دشنت الإدارة الأمريكية الجديدة عهدها المشئوم بزعامة الرئيس الجديد سيئ الصيت دونالد ترامب (أبو إيفانكا)، بجريمة حرب ارتكبتها قوة من المهام الخاصة “المارينز” في اليمن، وتحديدا في قرية “يكلأ” التابعة لمحافظة البيضاء اليمنية قبل أيام.
لم تكتف الإدارة الأمريكية بارتكاب هذه الجريمة بل أعقبتها بسيل من الأكاذيب على لسان عدد من المسؤولين الأمريكيين، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن العقلية الأمريكية لا زالت في ضلالها القديم، وأنها بحاجة إلى عملية تحديث شامل.
يعتقد المسئولون الأمريكيون أن الشعوب، وبالذات العربية، لا زالت غبية، وأنها تصدق كل ما يصدر أو يقوله الأمريكيون، وأن أمريكا هي رائدة الحرية وحامي حمى حقوق الإنسان في العالم، ولم تدرك العقلية الأمريكية بعد أن الشعوب العربية والإسلامية قد صحت من نومها، ولم تعد تنطلي عليها أكاذيب الإدارات الأمريكية مهما حاولت إخراجها في قالب مزخرف.
* طائرة مريضة
خرج المسئولون الأمريكيون بعد هذه الجريمة بروايات سخيفة، فالمتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “جيف ديفيس” قال إن جنود القوات الخاصة الأميركية الذين نفذوا عملية الإنزال الجوي “فوجئوا بنساء كثيرات يقاتلن في صفوف التنظيم الجهادي”، واستطرد كاذبا: “بينما كانت العملية جارية رأينا نساء مقاتلات يركضن باتجاه مواقع معدة مسبقا كما لو أنهن تدربن على القتال ضدنا”!
والحقيقة أنهم أرادوا بهذه الأكذوبة وبصورة مفضوحة ومكشوفة التغطية على سقوط قتلى من المدنيين بينهم نساء وأطفال لكنهم لم يجيدوا صياغة هذه الأكذوبة، ولهذا رفض “البنتاغون” تأكيد أو نفي مقتل أطفال في الهجوم، وربما استحى البنتاغون من القول إنهم تفاجئوا بأطفال يقاتلون كما لو أنهم تدربوا في بطون أمهاتهم!
العملية مباغتة، ولم يعرف عن تنظيم القاعدة في اليمن أنه قام بتجنيد نساء في صفوفه لمهام عسكرية عادية فضلا عن مواجهة المارينز الأمريكي، والعادات والتقاليد اليمنية لا تقبل استخدام النساء في المجال العسكري، ولا زال للمرأة حرمتها وخصوصيتها في المجتمع اليمني أكثر من أي مجتمع عربي وإسلامي آخر، وهذا ما لم يدركه البنتاغون وإلا لكان بحث عن أكذوبة أخرى.
وردا على تحطم طائرة عسكرية في العملية، نقلت صحيفة “الواشنطن بوست” عن مصادر عسكرية قولها إن القوات الأمريكية دمرت مروحية من طراز (في-22 اوسبري) عمدا لفشلها في الإقلاع بعد هبوطها لإخلاء الجنود الجرحى!
هذا التبرير الذي أكده البنتاغون في بيان رسمي يثير الضحك والسخرية لأن عملية عسكرية كهذه جهز لها أضخم وأحدث الأسلحة بما فيها الطائرات المستخدمة التي اختيرت بعناية لهذه المهمة وبعد فحص دقيق، فهذه طائرة حديثة الصنع تابعة لدولة عظمى وليست سيارة أجرة في أحد شوارع مدينة تعز المحاصرة وخرجت للتو من ورشة الصيانة وتمشي بدون “فرامل”، ولم يكن ينقص هذه الرواية الأمريكية المخجلة إلا القول إن الطائرة لم تقلع بسبب نفاذ الوقود، أو نتيجة نوم الطيار كون العملية تمت في وقت متأخر من الليل!
لا تريد أمريكا أن تعترف أن المستهدفين في العملية استهدفوا الطائرة كون ذلك يقلل من هيبة الجيش الأمريكي الذي لا يقهر ولا يفشل وغيرها من الأساطير الوهمية التي حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسويقها لشعوب العالم وانخدع بها كثيرون لفترة من الزمن، فالواقع اليوم يؤكد أن أصغر قوة تستطيع أن تلحق الأذى بهذه القوة العظمى في حال توفر لها الدعم والإرادة.
* أعذار قبيحة
وقال مسئول أمريكي إن الهدف من العملية كان “جمع معلومات استخباراتية في عملية خاطفة تضع خلالها القوات الأميركية يدها على أكثر قدر ممكن من الوثائق والحواسيب والأجهزة الالكترونية”!
ولأن حبل الكذب قصير، لم يتنبه هذا المسئول أن العملية جرت وسط إطلاق نار كثيف وبرصاص أباتشي كفيل باحتراق كافة الوثائق المزعومة، وهل تحتاج أمريكا لحواسيب وأجهزة الكترونية وهي القادرة على الوصول إلى أية معلومة في أي تلفون بالعالم أو أي جهاز الكتروني بضغطة زر، وهل يعقل سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين في عملية كانت تستهدف فقط جمع معلومات، ولماذا تم قصف المنزل بعد انتهاء العملية؟
وأحدث فضيحة لوزارة الدفاع الأمريكية هي نشر مقطع فيديو منشور في الانترنت منذ عشر سنوات عن صناعة متفجرات للقاعدة ومحاولة تصوير المقطع بأنه ضمن المعلومات التي حصلت عليه الوزارة من العملية. ونجزم أن الإدارة الأمريكية كانت ستتمادى أكثر في نشر أكاذيبها علنا، وكنا سنسمع مسئولا في البيت الأبيض يقول إن الضابط الأمريكي “ويليام راين” قتل في العملية بسبب نيران صديقة، أو أن الضابط قتل نفسه تحت تأثير الخمور التي تعاطها قبيل العملية العسكرية وغيرها من الأكاذيب، لكن خروج صور الضحايا إلى وسائل التواصل الاجتماعي جعل الإدارة الأمريكية مرتبكة، وتحاول الآن البحث عن مبررات واهية لامتصاص صدمة الرأي العام العالمي.
بعد نشر صور الضحايا المؤلمة صرح مسئول أمريكي لقناة الـ”سي إن إن” أن قوات خاصة من دولة خليجية شاركت في العملية، وهي محاولة أمريكية لتوزيع القبح وكان الأولى بها أن تتستر على مشاركة هذه الدولة العميلة لها، والتي اشتهرت بـ”حشر حمارها بين الخيول” كما يقول المثل اليمني الشهير.
وقال مسئول أمريكي آخر إن الإعداد للعملية بدأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما “ومن الخطأ تحميل هذا الهجوم أكثر مما يحتمل لجهة حصوله في مستهل عهد ترامب”، وهي محاولة فاشلة لرمي القذارة فوق رئيس قد غادر البيت الأبيض قبل أيام ولم يعد مهما الحفاظ على سمعته التاريخية، فالرئيس ترامب هو من أذن بالعملية بحسب اعتراف البيت الأبيض وهو المسئول إذن عن هذه الجريمة الإرهابية التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين الأبرياء بينهم نساء وأطفال.
* شجاعة الإصلاح
كشفت الجريمة أن الإعلام الأمريكي يدار بالريموت كنترول من البنتاغون حيث لم تفرد الصحافة الأمريكية المساحة الكافية التي تليق بهذه الجريمة، ولم تنشر صور الضحايا رغم فظاعتها، ولو أن ناشطة خلعت حجابها أمام الناس واعتدى عليها شخص معتوه لنشرت صورتها مكبرة في الصفحات الأولى، ولأرسلت بعض الصحف الأمريكية مراسليها إلى اليمن لإجراء مقابلات صحفية مع هذه الناشطة الفارغة لكن صورة طفل قنصه المارينز الأمريكي وهو في بطن أمه لم تنشر في الإعلام الأمريكي مما يؤكد أكذوبة الحريات الإعلامية هناك.
صورة الطفل الذي خرج من بطن أمه مصابا بطلق ناري في يده، وعاش لساعات ومات بدون اسم ستظل وصمة عار في جبين أمريكا، فهذه أول جريمة غير إنسانية ولا أخلاقية سجلت في هذا العام بقلم ترامب، فهل ظن المارينز أن بطن الأم الحامل نوع من أنواع الحواسيب حتى يستهدفه بالرصاص؟
والمضحك المبكي في وقت واحد هو أن جماعة الحوثي التي أدوشت الشارع اليمني بشعارات الموت لأمريكا وإسرائيل كانت مشاركة في هذه العملية الحقيرة، ولم تتجرأ حتى على إصدار بيان إدانة، ونسيتْ أنها تسببت ولا زالت في حرب طاحنة باليمن بدعوى الدفاع عن السيادة اليمنية المنتهكة أساسا، ووحده حزب الإصلاح الذي خرج ببيان إدانة وهذا موقف وطني شجاع سيحسب للإصلاح بلا شك.
يستحيل دخول الطائرات الأمريكية بدون إذن مسبق أو بمعنى أدق بدون إشعار قوات التحالف العربي بقيادة السعودية التي تسيطر على الأجواء اليمنية منذ قرابة عامين، ويستحيل أيضا أن تتم العملية بدون تنسيق مع جماعة الحوثي كونها سلطة الأمر الواقع في محافظة البيضاء التي جرت فيها العملية، ولهذا امتنع مسئول أمريكي عن التعليق حول مشاركة جماعة الحوثي في مقابلة مع قناة الجزيرة، والامتناع بحد ذاته اعتراف، والجواب مجرد تحصيل حاصل لأن الواقع وهو أصدق من البيت الأبيض يقول إن مشاركة جماعة الحوثي المسلحة أمر لا مفر منه، فلن تتجرأ أية قوة عسكرية على إنزال جوي بهذه الصورة بدون ضمان عدم ردة فعل القوات العسكرية المحيطة بالمنطقة، وهي قوات حوثية عفاشية انقلابية، ولا فخر.
خلاصة القول إن الإدارة الأمريكية ارتكبت جريمة حرب أمام الملأ، وقد فشلت في تبرير هذه الجريمة، وثبت أيضا أن الإعلام الأمريكي مجرد ذيل صغير للبنتاغون، وأمام المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان الآن اختبار عسير لإثبات مصداقيتها وحياديتها.
وباختصار شديد، العملية قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للرأي العام بدون رتوش كدولة متغطرسة لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا تحترم سيادة الدولة ولا القانون الدولي، والعملية ستكسب قاعدة الجهاد في جزيرة العرب فرع تنظيم القاعدة في اليمن تعاطفا أكبر في الشارع اليمني، والعملية فضحت عبده (أبو جبريل) الذي يفترض أنه يخجل قليلا ويتخلى عن رفع شعار “الموت لأمريكا” بعد اليوم.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.