قدمت في مسابقة للقصة القصيرة. قرأت في صفحة المسابقة أنهم ستواصلون مع الذين أرسلوا قصصهم للتأكد من الملكية الادبية. لم يتواصل معي أحد. ليس مهمًا. قد يتواصلون معي حين أفوز. ولم أفز. قدمت في مسابقة للقصة القصيرة. قرأت في صفحة المسابقة أنهم ستواصلون مع الذين أرسلوا قصصهم للتأكد من الملكية الادبية. لم يتواصل معي أحد. ليس مهمًا. قد يتواصلون معي حين أفوز. ولم أفز.
ليس الأمر محرجًا لبجاحة الثقة المنسكبة في طوايا القصة، لقد هادنت فيها بأقصى ما أستطيع لملاعبة فكين هم رعاتها: إذاعة أوروبية ومصداقيتها لأنها أجنبية، وملحق لصحيفة المخلوع.
كان همي المال فقط. وليس الأمر محرجًا، لأننا في حالة حرب.
الاحراج من وعد أبرمته لطالب ثانوية.
في المجلس اليومي نقرأ قصائد البردوني، نتسلى بالنكات، ولأن الأخبار لم تتغير منذ سنتين، فقد لجأنا لمشاهدة مسلسل تركي من ساعتين متتاليتين، الأمر ليس نكاية بهولندا بالطبع، وهذا لا يصلح سببًا لإبعاد القصة أيضًا.
على الضيف الجديد أن يتكيف مع طقوسنا العادية في الداخل. أما في الخارج فلأحد أصحابي دراجة نارية.
الدراجة سبب في إبرام الوعد..
أحد الأصدقاء وهو طالب في الثانوية قال بأنه محترف في قيادة الدراجة. التغني بالخبرة هذه جعلت من صالح قاتلًا فارًا يفاضل بين الأقبية للعيش في ملاذ آمن.
صاحبي المتعلم أخذ الدراجة لتوصيل أحدهم. غرّه الإسفلت، كان في جيبه 1650، القيادة في الإسفلت سهلة، إذن سيذهب إلى البقالة ويضحى بمائة وخمسين ريالًا قيمة مشروب غازي والباقي سيحتفظ بها كمصروف للمدرسة.
في منتصف الطريق قرر أن يحتفظ بالألف والستمائة والخمسين كاملة، لف ليعود بنصف دائرة كاملة كما لو أنه يقود شاحنة تملك عشرين إطار. هناك دراجة آتية في الخط المعاكس. توقف أمامها فانقلبت تلك الدراجة التي كان عليها سائقًا مسلحًا.
السائق المسلح سيسامح بالدم الذي ينزف من ركبته، لكنه لن يسامح بقيمة كشاف الدراجة المتحطم.
وصل صاحبي إلى السوق، وأصلح كشافة الدراجة بألف وسبعمائة ريال.
لا شرب البيبس ولا سلم المصروف. واستدان خمسين ريالًا. كما أنه أقلقنا بغيابه الطويل.
وعدته فيما بعد أن أمنحه بدل الألف والسبعمائة:
“ألفين ريال من هذا الراس.. شافوز بجائزة القصة”.
هناك قول نتداوله في البلاد هذه الأيام:
“الألف في الحرب بمليون”.
رحت أوزع ملايين الجائزة. ووعدت أصحابي المتكئين على وسائد مصنوعة من الثياب القديمة، بمداكي اسفنجية تجعلك تطعم القات من أول غصن. أما الباقي فقد تناحرت وسط رأسي بين شراء كتب وحفر أساس لمنزل صغير، قضاء ديون الوالد المتفاقمة بسبب عدم صروف الرواتب، عقيقة للمولود القادم، مصروف يومي للتفرغ لإتمام ما أظنه كتابًا، هذه بالذات ارتحت لها من قلبي ذلك أني استلهمت ماركيز كنموذج: لقد باع سيارته من أجل وجبة جيدة وتدفئة جيدة، ليكتب مائة عام من العزلة.
لم أفز بالجائزة. وأشك بأن لا أحد قرأ القصة.
لقد أنقذني عدم الفوز من كل تلك الأفكار.
الطالب الذي وعدته بالألفين قد يتهكم:
“وين اجا الكاتب العالمي.. وين اجا سفير قرية خباءة بين الكتب”.
هو لم يعد بجاجة الألفين. ونحن هذه الأيام نكثف من قراءة البردوني وكتب الأجانب عن اليمن.
“نحب الشعر أكثر.. ونحب البلاد أكثر حين نرى حبها في أعين الأجانب”. هكذا أقول. كي لا يعلم صاحبي أني لم أفز.
وصرت أكتب أكثر، وأحرز تقدمًا في القصة/ الكتاب الذي لا ينتهي.
لقد ركنت ماركيز جانبًا عن الوجبة الجيدة لأجل الكتابة، ولجأت إلى فكرة همنغواي: ” ليس بوسعي تناول الطعام بصورة منتظمة، وليس بالأمر السيء إن هم لحقوا بي”.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.