“الحُديدة”.. الرمق الأخير للانقلاب في اليمن
“الحديدة” رقمٌ صعبٌ في المعادلة اليمنية، لا تقل عن مدن أخرى في الأهمية، تأتي على رأس المحافظات اقتصادياً وصناعياً وفي الكثافة السكانية أيضاً.. الميناء الثاني في اليمن، احتل المرتبة الأولى بالنسبة للانقلابيين بعد هزيمتهم، وخروجهم من مدينة عدن، في يوليو/ تموز الماضي. يمن مونيتور/ خاص/ من عمار زعبل
“الحديدة” رقمٌ صعبٌ في المعادلة اليمنية، لا تقل عن مدن أخرى في الأهمية، تأتي على رأس المحافظات اقتصادياً وصناعياً وفي الكثافة السكانية أيضاً.. الميناء الثاني في اليمن، احتل المرتبة الأولى بالنسبة للانقلابيين بعد هزيمتهم، وخروجهم من مدينة عدن، في يوليو/ تموز الماضي.
اتجهت أنظار الجميع إليها مؤخراً بعد انطلاق عملية تحرير الساحل الغربي، بدءاً من باب المندب فمديريات ذوباب والمخا، بإسناد من مقاتلات التحالف العربي، التي كثفت من شن ضرباتها، على مواقع الحوثيين وصالح، على طول الشريط الساحلي، وصولاً إلى الحديدة، نفسها.
في مطلع فبراير/ شباط من العام الماضي، فقد الحوثيون منفذاً آخر، مهماً بالقرب من الحدود البحرية للسعودية مع اليمن، ما زالت تحاول قوى الانقلاب استعادته بحشود ضخمة من المليشيا، التي تصطدم بالجيش الوطني المنضوي في إطار المنطقة العسكرية الخامسة، التي تبدو لها المحافظة على ميناء ميدي مهمة مقدسة، للانطلاق والإطباق على بقية الموانئ حتى الحديدة، مروراً بالصليف، ورأس عيسى، الذي يعد ميناء مختصاً لتصدير النفط والغاز، بل واستيراده.
تحركات لا تقل أهمية للجيش الوطني، عن التحركات الضخمة في باب المندب والمخا، إنها المعركة الأخيرة، التي حشرت الحوثيين وحليفهم صالح بين أمرين، كلاهما مر، إما الاستسلام والهزيمة، أو المضي في تحديهم، وتساقطهم رويداً رويداً حتى الرمق الأخير من الموت، الذي يبدو بادياً في وجه ما يسمى برئيس مجلسهم السياسي، صالح الصماد، الذي ظهر مؤخراً وهو يتفقد كما قالت وسائل إعلامية مقربة من الانقلابيين ميناء الحديدة، ومرافق المحافظة الأخرى الحيوية، موزعاً الوعود، التي يسخر منها المواطن العادي في المدينة السمراء، بأنها كالنفخ في القربة “المخزوقة”، أو محاولة الزراعة في أرض محروقة.
التهريب
التهريب وتجارة السلاح وكل الممنوعات، هو المورد الرئيس لأية جماعة مسلحة، خارجة عن القانون، دأبت عليه جماعة الحوثيين منذ نشأتها، الأمر نفسه بالنسبة لعلي عبدالله صالح، الذي أتى من رحم التهريب أيضاً، ليحكم دولة عقوداً ثلاثة من عمره، وبعقلية المهرب، والخارج عن القوانين، والأعراف والمثل، ما زال التهريب إذاً هو المغذي الأول لحربهم على اليمنيين، سواحل طويلة، ممتدة، لم يستثمر فيها غير المساحات الصالحة، لمرور السلاح والأدوية والمخدرات، في شبكة معقدة، تقاتل عناصرها اليوم، وتعض بالنواجذ على الكثبان الرملية، التي زرعتها موتاً هي عبارة عن صواريخ وألغام ومتفجرات، وبشر تدفع بهم من أجل المحافظة على عرشهم الذي بدأ يتهاوى، ليلفظ الانقلاب وهواميره “أنفاسهم” الأخيرة كما بشرّ قادة في الجيش الوطني، أن المعركة اختلفت قواعدها، وصارت اللعبة بيد الشرعية تحركها أنى شاءت.
قلعة اقتصادية
إنها تدرّ ذهباً، والمنجم، الذي لا يمكن التفريط به، هكذا يقول مقربون للانقلاب عن الحديدة، فهي المحافظة الساحلية، والمدينة الصناعية والتجارية، إنها قلعة تحالف الحوثي/ صالح الاقتصادية، فمن غير الممكن التفريط بها بسهولة، زيارت قيادات كبيرة إليها وتصريحات بعضهم، تشير إلى أن خوفهم يتعاظم، بأنهم سيحشرون في الجبال قريباً، إن لم يحافظوا عليها، بكل ما أوتوا من قوة.
ضربة المخا
يقول متابعون إن استعادة المخا، حرك جهاز الاستشعار لدى النظام السابق والمتحالفين معه، فالمخا ميناء قديم ومهم، تم إهماله على حساب ميناء الحديدة، واستعادة مكانته مؤثر، وإن ظلت الحديدة في أيديهم..
يقول “رشاد الشرعبي” في حديث خاص لـ(يمن مونتيور)، إن سيطرة الجيش والتحالف على ميناء المخا، هي ضربة معلم، فاستعادته، ستخفف كثيراً على مناطق كبيرة بالسلع والبضائع، فهو سيغذي تعز، وإب وربما أجزاء كبيرة من الحديدة نفسها، وبقية المحافظات الشمالية.
فالمخا ميناء قريب كما يرى الشرعبي، (الصحفي والمحلل السياسي) قريب لمدينة تعز، التي تعدّ مدينة صناعية، وذات كثافة سكانية، سيسهل من وصول المواد الخام، ثم تصدير ما يمكن تصديره، المخا سيعيد لتعز حيويتها وسيعمل على إنهاء الحصار الجائر، الذي ضربته قوى الانقلاب منذ عامين تقريباً.
استراتيجية
الصحفي فهد سلطان يقرأ الأحداث الأخيرة من زاوية أخرى هي غير بعيدة، يسميها بالاستراتيجية، فهناك آلية يعمل بها التحالف العربي، والشرعية اليمنية، وفق مبدأ المباغتة للانقلابيين، واستعادة المدن والمناطق المهمة بأقل الخسائر، واستعادة مناطق قريبة من باب المندب، الذي له أهمية كبيرة ليس لليمن فقط، إنما للإقليم والعالم، يندرج ضمن هذه الأهمية، ومن ثم المخأ، التي تمتلك رصيداً تاريخياً وحديثاً للداخل والخارج معاً.
هذا الاهتمام حسب حديت سلطان إلى مراسل (يمن مونتيور) له تأثير عكسي في الوقت نفسه، فهو اهتمام خاص بالمناطق الاستراتيجية، قد يأتي على حساب مناطق مشتعلة، وقد يكون هذا جيد، ولكنه على المستوى الداخلي له تأثير سلبي، ويفتح الباب واسعاً لكثير من التأويلات.
ويرى سلطان أن استعادة باب المندب، له تأثير مباشر على عمليات التهريب، والتي ستصيب الانقلابيين بمقتل، مما يجعلهم أكثر تمسكاً بمناطق أخرى كالحديدة، فالتهريب يمثل شرياناً حيوياً، لوصول السلاح الإيراني إليهم، فاستعادة هذه الأماكن حماية للمياه الإقليمية، وخطوة قوية، من أجل رفع يد إيران في المقام الأول من البحر الأحمر، وستمثل نجاحاً كبيراً للتحالف والشرعية في اليمن.