وجد الرئيس نفسه مضطراً لأن يخوض معركة تحرير مطار عدن الذي يفترض أنه صار محرراً منذ صيف العام 2015، لكن حينما يجد صعوبة في أن يهبط في مطار عاصمته المؤقتة فهذا ضرب من الجنون قد أصاب بعض المتشبثين بوهم الانفصال وأولئك الذين يعتقدون أن بوسعهم مصادرة الدولة اليمنية وسيادتها. وجد الرئيس نفسه مضطراً لأن يخوض معركة تحرير مطار عدن الذي يفترض أنه صار محرراً منذ صيف العام 2015، لكن حينما يجد صعوبة في أن يهبط في مطار عاصمته المؤقتة فهذا ضرب من الجنون قد أصاب بعض المتشبثين بوهم الانفصال وأولئك الذين يعتقدون أن بوسعهم مصادرة الدولة اليمنية وسيادتها.
الذي حدث ويحدث في عدن يشبه كثيراً عملية إسقاط صنعاء التي جرت بإشراف دولي وإقليمي، وكان الهدف منها هو تصفية الحسابات السياسية مع من يسمون بـ: “الإخوان المسلمين”، في وقت كان جيل واسع من الشباب المحسوب على هذا التيار أو القريب منه ينزاح بشكل متسارع نحو الليبرالية بكل ما تعينه من إحساس بالفردانية، والنزعة للحرية والخروج من تحت الوصاية المشائخية والدعوية.
حدث ذلك حينها بأدوات سيئة للغاية أنتجت كارثة نحتاج إلى وقت طويل لمواجهتها واحتواء تداعياتها.. فقد كان الذين تم استخدامهم في تصفية تلك الحسابات هم شباب قدموا من كهوف الانعزال القبلي، ليس لهم حظ من التعليم ولم يلامسوا التمدن، والأسوأ أنهم شحنوا بالأسوأ من أحقاد الماضي وأرزائه، واتسعت دائرة أعدائهم ابتداء من صحابة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى أمريكا، ذلكم كانوا هم الحوثيون، أو “أنصار الله”، يا إلهي!
لقد كانت مهمة الحوثيين الأساسية في صنعاء تشبه تماماً مهمة الحراكيين اليوم في عدن، هي قتل جذوة الحرية التي اشتعلت في تعز على وجه الخصوص، واحتواء إرادة الصد المسلح التي تحصنت بها بقايا الدولة في مأرب، إلى جانب تصفية الحساب مع شباب الإصلاح الذين يعتبر معظمهم من أكثر شباب اليمن تعليماً ورغبة في تغيير نمط الحياة وفي ملامسة الحرية وفي خوض تجربة جديدة، والحماس للديمقراطية وللتعددية السياسية.
استفاق العالم على كارثة في صنعاء وهو يشاهد مظاهر الانهيار المتسارع للدولة، تحت وقع التفجيرات التي بدأت بـ”جامعة الإيمان” واتسعت لتشمل المساجد والمدارس والمنازل والقتل العشوائي بلا رحمة، والأسوأ من ذلك أن المجتمع الإقليمي تحديداً رأى فيما يجري بصنعاء تمهيداً لترسيخ سلطة طائفية مرتبطة بإيران ومشروعها.
دفع الرئيس هادي ثمن سكوته وإعراضه عن أكبر تظاهرة خرجت في تاريخ صنعاء دفاعاً عن سلطته الانتقالية ومعها عن دولتهم الاتحادية ونظامهم الجمهوري المتداعي بتواطؤ من “الحرس الجمهوري”، فحوصر الرئيس واستبيحت كرامته وقتل أقرباؤه.
في عدن لم يكتفوا فقط بمحاصرة الدولة الاتحادية ورموزها وحشرها في قصر واحد بالمعاشيق، بل عملوا بوسعهم حتى لا تتمكن من الاستقرار في عدن التي أعلنها الرئيس عاصمة سياسية مؤقتة.
لقد مارسوا عمليات تطهير مناطقية لسكان المدينة ونفذوا موجة جديدة من التأميم ومصادرة أموال أبناء محافظة تعز المجاورة، والتهجرين القسري للسكان بدوافع سياسية ومناطقية، أمام مرأى ومسمع من قوات التحالف في عدن، كيف لا وهي القوات التي أتت من مجتمعات تسودها ثقافة “المواطن والوافد”، التي تصل إلى الهوس المرضي.
وأخيراً وصل الحال بمقاولي الشئون العسكرية والأمنية في عدن، حد التورط في منع طائرة الرئيس من الهبوط بمطار عاصمته السياسية المؤقتة، وهي الحادثة الأكثر صفاقة، بعد عمليات تهريب وتغطية على تحركات الانقلابيين من الحوثيين وأنصار المخلوع صالح الذين يستخدمون مطار عدن في ذهابهم ومجيئهم.
ضاقت الإمارات ذرعاً من التحركات الرئاسية ومن ذهاب الرئيس ومجيئه وأدركت – وهي القوة الثانية في التحالف العربي الذي تدخل عسكرياً في اليمن بدعوة من الرئيس الشرعي- أن مخطط إزاحته من السلطة قد فشلت، بعد رفض الرئيس خطة الأمم المتحدة التي أملاها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، وحظيت بدعم أبو ظبي ومسقط.
وكانت الإمارات للأسف قد اعتمدت المنهج البريطاني في التمكين الفئوي أو الطائفي أو الجهوي، باعتمادها على الضالع ويافع، في تأسيس وحدات شبه عسكرية تابعة مالياً وهيكليا لقواتها المتواجدة في عدن، وظهرت هذه الوحدات في شكل “الحزام الأمني”، الذي ألحق الأذى بالناس، وكرس التصور السيء لفكرة التحرر من قوات المخلوع صالح والحوثيين، وكرس الانقسام الاجتماعي في الجنوب.
وجرى التغاضي عن العمليات الإرهابية التي استهدفت وحدات عسكرية وأمنية في عدن محسوبة على الدولة اليمنية الاتحادية، إلى حد يمكن معه التكهن بأن العناصر الإرهابية التي تورطت في جرائم استهداف الجنود كانوا ضحية توظيف سياسي ماكر للعناصر الإرهابية المغرر بها.
وفي حين عملت إيران طيلة الفترة الماضية على تكريس الخطاب الانفصالي، عملت الإمارات على تمزيق المجتمع الجنوبي، على نحو يجعل من هذا الانفصال كارثة لا يمكن احتمالها من أبناء الجنوب أنفسهم.
لم ترغب الإمارات في فتح المطار والميناء وجرى إظهار الأمر على أنه جزء من تضييق الخناق على الإصلاحيين الذين لا يجب أن يستفيدوا من استقرار الأوضاع في عدن، ولا يجب أن يحظوا بأي ملاذ آمن، ولا يجب حتى أن يحصل جرحاهم في حروب المواجهة مع الحوثيين على أي رعاية صحية.
على هذا النحو تحارب الإمارات شركائها في اليمن، بلا أي سقف إنساني، حتى حربها على الحوثيين تخضع للصفقات لكن حربها الموازية على المقاومة وتعز أشد فتكاً ولا تسمح بأي هامش للحوار أو حتى للانسحاب.
بعد الذي حدث ويحدث في عدن، من حق المناضلين الذين ضربتهم طائرات التحالف خطأ طيلة الفترة الماضية أن يتساءلوا بأي ذنب قتلوا ولماذا قتلوا؟
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.