– لما تكون السما صافيه تجي الطيارات تضربنا بالصواريخ”!
(( اليهن في عيدهن ))
———————
” – ما حِبْش السما لمّا تكون صافية.
– ليش يا هالة؟
– لما تكون السما صافيه تجي الطيارات تضربنا بالصواريخ”!
صارت هالة تخشى أكثر ما تخشاه عندما يكون الطقس صحواً والسماء صافية ، وأفضل الأوقات لديها عندما تتلبّد السماء بالغيوم الداكنة .. فقد علّمتها الحرب المستعرة في البلاد منذ عامين أن الطائرات لا تُجيد التحليق فوق مدينتها واطلاق الصواريخ عليها الاَّ اذا كانت الشمس مشرقة والسماء صافية.
ولازالت هالة – ذات الاثني عشر ربيعاً – تتذكّر كيف قصفت احدى الطائرات منزلهم في مدينة الحديدة ، وقتلت أمها وشقيقتها واحدى صديقاتها من بنات جيرانها الأقربين.
في زمن ويمن الحرب ، تكبر الصغيرات بسرعة عجيبة بفعل مناظر الدم والدمع والخراب، ومشاعر الحزن والقهر والألم . أما الأكبر سناً بقليل فلا يعشنَ أحلام الصبايا واختلاجات المراهقات ، بل يصبحنَ عجائز في لمح البصر.
وفي زمن ويمن الحرب ، تعاني النساء من العنف بأقسى صوره وأبشع وسائله ، عنف السلاح والظروف والفقر والجوع والبشر الذين قُدّت قلوبهم من صخر جلمود وجمر مُتّقِد.
واذا كانت ثمة منظمات حقوقية تجد مكابدة جد شاقة في مناهضة ظاهرة العنف ضد المرأة في اليمن ، في وقت السلم وفي ظل وجود الدولة ومؤسساتها المدنية.. فان هذه المنظمات لا شك في أنها عاجزة تماماً عن فعل شيء ذي جدوى في زمن الحرب وانعدام كل شكل ولو هش أو هلامي للدولة ومؤسساتها كافة.
…
…
أنتقل العنف في زمن ويمن الحرب من جبهات القتال، إلى الشارع والأسواق، وصالات الأعراس والمآتم.
وأدّت ظاهرة انتشار السلاح على نطاق واسع الى استخدامه في المشاجرات اليومية بين الناس بشكل بلغ حدّ الهيستيريا جراء افرازات هذه الحرب، مادياً ونفسياً، وبصورة لم يشهد لها المجتمع اليمني مثيلاً من قبل.
لا يخلو كتف من بندقية، ولا خصر من مسدس، ولا جيب من قنبلة.. ولا قلب من شرر!
واذا كانت الاحصائيات المتوافرة قبل اندلاع الحرب الأخيرة تشير الى توافر أكثر بكثير من 60 مليون قطعة سلاح شخصي في اليمن (عدا الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي يمتلكها أشخاص وميليشيات وتجمعات قبلية خارج نطاق سلطة الدولة)، فما عساها تكون الاحصائيات بهذا الصدد اليوم!
والأكثر مدعاةً للسخرية السوداء في هذا المشهد الموغل في تراجيديته، أن المدن والقرى اليمنية التي كانت تشتهر بكونها مدنية ومتحضرة ومسالمة (كمدينة عدن مثالاً) صارت اليوم أشبه بترسانة أسلحة متنقلة أو ثكنة عسكرية تمشي على قدمين!
وفي ظل هذا المشهد الأسود، أو الوضع المأساوي، تدفع النساء الثمن الأكبر والقسط الأثقل.. فهن لا يد لهن ولا قرار في أسباب اندلاع الحروب واستمرارها وتعاظم ويلاتها وتراكم ضحاياها، ولا حتى في معارك الرجال في الشوارع والأسواق.. وبالرغم من ذلك هن من يحصدن شوك التَّرمُّل والتَّثكُّل واليُتْم في كل الأحوال!
((يتبع))
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.