يخرج الإنسان عن أخلاقه أحيانًا، حين يبذل جهدًا في عمل ما، ويأتي من يستفزه بكلمة! هدم منازل الخصوم
يخرج الإنسان عن أخلاقه أحيانًا، حين يبذل جهدًا في عمل ما، ويأتي من يستفزه بكلمة!
أعرف بنّاءًا كان يقوم بتشييد المداميك الأولى لمنزل بسيط. كان السن قد تقدم بالبنّاء، علاوة على إصابته بعرق النسا. وكان يرتدي نظارة لمنع الأوظار الصغيرة أن تدخل عينيه. كانت تمشي امرأة كبيرة من أمام البنَّاء.
” افتك.. إيه هذا الشاقي كيفه كسل؟/ بسرعة.. ما أكسل هذا العامل؟”
والبنّاء يضطغن من فضول المرأة ويكتم. في اليوم التالي مرت:
“كنك اشتربخ ببيتك شكلك ماشتكمل إلا بعد دهر/ كنت سترتاح في منزلك، ستنتهي من العمل بعد سنوات”.
البنّاء عندما يبني منزلًا فهو يصنع اسمه للأجيال. يعتبره منزله.
وهذا البنّاء يكتم غيظه، احترامًا للمرأة.
في اليوم الثالث مرّت: ما أكسله..
قاطعها قبل أن تكمل معايرته، قال لها وهو يشير ناحيتها بعصا المطرقة:
“اسمعي.. ماهوش نكاح، دخله خرجه.. هذي عَمَرَة منزل”.
ومن بعد ذلك لم تمر المرأة مطلقًا.
من حسن الحظ، أن الحوثيين لم يفجروا هذا المنزل بعد. ومن سوء الحظ أنهم فجروا منازل عدة في مناطق أخرى. شعرت بالأسى وأنا أقرأ بالأمس تدمير بعض المنازل من قبل الحوثيين في جبل حبشي. مع أن ذلك لم يكن غريبًا عليّ، فالجينات التي دمرت منازل المدنيين عقب الثورة الدستورية عام 1948، هي ذاتها التي يحملها هؤلاء. أبطال الهزيمة!.
إنهم يستنهضون رغبة الانتقام للمجتمع بأكمله: البنائين والأطفال، الساكنين والحالمين بالسكن، النساء. مجتمع كامل يتواجد في الأحجار المرتصة في تلك المداميك.
حين تهدم منزلًا فأنت تؤلب الناس لتنتقم منك.
في كتابه “اليمن عبر التاريخ” ذكر أحمد حسين شرف الدين، بأن الإمام أحمد وكل إخوته على صنعاء، وأن هؤلاء أوعزوا للقبائل “بنهب بعض البيوت وهدمها كمكافأة لموقفهم معهم ومناصرتهم لهم”، (ملاحظة: الهدم مكافأة)، وذكر “روعت النساء والأطفال وانتهكت الأعراض”.
يهدمون بيتًا وتبنى ببيت من الشعر. لقد تم هدم منازل محمد محمود الزبيري وزيد الموشكي، وقد واسى الموشكي صاحبه بقصيدة:
سحق الأثيم الدار وهو مبلبل
مما بعثت به من الترهيب
أقلقت مضجعه فأرسل عسكرًا
يشفونه بفظيعة التخريب
تنتهج مليشيا الحوثي نفس الطريق، يشفون غرائزهم بفظيعة التخريب.
قد يفهم البعض سر الانتقام من الخصوم “رؤوس الثورة”، مع أن قيادات تم تفجير منازلها علت أصواتها وهي تقول: لا تدمروا مثل القيادي في مقاومة الجوف الحسن أبكر.
لكن لا أحد يفهم سر تعميم هذا الانتقام الإمامي المتوحش. قد تكون الغريزة المرتبطة بخوف الفوضويين من نظام يساوي بين الجميع. تاريخيًا، مشهد التدمير مرتبط بالدستور.
مشهد تكرر مرة ثانية:
صنعاء مطوقة من كل الجهات. بعد أيام يستسلم الثوار. كان ذلك في مارس 1948، لقد فشلت ثورة الدستور. وتشتتت مواد الميثاق الوطني المقدس مزقًا بأيدي القبائل المناصرة للإمام الذي أطلق عليهم اسم “أنصار الله”.
يُفترض أن ينتهي المشهد هنا: عقب استسلام الدستوريين المتواجدين في صنعاء.
لكن الإمام أحمد وإخوته، أباحوا لأنصارهم صنعاء في مشهد بربري موحش. لماذا ذلك؟
ذكر محمد أحمد الشامي، في كتابه رياح التغيير في اليمن، أن أنصار الإمام وصلوا إلى الدستور الذي كان مخبوء في وسادة أحد الثوار.
بصورة ما، تكرر المشهد في 2014: لقد كان الحوثيون شركاء في الحوار الوطني الذي ابتدأ في 18 مارس 2013، واختتم أعماله في يناير 2014، وقد انبثق عن الحوار لجنة لصياغة الدستور، وبدأت أعمالها، وانتهت.
عقب ذلك تم اقتحام صنعاء.
يفترض أن يتوقف جنون مليشيا الإمامية عند هذا الحد. لكنهم لم يكتفوا بذلك؛ فقد أعلنوا توقيف العمل بالدستور وأعلنوا ما أسموه “اللجنة الثورية العليا”.
لا فرق بين ما عاشه أجدادنا وبين ما نعيشه نحن إذن.
قد تكون تقنية التدمير السريع متوفرة للحوثيين أكبر من أيام الإمام. لديهم خبرة في الديناميت، وفي التلغيم.
ولأن هؤلاء لا يعتبرون من التاريخ، فمن الطبيعي أن تكون النهاية واحدة. هذه المرة شعب بأكمله سيلوح لكم بعصي مطارقه، كي لا تعودوا مرة ثالثة.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.