كتابات خاصة

جدل قديم: هل المرأة مصدر الشر؟

أ.د أحمد محمد الدغشي

أحسب أن النزاع الذي يدور أحيانا في الوسط العلمي -دعك من المتهتكين ودعاة اللامنهجية الحديثية- حول صحة بعض الأحاديث التي أخذت الأمة مصادرها بالقبول الجملي كصحيحي البخاري ومسلم، له منطقه الذي يسعنا فيه ما وسع علماء الأمة المتقدمون قبل المتأخرين. وقفة مع نقد المتن الحديثي:
أحسب أن النزاع الذي يدور أحيانا في الوسط العلمي -دعك من المتهتكين ودعاة اللامنهجية الحديثية- حول صحة بعض الأحاديث التي أخذت الأمة مصادرها بالقبول الجملي كصحيحي البخاري ومسلم، له منطقه الذي يسعنا فيه ما وسع علماء الأمة المتقدمون قبل المتأخرين.
فإذا كان لثبوت السنة طريقان: طريق السند وطريق المتن، وكلاهما معتبران، بل أساسان في ذلك، عند أهل الحديث أنفسهم؛ بيد أن طريق المتن يبدو أدق وأعمق، وليس بوسع كل أحد إدراكه، حتى من علماء الحديث، والمشتغلين بصناعته، لأنه ذو صلة عضوية بمعرفة العلل الخفية، وهي واحدة من شروط الصحة الأساس لانطباق وصف الصحيح على الحديث المروي، وليست متعلقة بالرجال وأحوالهم فحسب، بل بكل ما قد يقدح في الصحة من الجوانب كافة، وذلك ما يعبر عنه أهل مصطلح الحديث بالسلامة من الشذوذ أو العلة.
وفي ذلك كتبت الأطاريح والرسائل والبحوث العلمية وعقدت المناقشات والندوات المتخصصة، خاصة مع غلبة التركيز على السند عبر الحقب المختلفة -وهي حقيقة مهما كانت الأسباب والدوافع وراء ذلك- بما يجعل التوازن يكاد يكون مفقوداً بعض الشيء بين حجم الاهتمام بالسند مقارناً بالمتن.
وعلى ذلك فالنقاش الذي دار ويدور في بعض الأوساط العلمية حول بعض الأحاديث المشكلة، ومنها حديث  يُنسب إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنّه قال: 

(لولا الحواء لم تخن أنثى زوجها الدهر)
نقاش مشروع مبرر، رغم أن الحديث ثابت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، دعك من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وهي بالمئات في حق المرأة بوجه أخص، وأكثرها إساءة لكرامتها، وامتهان لطبيعتها، وردّة عمياء بها إلى الجاهلية الأولى.
من هنا فلا ضير – من وجهة نظري- في مناقشة حتى متون بعض الأحاديث صحيحة السند، إذا كان متنها مشكلاً حقا، مادام يلتزم الباحث في ذلك منهج أهل الاختصاص، ولاسيما المحققون المبرّزون منهم، والمهتمون بالمتن قدر اهتمامهم بالسند، لأنهم يعدّون -حينئذ- سادة هذا المجال وأربابه، شأنهم في ذلك شأن أهل أيّ اختصاص، يحكِّمون منهجه، ويلتزمون بقواعده.
وسيكتشف بعض من لم يعرف حقيقة هذا العلم كم هو عظيم أصيل متين، لكل من درسه وعرفه من داخله، لا من خارجه، وتلقاه عبر أهلهله المجيدين، لا عبر بعض مقلّدة المحدثين، وأنصاف المتعلّمين ممن ينتسب إليه، فيسيئ أكثر مما يحسن أحياناً، ناهيك عن أن يكون قد تلقاه عبر  قراءات نقدية لمستشرقين، أو حتى خصوم من أبناء جلدتنا، ينطقون بألسنتنا! وهو مع ذلك علم إنساني قابل للنقد والأخذ والعطاء بمنهجه من داخله، ولذلك، ثمة مدارس فيه في مجال النقد، عُرف بعضها بالمتشدّد، وبعضها بالمتساهل، وبعضها بالوسطي المعتدل، ولا تزال بعض أقسام علوم الحديث وأساتذتها المجيدين تسعى لعلها أن تضيف أحياناً الجديد، ولو ندر، وقد لايخلو بعضها من إبداع في بعض الأفكار التي لم يسبق إليها المتقدّمون، خاصة مايتعلق ببعض المستجدات، ومنها ماله صلة بالتقنية الحديثة -على سبيل المثال- أو بالإعجاز النبوي الذي لم يظهر ويتحقق علمياً إلا في زماننا.
مع الحديث شرحاً ونقداً:
أمّا الحديث السابق محل البحث فيشير أولاً -وإن من طرف خفي- إلى أن كل ذنب يصدر عن المرأة تجاه علاقتها بزوجها، في أي زمان أو مكان، منذ حلق الله أمّ الخلق حواء عليها الصلاة والسلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تتحمل أمّ الخلق حواء قدراً من ذلك الوزر، بوصفها أول من وقع في خطيئة الأكل من الشجرة، بعد تصديق إبليس بالوسوسة، ومن ثم عملت على إقناع أبي الخلق آدم عليه الصلاة والسلام بالانزلاق إلى تصديق وسوسة الشيطان والأكل من الشجرة من ثمّ. وبناء عليه فالمرأة هي مصدر الشرّ والخطيئة، وهو مايعني انتقال ذلك إلى بنات آدم في كل عصر ومصر، حيث الخيانة (وليس المقصود بالخيانة هنا الخيانة الزوجية بمعناها الأخلاقي بالضرورة، بل الوقوع في الذنوب، والتلبس بالمعاصي بأصنافها من خداع وكذب وكيد وغيبة ونميمة ونحو ذلك مما يتصل بعلاقتها بزوجها).
ولأنني فرد من هذه الأمة التي تؤمن بتلقي صحيحي البخاري ومسلم بالقبول بالجملة (وأحسب أن إضافة لفظ بالجملة دقيق، لأنه مايميز القرآن الكريم المطلق في وروده عما سواه، وما يبرّر للنقاد منذ زمن أمثال الحافظ  الدار قطني وربما قبله، حتى الحافظ مقبل الوادعي، في زمننا ومن بعده، تتبع بعض أحاديث الصحيحين ونقدها وتقويمها، قبولا وردّا)، وأتصدى  بقدر استطاعتي للرد على دعاة هدم السنة بلا منهجية منضبطة، تروم نسف معايير علماء الحديث في التصحيح والتضعيف، والاكتفاء بالانطباع، والمزاج الذي يسمى عقلا ظلماً وزوراً في كثير من الأحيان- لكنني أرى أنه إذا تعذر حمل الحديث بدون تكلف على محمل مناسب، أو وجه  للتأويل فيه مساغ مهما بدا بعيداً لدى البعض، فذلك هو الأصل، عملا بقاعدة الجمع بين الأدلة التي ظاهرها التعارض. وكلما وجدنا توجيها للحديث، منسجما مع بقية النصوص وفي مقدمتها القرآن الكريم فلاينبغي العدول إلى الرد أو الحكم بالوضع أو الضعف، أو نحو ذلك.
وإذا تذكّرنا بعض القواعد الأولية لدى المحدّثين من مثل عدم التلازم بين صحة السند وصحة المتن، كما عدم التلازم  بين ضعف السند وضعف المتن، ومن مثل أن من علامات عدم صحة الحديث أن يخالف ماهو ثابت مقرّر في الشريعة بالنصوص الثابتة الصريحة، فهاهنا يظهر لي بعد دراستي الاستقرائية التامة للآيات القرآنية ذات الصلة بموضوع آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام ومسألة الخطيئة التي وقعت، أنها تتعارض صراحة مع منطوق الحديث السالف ودلالته، ولا محمل البتة -أمامي- للجمع بينه وبين النصوص القرآنية التي تصرّح بنفي ابتداء حواء الخطيئة من الأساس، وإنما بالمتابعة لآدم، ليس أكثر.
أما ارتكاب الخطيئة، والوقوع في المعصية، وتحمل الوزر -من ثمّ- فكله منصرف إلى آدم بصريح القرآن الكريم. وهو ماسيتم إيراده ومناقشته في اللقاء القادم بعون الله تعالى.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى