تحالف الحوثي و”صالح”.. من يبتلع الآخر في نهاية المطاف؟
كلما احتد الخلاف بين حلفاء الحرب الداخلية (الانقلاب) في اليمن واقتربت ساعة الصفر، كلما تردد هذا السؤال: من الذي سينتصر في حال حدثت مواجهة مسلحة بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبين جماعة الحوثي المسلحة؟ يمن مونيتور/ خاص/ من ليث الشرعبي
كلما احتد الخلاف بين حلفاء الحرب الداخلية (الانقلاب) في اليمن واقتربت ساعة الصفر، كلما تردد هذا السؤال: من الذي سينتصر في حال حدثت مواجهة مسلحة بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبين جماعة الحوثي المسلحة؟
وهذا السؤال الذي يتردد باستمرار على ألسنة الكثيرين، وبالذات في الآونة الأخيرة مع ظهور خلافات حلفاء الانقلاب للعلن، يوحي بأن الصراع بين صالح والحوثي مسألة وقت، ويؤكد أن التحالف القائم بينهما أوهن من خيط العنكبوت.
وهو ما ذهب إليه السفير الأمريكي السابق لدى اليمن، جيرالد فايرستاين، حيث وصف، في جلسة استماع مفتوحة للجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي حول اليمن الأسبوع الماضي، وصف تحالف صالح والحوثي بالهش وشبهه بـ”زواج مصلحة”، مرجحا أنه لن يستمر في ظل أي ظروف عادية، وسينتهي بوقوع صدام حتمي بين الطرفين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قال السفير البريطاني السابق لدى اليمن، إدموند براون، إنه من الممكن أن ينشب الخلاف بين الحوثي وصالح باعتبار إن التحالف بينهم تكتيكي. وأضاف في مقابلة مع (سي إن إن): “من الصعب جدا أن نكون متيقنين حول ما يحدث، أعتقد أننا نستطيع أن نقول إن هذه الأطراف موجودة في تحالف تكتيكي ولكن لديها استراتيجيات ورؤى مختلفة”.
ثمة إجماع على وصف تحالف صالح والحوثي بـ”الهش”، ومؤشرات الصراع والخلاف بينهما تزداد كل يوم، لكن الغباء الحقيقي هو مراهنة الشرعية والقوى المتحالفة معها على هذا الصدام لكسر شوكة الانقلاب، فالتأخير في حسم المعركة عسكريا بانتظار المواجهة بين قوى الانقلاب حماقة عظمى سيدفع ثمنها الشعب اليمني.
* المكر السيئ
لجأ صالح إلى التحالف مع الحوثي لتحقيق أهداف خاصة به تتمثل في حماية نفسه أولا، وإسقاط الرئيس هادي وإنهاء المرحلة الانتقالية، والانتقام من ثورة 11 فبراير وخصومه السياسيين وتحديدا حزب الإصلاح والفريق علي محسن وبعض الرموز القبليّة، ووافق عبدالملك الحوثي رغم إدراكه أن تحالفه مع صالح سيسقط عنه ورقة التوت الأخيرة لكنه كان بحاجة لرجالات المخلوع لدخول صنعاء، وابتلاع الدولة اليمنية تمهيدا لإعلان الإمامة.
مشروع صالح يتناقض تماما مع مشروع الحوثي، وكل طرف منهما كان يظن أنه الممسك بخيوط اللعبة، وفي اللحظة الحاسمة سيفرض مشروعه رغم أنف الحليف لكن الأحداث في اليمن تسارعت بصورة غير متوقعة، وأصبح الدخول في التحالف ليس كالخروج منه.
ظن صالح أن محاصرة الرئيس هادي في منزله بصنعاء ستكون نقطة الانطلاق حيث أن القوى السياسية في الداخل أصبحت مضطرة للتوافق على صيغة مستعجلة لمرحلة انتقالية قصيرة تنتهي بإجراء انتخابات لسد فراغ الشرعية، وهذه الانتخابات وفق تلك الظروف السائدة وتلك المعطيات ستعيده إلى السلطة مجددا وهو ما يحلم به، لكن الحوثي فاجأ صالح باتخاذ منحى غير قانوني ولا دستوري وهو تشكيل ما تسمى بـ”اللجنة الثورية العليا” لإدارة الدولة بموجب إعلان دستوري في فبراير 2015م، وجاء هروب هادي إلى عدن ثم تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس/ آذار 2015م ليخلط جميع الأوراق رأسا على عقب.
وجد صالح نفسه في خندق الحوثي، لكن على قاعدة “داخل في الخسارة وخارج من الربح”، حيث تشارك قواته في الحرب ويقدم خسائر يومية باهضة، بينما الحوثي يدير الدولة لجيبه الخاص ويتغلغل في أجهزتها، ولأن الحرب طالت وتبخر أمل الحسم السريع شعر صالح أنه يسير في طريق الانقراض، فأراد أن يتدارك أمره، وعمد إلى إبرام اتفاق جديد مع جماعة الحوثي تمخض عنه إنشاء ما يسمى بـ”المجلس السياسي الأعلى” في يوليو/ تموز 2016م، أعقبه تشكيل ما تسمى بـ”حكومة الإنقاذ” برئاسة عبدالعزيز بن حبتور في نوفمبر 2016م.
أراد صالح من الاتفاق الجديد أن يقضي أولا على “الشرعية الثورية الحوثية” وإعادة الشرعية إلى مجلس النواب الذي يسيطر فيه على الأغلبية بغض النظر عن شرعيته، وأراد أيضا أن يخفف من خسائره المالية بالمشاركة في السلطة، وضمان عودة حضوره للدولة العميقة التي بناها طيلة ثلاثة عقود بعد عملية جرف شاملة قامت بها جماعة الحوثي لرجالاته وكوادره في الدولة بصورة غير مسبوقة ولا متوقعة.
وافقت جماعة الحوثي على هذه الخطوة لأنها بحاجة إلى قوات صالح المدربة، واستخدام شبكة العلاقات الاجتماعية التي بناها خلال فترة حكمه الطويل، ومن أجل سهولة التمدد في المحافظات التي لا يتمتع فيها الحوثي بحاضنة اجتماعية ولكي توسع من جبهتها وغيرها من فوائد حصلت عليها وما زالت، لكن الجماعة طبقت سياسة صالح التي كان يطبقها ضد خصومه السياسيين عندما كان رئيسا وهي الموافقة على كل شيء وفي نفس الوقت عدم تنفيذ أي شيء.
* صراع الغنائم
ضمنت جماعة الحوثي رئاسة المجلس السياسي لقطع الطريق أمام أي طموحات لصالح، وتقبل الأخير منصب رئاسة الوزراء ظنا منه أنه سيستطيع من خلال هذا الموقع استعادة ولو نصف حضوره في أجهزة الدولة، فحزب المؤتمر نشأ وترعرع في أحضان الدولة وكلما طال غيابه عن السلطة أصيب بموت سريري.
حاول صالح أن يمسك ببعض أطراف اللعبة وإعادة حضوره للمشهد عبر حكومة بن حبتور، وقد تجلى ذلك في برنامج الحكومة والقرارات التي أصدرها بن حبتور لاحقا، وخبرة صالح في السلطة كشفت له مواطن ضعف الحوثي، لكنه لم يكن يتوقع تصلب الجماعة لهذه الدرجة وتنكرها مبكرا لكل الجميل الذي قدمه لها والخدمات المجانية.
حاول صالح ضرب قوتين أساسيتين تعتمد عليهما جماعة الحوثي حاليا وهما نهب المال العام واللعب بالوظيفة العامة، ولهذا نص برنامج بن حبتور على “توريد جميع الموارد العامة والذاتية لوحدات الجهاز الإداري للدولة للبنك المركزي، وإغلاق كافة الحسابات الخاصة في البنوك التجارية، ومحاسبة المقصرين والمخالفين لذلك”، لكن الواقع يؤكد أن الإيرادات ما زالت تورد إلى حسابات خاصة تابعة للحوثي، وتصرف تحت نظر ما تسمى باللجان الثورية.
ويعلم صالح أن إيرادات ضخمة يجنيها الحوثي اليوم من مبيعات المشتقات النفطية بسبب قرار الحوثي تعويم أسعار النفط واحتكار شركات الاستيراد، فجاء في برنامج حكومة بن حبتور “معالجة الإشكالات والاختلالات القائمة التي طرأت على سوق مبيعات المشتقات النفطية والغاز المحلي، بما يضمن توريد مستحقات الدولة من ضرائب ورسوم جمركية وعوائد أخرى إلى الخزينة العامة للدولة من خلال إعادة النظر في الآلية الخاصة باستيراد المشتقات بما يعطي مرونة أكبر في البدائل المتاحة للاستيراد، وضمان سلطة الرقابة والإشراف للدولة عليها”، وهو ما ترفضه جماعة الحوثي تماما، وهناك معلومات متداولة تقول إن الجماعة وافقت سرا قبل أيام على منح نسبة معينة من الأرباح لجيب صالح مقابل بقاء الوضع كما هو الآن.
* وزراء ديكور
تضمن برنامج حكومة بن حبتور “الوقف النهائي للتوظيف الجديد والتوظيف بالبدل عن متقاعدين أو مفصولين أو منقطعين تحت أي مبرر تنفيذا للقانون، وإلغاء أي إجراءات توظيف تمت بالمخالفة لذلك خلال الفترة السابقة، وإعداد نظام تقلد المناصب الحكومية”، بينما جماعة الحوثي مستمرة في العبث بالوظيفة العامة وحزب المؤتمر أكبر المتضررين، وهذا ما أكده القائم بأعمال رئيس كتلة المؤتمر “عزام صلاح”، في إحدى جلسات البرلمان بالقول إن “قرارات التوظيف في أجهزة الدولة خلال الفترة الماضية لا تقل خطورتها عن صواريخ العدوان”.
وفي المجال السياسي وهي الغاية التي يطمح لها صالح، قالت حكومة بن حبتور في برنامجها إنها ستعمل على “التحضير الجاد لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية بنهاية العام 2017م”، وهذه أمنية صالح للعودة للسلطة ولو عبر شرعية منقوصة بينما الحوثي محروق سياسيا وشعبيا، لكننا لم نر أي خطوات في سبيل ذلك حتى اللحظة.
وفي أول اجتماع عقدته حكومة بن حبتور الانقلابية قال رئيسها إن مهمة حكومة الإنقاذ هي تأمين الانتقال من العمل الثوري إلى العمل الدستوري المؤسسي، واتخذ مجلس الوزراء قرارا قضى بتوريد جميع الموارد العامة والذاتية إلى البنك المركزي.
ووجه المجلس بمنع تدخل المحافظين أو قادة المناطق العسكرية أو على مستوى الوحدات الأمنية والعسكرية أو غيرهم من التدخل في تعيينات أو فرض أشخاص للقيام بتحصيل الإيرادات العامة غير من يخولهم القانون بذلك، كما يمنع منعا باتا الصرف من الإيرادات العامة أو التصرف بها أو تجنيبها أو جزء منها من قبل أي شخص أيا كان موقعه وتورد جميعها إلى الحسابات المفتوحة لها طرف البنك المركزي بموجب الدستور والقوانين النافذة.
كما وجه مجلس الوزراء شكره للجان الثورية على أدوراها السابقة، وأقر أن تؤول جميع الوظائف التنفيذية والرقابية إلى إدارة الدولة وفقا للدستور والقوانين النافذة.
واللافت أن ما تسمى باللجنة الثورية ما تزال تقوم بأنشطة رسمية ويغطيها الإعلام الرسمي رغم أن أبجديات إعلان ما يسمى بالمجلس السياسي يقتضي حلها، وهذا ما يثير غضب المؤتمر كون هذه اللجان الموجودة في كل مرفق رسمي هي صاحبة السلطة الفعلية، والوزراء الموجودين مجرد ديكور.
* لطم الحليف
تريد جماعة الحوثي إبقاء الوضع كما هو وكأنها لم تدخل في شراكة معلنة مع حزب المؤتمر، والغريب أنها تمادت أكثر، وقامت بخطوات أقل ما يمكن وصفها بأنها سياسة مقصودة لإذلال وإهانة حليفها الوحيد، ولا يبدو أن الجماعة ستراجع حساباتها فقد ذاقت حلاوة السلطة ومعروف عنها أنها تنتهج سياسة الأخذ بدون عطاء، وهي سياسة إيرانية بامتياز.
في البداية أصرت على تعيين عبدالخالق الحوثي قائدا لقوات الحرس الجمهوري خلفا للواء علي الجائفي الذي توفي في قصف القاعة الكبرى بصنعاء في أكتوبر الماضي، ولا زال هذا الموضوع من المواضيع الحساسة العالقة حيث يصر صالح على تعيين أحد أقربائه في هذا المنصب، ويصر الحوثي على تعيين شقيقه رغم أنه لا ينتمي للمؤسسة العسكرية.
وأصدرت الجماعة عبر المجلس السياسي قرارات انفرادية دون أي اعتبار للحكومة، وأبرز هذه القرارات تعيين القيادي الحوثي محمد الغماري رئيسا لهيئة الأركان العامة بدون الرجوع أو حتى علم حكومة بن حبتور، بحسب مصادر خاصة تحدثت لـ”يمن مونيتور”.
وتصاعد الخلاف مؤخرا عندما بدأ صالح في استعادة حضوره بالدولة ابتداء من وزارة التعليم العالي، لكن الجماعة شعرت أن هذه المحاولة جس نبض وستشمل بقية الوزارات التي وزراءها من المؤتمر إذا صمتت، فلجأت للعنف لوضع حد لطموحات صالح، ويبدو أن الحوثي يتوهم أن التغييرات الشاملة التي أحدثها في كل مؤسسات الدولة ستظل كما هي حتى لو حدثت تسوية سياسية، أو يظن أنه قد رتب وضع أتباعه للأبد ولم يعد في حسبانه تسليم الدولة، وهنا الكارثة.
وجه عبدالعزيز بن حبتور بإلغاء كل قرارات التدوير الوظيفي الذي أصدرها القائم بأعمال رئيس الوزراء المحسوب على الحوثيين، طلال عقلان، فجاء الرد الحوثي سريعا حيث وجه صالح الصماد، رئيس ما يسمى المجلس السياسي، بتجميد كافة القرارات التي اتخذها بن حبتور وكل الوزراء منذ تشكيل الحكومة.
طردت مليشيا الحوثي وزير التعليم العالي المقرب من صالح، “حسين حازب” من مكتبه، ومؤخرا اقتحم مسلحون حوثيون مبنى الوزارة وقاموا بنهب الأرشيف ومنعوا موظفي الوزارة من الدخول احتجاجا على إقالة مدير عام حوثي متهم بقضايا فساد.
ومنع مسلحون حوثيون الوكيل المساعد لقطاع الحج المؤتمري، عبده حسان، من دخول مبنى وزارة الأوقاف، وجاء المنع بعد يوم من إصدار الوزارة بيانا عبرت فيه عن أسفها لمقاطعة الإعلام الرسمي الذي يسيطر عليه الحوثي لبرامج وأنشطة وفعاليات الأوقاف. ومنع جهاز الأمن القومي التابع للانقلابيين 12 موظفا تابعا لمكتب الأمم المتحدة من الدخول إلى صنعاء بعد وصولهم إلى المطار رغم حصولهم على تصاريح دخول من وزير الخارجية المؤتمري.
وفي منشور له في مواقع التواصل الاجتماعي كشف القيادي الحوثي السابق علي البخيتي عن تعرض بعض وزراء حزب المؤتمر للضرب واللطم على يد مشرفين حوثيين، في مكاتبهم، وهذه خطوة غير مسبوقة وتكشف مدى الإهانة التي وصل إليها صالح وحزبه.
وإزاء هذه الإهانات المتصاعدة اكتفت حكومة بن حبتور بنشر خبر في وكالة الأنباء الرسمية يدين الاعتداءات ضد وزراء وزارات التعليم العالي والصحة العامة والسكان والأوقاف والإرشاد، ومع ذلك لم يصمد الخبر طويلا حيث وجه وزير الإعلام الحوثي وكالة سبأ بحذف الخبر متجاهلا رئيس الوزراء الذي وصفته صحيفة حوثية بـ”الدمية”.
* صراع قيادات
مسلسل الإهانات مستمر حيث تقدم الوزير الحوثي “حسن زيد” بدعوى قضائية ضد صحيفة الميثاق الناطقة باسم حزب المؤتمر لأنها تناولت فساده في وزارة الشباب والرياضة، وكان الملفت أن الدعوى شملت أمين عام حزب المؤتمر عارف الزوكا، ومعروف في قانون الصحافة أن المسؤول عن النشر هو رئيس التحرير والمحرر الذي كتب المادة، ولا علاقة لأمين عام الحزب بما تنشره صحيفة الحزب، فقط محاولة حوثية لإهانة المؤتمر.
وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من دعوى قضائية رفعها رئيس ما يسمى باللجنة الثورية محمد علي الحوثي ضد كامل الخوداني أحد الصحفيين والناشطين المقربين من صالح.
وعندما استنكر مقربون من الزوكا تصرف حسن زيد فوجئ الرأي العام بنشر الأخير منشورات على صفحته في الفيسبوك تصف صالح بـ”الحذاء”، ودعا حسن زيد إلى فك الارتباط بلغة هابطة تصور المؤتمر وكأنه زوجة للحوثي قائلا: “انفصال مبكر ومستعجل بتراضي والقلوب سليمة أفضل من عشرة بنكد ومضاربه، لأن العشرة بنكد لابد أن تنتهي بالطلاق المؤلم وقد تدفع أحد الزوجين إلى الانتحار أو قتل صاحبه”.
ورغم استمرار هذه الإهانات والانتهاكات بحق المؤتمر إلا أن الأخير عجز حتى عن الشكوى فضلا عن الرد وبصورة مخجلة، وعندما نشر حزب المؤتمر خبرا في موقعه الرسمي عن تهديد النواب بسحب الثقة من الحكومة في حال لم تسلم رواتب الموظفين تراجع المؤتمر، وحذف الخبر بعد ساعة من نشره، إثر تلقي تهديدات من قيادي حوثي، حسب مصدر خاص.
وأقصى ما تجرأ عليه المؤتمر حتى اللحظة هو نشر صحيفة الميثاق فقرة في إحدى صفحاتها الداخلية تقول إن المؤتمر “لن يتخلى عن أي من كوادره وأعضائه ولن يدع من هب ودب يتطاولون أكثر وأكثر”، وقد علق أحد الناشطين بسخرية قائلا: “ارحموا عزيز قوم ذل”.
* القادم أصعب
وحسب مصادر خاصة مقربة من “صالح”، تحدثت لـ”يمن مونيتور”، فقد وصل الرجل، مؤخراً، إلى قناعة تامة أن شراكته مع الحوثي شكلية، وأن وضعه أصبح صعباً، خصوصا أمام جمهوره الذي يسأله عن الاستفادة التي جناها حزبه من هكذا تحالف لاسما وأن تيارا وطنيا داخل المؤتمر كان رافضا لفكرة التحالف مع الحوثي منذ البداية لعدة اعتبارات محلية وخارجية.
وأول اعتراف صريح بهذه الحقيقة ما كتبه محامي الرئيس السابق “محمد المسوري” الذي وصف تحالف المؤتمر والحوثي بالفخ والشراكة بالصورية والهزلية، وأضاف: “المؤتمر قبل التحدي في مرحلة لا يقبلها عاقل أو حتى مجنون، ولم يعلم حينها أن هناك مصيدة أعدها البعض تستهدفه في المقام الأول”. واعتبر في مقال له الحوثيين “عصابات مسلحة وهمجية تعبث في المصالح الحكومية ولا تحترم الشراكة الزائفة”.
صالح الآن أمام خيارين أحلاهما مر، وهما إما الاستمرار في تحالف شكلي ودفع الثمن بدون مقابل، والخيار الثاني هو فك تحالفه مع الحوثي، وفي هذه الحالة سيكون أمام مواجهة مسلحة مع الجماعة وهو الأمر الذي يخيف صالح، فبمجرد اتخاذ هذا القرار سيتفاجأ أن الحوثيين يحاصرون مكانه حيث استطاعت الجماعة غرس محسوبين عليها في كل الدوائر المحيطة بصالح وأقربائه، وهي تزود الحوثي بكل تحركات صالح وخططه.
يستمد صالح قوته من القوات الموالية له وهي قوة مدربة تدريبا عاليا، وكذلك حضور حزبه في كل المناطق اليمنية، وما زال صالح يمتلك أسلحة وأموال وأتباع إضافة إلى سيطرته على مجلس النواب الذي شرعن للحوثي، وسحب هذه الورقة يعني رفع الغطاء عن الحوثي نهائيا.
ورغم قوة صالح هذه إلا أنه عاجز عن استخدامها ضد الحوثي لسبب بسيط وهو أن صالح يفتقر حاليا لدعم خارجي، ولن يتمكن من الصمود في حال قرر مواجهة الحوثي مهما قاوم لفترة طويلة سيخسر طالما أنه بدون ظهر خارجي يستند له، بخلاف الحوثي الذي تقف خلفه إيران ويساهم شيعة الخليج في تمويله.
ونقطة ضعف صالح هذه أغرت الحوثي في مزيد من التصلب والتعنت ورفض تقديم أي تنازلات لحفظ ماء وجه صالح، لكن الأخير لن يصبر كثيرا برأي مراقبين يتوقعون ضربا عفاشيا للحوثي تحت الحزام قريبا بالطريقة العفاشية المشهورة كالاغتيالات وغيرها، وهو ما أشارت إليه صحيفة سعودية مؤخرا.
* طول الحرب
صالح في موقف صعب وغير مستعد للبقاء في تحالف شكلي لمواجهة حرب طويلة كهذه، ومعروف عنه إجادة التكتيك لا الاستراتيجيات، ولهذا يبدو صالح اليوم منهكا ومستعدا للقبول بأي تسوية سياسة لسببين، وهما الهروب من مواجهة الحوثي بعد أن أصبح هو والحوثي وجها لوجه، والسبب الثاني هو وقف نزيف الخسائر.
يدرك صالح أن طول الحرب تأتي على حسابه بدرجة رئيسية خصوصا وأن السن قد تقدّم به، وقد لا يتمكن من لعب دور قادم، ولهذا لم يورط أولاده في الحرب لتأمين مستقبلهم السياسي، وكما قال قيادي مؤتمري فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ”يمن مونيتور”: “مش عاملين حسابنا على حرب مع السعودية لعشر سنوات، ولن نظل نحارب إلى يوم القيامة، وهذا ما يجب أن يفهمه الحوثي”، بخلاف الحوثي الذي يخاف من السلم أكثر من خوفه من الحرب فهو يدرك أن مشروعه غير مقبول في الشارع اليمني، وطالما أن إيرادات ضخمة تصب في جيوبه فهو غير مستعد للتفريط بها، ولا يهمه سقوط ضحايا أو تضرر اليمنيين، ودائما يغلب الحوثي مصالحه الشخصية الضيقة على المصلحة الوطنية.
ورغم أن الحوثي يوظف قوته لإرساء الانقلاب إلا أن جزءا من قوته يدخرها لتصفية حسابه مع صالح في اللحظة الحاسمة، فجماعة الحوثي لن تغفر لصالح دم مؤسسها حسين الحوثي مهما قدم لها من تنازلات، وإذا شعرت جماعة الحوثي أن أجلها قد اقترب ستتجه صوب صالح مباشرة ولن تعود إلى كهوف مران إلا بعد أن تأخذ بثأرها، ولهذا أصبح صالح يخاف من انتصار الحوثي ويخاف من هزيمته أيضا في وقت سدت عليه المنافذ الخارجية التي كانت بالإمكان أن توفر له هروبا آمنا.
ويحاول صالح الآن التنصل من تبعات إدارة المرحلة وتحميل الحوثي وزرها، وإذا ضاقت عليه الأمور أكثر سيعمل على حشر الحوثي في زاوية ضيقة كسحب الحرس الجمهوري من معركة تعز، وربما يحاول الارتماء في أحضان الخليج مجددا.
ما نستطيع قوله الآن هو أن الأيام القادمة حبلى بمفاجآت من العيار الثقيل بخصوص تحالف صالح والحوثي، وأن صراعهما مهما كلف من خسائر سيكون رحمة لليمنيين الذين وصلوا إلى قناعة تامة أن تحالف الشر بين صالح والحوثي هو الذي نكب اليمن لعقود.