(ذاكرة الثورة) مذبحة جمعة الكرامة بصنعاء.. ما الذي حدث خلال ثلاث ساعات؟
ثلاث ساعات دامية، مع انتهاء عشرات الآلاف من المتظاهرين من صلاة الظهر -الجمعة- مطالبين بإسقاط نظام الدكتاتور اليمني علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد (33عاما) وفي الجزء الجنوبي من ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء بدأ مسلحون ملثمون في إطلاق النار عليهم من الشارع، ومن فوق الأشجار، ومن أسطح المنازل، بما فيها منزل محافظ المحويت. خلال ذلك الوقت قُتل 45 متظاهراً -ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من 56بعد الحادثة بأيام- وأكثر من 200 مصاباً بالرصاص، و600 مصاب بالغازات السامة.
يمن مونيتور/وحدة التقارير/ خاص:
ثلاث ساعات دامية، مع انتهاء عشرات الآلاف من المتظاهرين من صلاة الظهر -الجمعة- مطالبين بإسقاط نظام الدكتاتور اليمني علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد (33عاما) وفي الجزء الجنوبي من ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء بدأ مسلحون ملثمون في إطلاق النار عليهم من الشارع، ومن فوق الأشجار، ومن أسطح المنازل، بما فيها منزل محافظ المحويت. خلال ذلك الوقت قُتل 45 متظاهراً -ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من 56بعد الحادثة بأيام- وأكثر من 200 مصاباً بالرصاص، و600 مصاب بالغازات السامة.
في الأيام السابقة على بدء المذبحة كان موالون لصالح قد أقاموا جداراً حجرياً بارتفاع 2,5 متراً بين المتظاهرين والمسلحين، ثم أغرقوه بالبنزين وأضرموا فيه النيران مع بدء الهجوم، مما نشر سحب الدخان التي أخفت مطلقي النيران وحاصرت المتظاهرين، كان كل القتلى والجرحى تقريباً من المتظاهرين المصابين بالرصاص. كان المتظاهرون يحملون جثث القتلى والمصابين على “بطانيات” إلى المستشفى الميداني -عيادة صغيرة في مسجد وسط الساحة بها ثلاثة أطباء فقط- ويعودون محملين بالأحجار على ذات “البطانيات” للمتظاهرين كي يواجهوا المسلحين الذين زادوا من حدة إطلاق النار.
عندما حطم المعتصمون الجدار المبني على ثلاث طبقات توسطه خرسانة مسلحة، بدأت موجات منهم تعبر إلى المنطقة التي يطلق منها المسلحون النار وداهموا بيت محافظ محافظة المحويت وبنايات قريبة بحثاً عن المعتدين، رغم استمرار الرصاص. داهم المتظاهرون بيت المحافظ وأشعلوا فيه النار. صادروا عدة بنادق آلية وعبوات رصاص من المباني، طبقاً لشهادات شهود وطبقاً لمقابلات أجرتها منظمة “هيومن رايتس ووتش”-التي نشرت تحقيقاً واسعاً بعد عامين من المذبحة ووضعت له عنوان “مذبحة بلاعقاب”.
ألقى المحتجون الغاضبون القبض على ما لا يقل عن 14 من المسلحين “القناصة” وغيرهم من المشتبه بهم، وقامت لجنة أمنية في ساحة التغيير باستجواب المشتبه بهم وبعد ساعة سلمتهم إلى الفرقة الأولى مدرع للجيش اليمني، التي كانت ملاصقة لساحة التغيير، تقول الفرقة الأولى مدرع إنها سلمتهم إلى النيابة العامة وبعد عام على المذبحة قال وزير العدل مرشد العرشاني إن “الجناة الحقيقيون هربوا ولم يدخل السجن غير معاونيهم ومناصريهم”. ورد اسم أربعة من الـ14 مشتبه به الأصليين في لائحة الاتهام، وتم الإفراج عن الباقين. فيما يقول أعضاء في اللجنة الأمنية إن خمسة من المشتبه في كونهم مسلحين كانت معهم أوراق الانتماء إلى قوات النخبة اليمنية التي كان يقودها نجل “صالح” -الحرس الجمهوري- أحمد علي عبدالله صالح، التي تتميز بكون قواته مدربه جيداً على القنص.
وقال واحد من أعضاء اللجنة الذين شاركوا بالتحقيقات لـ”يمن مونيتور” بعد ست سنوات من المذبحة: “أثناء تلك الساعة من التحقيق مع هؤلاء كانت هواتفهم النقالة تستمر بالاتصالات من أسماء مقربين من صالح، “نعمان دويد” و “أحمد علي صالح” ، و “طارق صالح”. فضل الرجل عدم الكشف عن هويته لتواجده في صنعاء.
وأصيب الرجل بخيبة الأمل على مرور ست سنوات فيما الجُناة مايزالون طُلقا وعدد من شباب الثورة ما يزالون في السجون.
قام “صالح” بإنهاء عمل النائب العام عبدالله العلفي في أبريل/نيسان 2011 بعد أن أصبح يظهر بشكل دائم متابعته النشطة في قضية جمعة الكرامة. رغم أن العلفي محسوب على الموالين لصالح، إلا أنه أكد على استقلاليته فيما يخص المظاهرات والتحقيق في القضية في الأسابيع السابقة على إقالته. في 23 مارس/آذار2011 أفاد التلفزيون الرسمي “اليمن” اتهام العلفي للأحزاب السياسية بمسؤوليتها عن هجمات جمعة الكرامة، أنكر العلفي في اتصال هاتفي بساحة التغيير على العلن صحة هذا التقرير.
حالة الطوارئ
بعد ساعات من الهجوم، أعلن صالح عن بدء حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً. حمل الرئيس صالح ووزير الداخلية المتظاهرين “المسلحين” مسؤولية إراقة الدماء، وهو الاتهام الذي كرره الرئيس الأسبوع التالي. ونشر تلفزيون
بعد خمسة أيام في تاريخ 23 مارس/آذار 2011 وافق البرلمان على حالة الطوارئ، التي أتاحت الرقابة على الإعلام ومنعت التظاهر وأعطت قوات الأمن سلطات موسعة بتوقيف واحتجاز المشتبهين دون عملية قضائية. المعارضة اليمنية والنواب المستقلين والمستقيلين من الحزب الحاكم طعنوا في شرعية حالة الطوارئ بسبب عدم وجود قانون طوارئ في دستور اليمن وبسبب عدم اكتمال النصاب في أعداد النواب، الجدير بالذكر أن القانون الذي استند إليه التصويت يعود إلى زمن جمهورية اليمن الشمالي الذي يعود إلى ما بعد 1962 قبل الوحدة مع الجمهورية الجنوبية (1990) لقد نسف للوحدة اليمنية بالاستناد على قانون قبل الوحدة.
مذبحة كسرت نظام صالح
ارتكب صالح بعد جمعة الكرامة مذابح لكن هذه المذبحة لم تكن كباقي المجازر، لقد أظهرت الوجه الحقيقي لنظام عبث 33 عاماً بنفس الكيفية وبذات الرصاص الحي. خرج مئات الآلاف في صنعاء جنازات القتلى، حصد الثوار دعماً نخبوياً اكتسح ساحات الجمهورية، خرجت التظاهرات المنددة والغاضبة في معظم محافظات البلاد، تفكك نظام “صالح” انهالت الانشقاقات والانضمامات إلى ساحة التغيير (وزير السياحة نبيل الفقية، و وزير الأوقاف حمود الهتار ورئيس البعثة اليمنية في الأمم المتحدة)، ثم جاءت الصاعقة على نظام صالح الذي أقال الحكومة في 20 مارس/آذار 2011م، وفي اليوم التالي (21 مارس/آذار) انضم علي محسن الأحمر وهو الجنرال القوي في عهد صالح – نائب الرئيس اليمني الحالي- إلى ثورة التغيير ونشر قوات الفرقة الأولى مدرع لحماية المتظاهرين، انضم معه زعماء العشائر من بينهم (صادق الأحمر) زعيم قبيلة حاشد-كبرى قبائل اليمن- وتوالت معها استقالات قيادات حزب “صالح” -المؤتمر الشعبي العام- وأعضاء الحكومة.
كسرت المذبحة نظام “صالح”، كما أنهت حكم الاستبداد الأسري باسم الجمهورية. وأتى بعدها سيل من الاستقالات والانضمام إلى الثورة.
أطلق الثوار على منطقة إطلاق النار اسم ساحة الشهداء وتحولت “مزار” التي تظل عالقة بالاذهان كلما مر الناس بتلك المنطق، وترتفع على جنباته صور القتلى، حتى جاء الحوثيون وغيروا ملامح الساحة وحولوها إلى نصب تذكاري لكتاب كبير. إلى الآن ما زال المصابون إصابات خطيرة وأقارب القتلى لم يحصلوا على أية مساعدات من الحكومة تقريباً، وبدأت القضية في التداول بالمحكمة في منتصف 2012م، لكن أياً من قيادات نظام “صالح” لم يتم استدعاءه بمن فيهم علي عبدالله صالح وعائلته، في منطق الحصانة.
بعد ست سنوات على المذبحة التي سُميت “جمعة الكرامة” القتلة الملثمون طُلقاء بعيداً عن العدالة، حصل علي عبدالله صالح وعائلته على الحصانة مقابل نقل السلطة إلى نائبه -الرئيس الحالي لليمن- عبدربه منصور هادي.
وبين الاتفاقات السياسية والوضع الذي وصل إليه اليمن، بعد ستة أعوام من الثورة، يبحث أهالي وذوو الشهداء عن العدالة وعن مصير المتهمين الطلقاء. ويبدو أن على اليمنيين أن يقطعوا المزيد من الأشواط قبل الوصول إلى دولة تحقق العدالة لأحيائها وأمواتها.