صارت البلاد بقعة حمراء، وعددنا أصبح أقل من الكمية التي كنا عليها، الموت يساعد في تقليل العدد الذي كان، كلما زاد رقم مات رقمان آخران بتعدد أسباب الموت. المواطن اليمني اصبحت حياته عذابات متراكمة لم يستطع تحملها وعمود فقري واحد قد خذله.. انشطرت حياته إلى شطرين.. خمس سنوات مضت كانت خاوية مقترنة بكل ماهو بغيظ ومدعاة للندم.
من جهة أخرى، القادم المجهول والذي فيه تتحجر مدارك مواطننا بدلا من إستيعاب شئ واحد في خضم غشاوته على الأطلاق.. وحاظر لا فيه سوى الموت والآلام.
وضع سيء يصيبك بالاكتئاب، إنه أشبه بحالة كابوس مرعب.
الجميع أصابه الضرر، ضرر ذلك المنزل الكبير والذي تهدمت جدرانه فوق الجميع فتفاوتت خسائرنا واصاباتنا، اليمن الذي أضعناه فضعنا وأصبحنا ما بين مشرد وجائع وراحل، وذلك ضريبة منزلنا الذي تساهلنا حين بدأت تتهاوى جدرانه.
بالأمس الطبيبة اكرام تعرضت للطعن بسبب عدم مقدرتها دفع الايجار، وهذا حال الجميع بسبب انقطاع الراتب لستة أشهر.
بالأمس أيضا توفيت طفلة في تعز بسبب سوء التغذية.
اليونسيف في تقرير لها تقول:
طفل يمني يموت كل عشر دقائق نتيجة لسوء التغذية، تخيل الآن هناك طفل يمني في مكان ما من اليمن يموت نتيجة لسوء التغذية!
دكتور جامعي يعمل خباز في مطعم؛
دكتور علم النفس يعمل في مصنع بلك، وهذا نموذج لحال الكثيرين، بعضهم وصل به الحد إلى التذمر من كونه ذات يوم أنجب أولاداً!
قبل يومين، 12 يمنياً يموتون جملة في الحدود اليمنية السعودية كانوا متهربين في طريقهم إلى المملكة، وفي الليل وخلال تهريبهم وقعوا في حفرة كبيرة فكانت نهايتهم.
يصف لي أحد الذين تهربوا حالهم عند التهريب، صورة مخيفة تجعلك تتقيأ وجعا على حال اليمني الذي بات يلاقي أنواع العذاب في الداخل والخارج..
يقول في إحدى الجبال الوعرة والكبيرة الطريق فقط يكون عبر جبل هذا الجبل هاوية فيتم ربطك بحبل تنزل عبره إلى أسفل الجبل، والكثيرين يقعون من الحبل، ومنهم من يموت وبعضهم يصاب بكسور وبعضهم ينجو. يضيف: خلال رحلة تهريبنا في إحدى الجبال كنت اشم رائحة جثث قال انها لأشخاص يمنيين بعضهم مات جوعا وبعضهم مات تعبا وبعضهم ظل الطريق وحيدا ونهايته الموت؛ يقول والعبرة تخنقه: نموت عشرات المرات خوفا وألماً وتعبا ووجعا ومصيرا مجهولا.. يهربون من الموت والجوع فيقابلهم الموت.
صارت البلاد بقعة حمراء، وعددنا أصبح أقل من الكمية التي كنا عليها، الموت يساعد في تقليل العدد الذي كان، كلما زاد رقم مات رقمان آخران بتعدد أسباب الموت.
تعايش اليمني إلى حد كبير مع هذا الوضع، لكن ما يقلقه أكثر هو المستقبل المجهول وعدم معرفة نهاية الوضع المعاش.
عندما تلاحظ ملامح نهاية ما أنت فيه فذلك يخفف عنك الكثير وربما ينسيك ألم حاظرك، فتعيش بأمل نشوة القادم الذي تراه، والعكس عندما يكون القادم مجهول والحاظر لا ملامح لانتهائه وربما العكس فهذا ألماً مضافاً، القادم المجهول وجع آخر إلى وجعك الذي تعيشه.
لا يعني هذا أن الأمور ستبقى على هذا السوء، فلكل شيء نهاية وأجل، حتى المسرحية تبقى مملة عندما تطول، ستنتهي الحرب لا محال ولكن متى وكيف؟
لا شيء في الحرب جميل!
كانت تكبيرات الحرب والإعداد له تعويذة شر تجهز الجميع للموت والخراب وتهيئة لإحراق كل شيء!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.