لقد زرعت الحرب بشراً في عمر الزهور في مزارع القبور الهائلة لتنبت صوراً جامدة، زرعت ألغاما بأعداد بذور القمح كي تحصد الحياة معاقة أو ذبيحة. على امتداد أطول شوارع مدينة إب وعلى مسافة متقاربة كل بضعة أمتار.
شنقت على أعمدة الإنارة المظلمة لوحات لأربعة وجوه، تلك الوجوه مكللة بالورد الأحمر ومطوقة باللون الأخضر، لون جنتهم الرسمي.
لم يتبق من أولئك البشر سوى وجوهٍ لصورٍ مرسومة كانت أرواحاً تدب على الأرض تحمل شقاء العبيد حين يساقون للموت قرباناً.
كأن أعينهم المفتوحة تحدق في المدى الواسع لشارع لن يعود بهم إلى البيوت أبداً.
نظراتهم تحمل ابتسامة ميتة تراقب الذاهبين في الطريق والعائدين جثثاً ليصبحوا صوراً
جديدة تزين بها شوارع مرت عليها مسيرة الخراب.
لو كانوا ينطقون لاستوقفوا المارة كل يوم قائلين:
من دماءنا يشرب السادة لأننا العبيد، وعلى قبورنا تبنى قصورهم ويكفينا لقب الشهيد.
لعلها الحرب المقدسة الوحيدة التي خلفت وراءها أكبر ألبوم صور لأطفال قُصر تحت مسمى شهداء مجاهدون.
مسيرة زرعت في أرض الوطن أقبح ما سيذكره التاريخ لحقبتها السوداء.
لقد زرعت بشراً في عمر الزهور في مزارع القبور الهائلة لتنبت صوراً جامدة، زرعت ألغاما بأعداد بذور القمح كي تحصد الحياة معاقة أو ذبيحة.
زرعت أحقاداً لا تطفئها سنوات من التأهيل بين أبناء وطن واحد.
زرعت طائفية وعنصرية ستمتد آثارها كالنار في هشيم هذا الوطن.
زرعت فوضى عارمة في كيان وطن بلا دولة أو سلطة بل في قبضة عصابة وقطاع أرزاق.
هذا زرعها الأسود مهما لطخته باللون الأخضر أو بكل ألوان قوس قزح.
يتفنن إعلامها بإيهام الشعب أنها مسيرة لصد العدوان الخارجي ويتناسى أننا لا نرى الموت إلا مصبوبا نحو الداخل فقط.
تغالط بأطلاق كلمات رنانة عن الحرية والكرامة وتتناسى أنها من اهدرت الحريات والكرامة والوطن.
مهما مارست دجلها وشعوذتها الإعلامية على عقول البسطاء سيأتي اليوم الذي تحصد فيه كل ذلك الغراس الذي نمى وترعرع في طريقها الخراب..
سيلقف وعينا كل إفك يرمي به سحرتهم وسيأتي يوم الحصاد لكل زرعها في أرض اليمن.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.