلاً، أم إن غالبيتهم مازالوا بعد سنوات وسنوات من الظهور التلفزيوني هواة أكثر منهم محترفين؟
سأحاول في السطور القليلة القادمة أن ألخص أساسيات اللعبة التلفزيونية لمن يريد أن يطور أداءه الإعلامي، ويتوقف عن الأداء العشوائي التجريبي.
إن أول أساس يجب أن يمتلكه المتحدث الجيد هو اللغة الجيدة، فاللغة أداة تأثير وإقناع وتوصيل. وهي تعطي صاحبها هيبة وبرستيجاً خاصاً. ولطالما تأثرنا بلغة المتحدثين حتى لو كان المضمون ضعيفاً، فما بالك عندما يكون ثرياً. إن لمن البيان لسحراً.
بعبارة أخرى، فإن اللغة الجميلة تسحر الألباب. فأين الذين يسحرون المشاهدين والمستمعين بلغتهم الرائعة؟ وقد أظهرت دراسة دكتوراه جديدة من خلال بحث ميداني وعملي أن الأشخاص الذين يتحدثون على الشاشات بلغة عربية فصحى هم أكثر قدرة على الإقناع والتأثير والتوصيل حتى في أوساط العامة الذين لا يميزون الفعل من الفاعل أو الجار من المجرور.
بعبارة أخرى، حتى الجمهور العام يتأثر أكثر بكثير بالمتحدثين بلغة عربية قوية.
أما الأساس الثاني، فهو الثقافة والمعرفة والاطلاع والإلمام.
وغالباً ما يتميز المتحدث الجيد عن غيره على الشاشات بثقافته العالية وتحضيره الجيد. إن أسوأ المتحدثين هم المغرورون الذين يظهرون على التلفزيونات دون تحضير جيد معتمدين على معلوماتهم القديمة. مهما كنت مثقفاً ومطلعاً يجب أن تقوم بالتحضير الجيد لكل ظهور جديد على الفضائيات.
ودائماً أستشهد أثناء دورات التدريب التي أقدمها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً في معهد الجزيرة للإعلام وغيره من المعاهد العربية والدولية أن بعض المتحدثين في الغرب يأخذ إجازة من العمل لمدة يومين لكي يحضّر لمقابلة طولها دقيقتان.
طبعاً لا نطلب من متحدثينا أن يغيبوا عن عملهم لأيام، بل على الأقل لا بد أن يحضّروا جيداً قبل الظهور الإعلامي. ضعوا في أذهانكم دائماً أن الفشل في التحضير لأي شيء هو تحضير للفشل.
وأخيراً نأتي إلى الأساس الثالث والأخير، ألا وهي طريقة التوصيل أو ما يسمى بالانكليزية: ونعني بذلك حركة الجسد والصوت والإلقاء والاستعراض.
لا قيمة للغة الجيدة والثقافة الواسعة إذا لم يتمكن المتحدث من توصيلها بلغة جسد وصوت بارع. بعبارة أخرى، ليس المهم أن تقول شيئاً، بل الأهم كيف تقوله.
إن المتحدثين الخشبيين المتخشبين الأكاديميين يأخذون علامة الصفر على الشاشة، فالناس تهرب عادة من المحاضرات والدروس التعليمية في المدارس والجامعات، فما بالك أن يشاهدوها على الشاشات.
إن الأداء التلفزيوني يحتاج إلى الحركة والاستعراض والاستغلال الجيد للغة الجسد والوجه والعيون والصوت. ويجب أن يكون هناك لكل مقام مقال، فلا يمكن الحديث عن عمليات التعذيب مثلاً بلغة جسد ميتة وصوت هادئ سخيف، وكأنك تتحدث عن شرب الماء.
ولا تنسوا أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الكلمة، والصوت، والحركة. فالكلمة تأخذ سبعة بالمائة فقط من الأهمية، والصوت يأخذ ثمانية وثلاثين بالمائة، والحركة تأخذ خمسة وخمسين بالمائة، وذلك حسب أحدث الدراسات الإعلامية الأمريكية.
وتؤكد الدراسات أن الأشخاص الذين يتحدثون بحركة جسد ووجه وعيون بارعة غالباً ما يكونون أكثر تأثيراً وإقناعاً. ومن جهتي أعتقد أن الكلمة جداً مهمة في الحديث، لكن يجب أن ترافقها حركة جسد مناسبة وإلا فقدت الكلمة تأثيرها.
ولا ننسى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان إذا تحدث تلوّن صوته، واحمر وجهه كأنه منذر حرب. العبرة إذاً في الحيوية. ولا قيمة لمتحدث تعوزه الحيوية والحماس، فلا يمكن أن تقنع أحداً بشيء لا تبدو أنت مقتنعاً أو متحمساً له.
كم من الذين يظهرون على شاشات التلفزيون العربية يتقنون أساسيات اللعبة التلفزيونية يا ترى؟
نقلا عن القدس العربي