“هيجة العبد”.. حكاية معارك معلقة بين محافظتين يمنيتين
يدرك الانقلابيون أهمية طريق هيجة العبد، فهي لا تربط تعز بالعاصمة المؤقتة عدن ربطاً حيوياً للغذاء والدواء فقط، إنما لها أهمية أكبر، فهي شريان الشرعية. يمن/ مونيتور/ خاص/ من عمار زعبل
في أغسطس/ آب الماضي، أراد الحوثيون وصالح قطع آخر شريان يغذي مدينة تعز وأرياف واسعة منها بالغذاء والدواء، بعد أن أحكموا الحصار على المنافذ الأخرى، وكرد عملي على الفتح الجزئي لمنفذ الضباب الغربي لتعز، بعد أن عملت قوات الجيش الوطني في استعادة مواقع هامة، كانت تستخدمها المليشيا لإحكام الحصار ومنع أي دخول أو خروج للمدينة.
“هيجة العبد”.. منحدر جبلي في مديرية المقاطرة الواقعة بين محافظتي تعز ولحج جنوب غربي اليمن، منحدر شاهق، ويرتفع بزاوية قائمة ضمن هضبة واسعة الامتداد، فيها طريق أسفلتي منحوت في الصخر الوعر بالتواءات كثيرة، يربط بين مديرية الشمايتين وقلب مديرية المقاطرة، قبل أن يمتد جنوباً باتجاه محافظتي لحج وعدن جنوباً.
يدرك الانقلابيون أهمية طريق هيجة العبد، فهي لا تربط تعز بالعاصمة المؤقتة عدن ربطاً حيوياً للغذاء والدواء فقط، إنما لها أهمية أكبر، فهي شريان الشرعية، الذي ظل محافظاً وبعيداً عن السيطرة، منذ الوهلة الأولى للانقلاب، ففي 21 مارس/ آذار من العام 2015 فشل الحوثي وصالح من الوصول إلى رأس هيجة العبد، وخط آخر يسمى بـ”نقيل الصحى” الرابط أيضا بعدن، لكن من غرب المقاطرة..
انتفاضة أولى
انتفضت حينها مدينة التربة، والمناطق المجاورة بها، وتم طرد الحوثيين، ممن جاءوا من أجل السيطرة على المنفذين، سقط شهداء وجرحى من المدنيين بعد مظاهرة سلمية، لم تكرر المليشيا حظها مرة أخرى حتى بدايات أغسطس/ آب الماضي، بعد أن سقطت مديرية حيفان، والقرى التابعة لها في المفاليس والأعروق والأعبوس، وصولاً للأحكوم المتاخمة والمتداخلة مع مديرية المقاطرة، التي تقع في نطاقها الهيجة، التي بقيت ساحة للمعركة حتى اللحظة..
يقول عبده نعمان الزريقي، قائد مقاومة الحجرية لـ(يمن مونتيور)، بعد عام ونصف من تأمين خط الإمداد لمدينة تعز، والجبهات الأخرى كالضباب والمسراخ، وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه مع المليشيا وقوات علي عبدالله صالح الخاصة، التي سقطت في جبال الأحكوم والمقاطرة.. انتكست أمام شباب الحجرية، بكل أطيافهم، ممن ثبتوا وما زالوا يقدمون كل ما يملكون في سبيل مقاومة الغزاة القادمين من جبال صعدة وغيرها.
حلم السيطرة
محاولات الحوثيين وقوات صالح لم تنته في السيطرة على هيجة العبد، ووادي المقاطرة، بعد أن يئسوا من التقدم، حاولوا السيطرة على السلسلة الجبلية الممتدة حتى طور الباحة، وجبل إرف، آخر الجبال التي تعد قريبة إلى رأس العارة على ساحل خليج عدن، كان حلمهم ذلك، كما يرى الأستاذ عبده نعمان، لكن بصمود المقاومة والترتيبات التي تمت من محور تعز، واللواء 35 مدرع، جعلتهم يسعون إلى المحافظة على مواقعهم السابقة في الأحكوم.
يتذكر مواطنون الليلة الأولى لقدوم الحوثيين إلى هيجة العبد، كانت ليلة لا تنسى كما يقول أحمد فارع الحكيمي، تم الاستنفار وبالإمكانيات البسيطة، كانت ملحمة تحققت فيها مقولة (طايحين في الجبال) إذ سقط فيها العشرات من الحوثيين وقائد كبير في صفوفهم، واستشهاد 2 من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وجرح 2 آخرين، كانت معركة رضوان درهم الحكيمي الذي سقط شهيداً، بعد أن ضرب أروع الأمثلة في الصمود والتضحية.
معارك معلقة
صباح 14 من أغسطس رتب العقيد أمين الأكحلي مجموعة من المقاتلين لإيقاف زحف المليشيا على الخط العام، في منطقة شديدة الوعورة، جرح على إثرها ليتم الانسحاب، لتعاود مجموعة أخرى التسلل في قلب الليل بقيادة رضوان الحكيمي، بعد ساعة كانوا، يقاتلون العدو والليل والصخور في جبال إذا سقطوا فيها ستهوي بهم مئات الأقدام.. إنها معركة الجبال المعلقة.
يتذكر الجريح أنس جمال ليلته تلك، يقول: اشتبكنا مع عناصر الحوثي بالأيدي، لم تنفع الأسلحة، وقاتلت وأنا جريح، وأتذكر أن آخر حوثي سقط من أمامي ولم أسمع إلا صرخته المعلقة في الهواء.
ترتيبات
بدأت الترتيبات لصد المليشيا وإرجاعها إلى أطراف مديرية حيفان على الأقل كما قال قادة عسكريون بأن الانقلابيين غيروا من خطتهم آنذاك، في فرض طوق وحصار على أرياف تعز، لإحكام الحصار على المدينة، وتفويتاً على محور تعز العسكري الذي بدأ يرتب الألوية، وفك الحصار في الأقروض والشقب والضباب.
لم يأخذ الانقلابيون راحتهم، ولم يلتقط الجيش الوطني أنفاسه.. خلال يومين من المعركة الأولى أصبح مطوّقاً للمليشيا في شريط جبلي ممتد في تباب المرابدة (الحمراء والخضراء) وصولاً إلى سوق الربوع فمعبق والصوالحة، قدمت تضحيات كثيرة، وسقط شهداء وجرحى، وأصبح حلم قطع الطريق بعيد المنال، استخدمت المليشيا الأسلحة الثقيلة، ولكنها عجزت، بعد أن تقدم الجيش أكثر من مرة، ولم يتوقف إلا بعد أن عملت عناصر الانقلاب على تلغيم مساحات شاسعة.
الألغام آخر أسلحة الانقلابيين في الأحكوم، بين حين وآخر يقصفون الجبال المواجهة لهم في المقاطرة وهيجة العبد بالهاون والأسلحة المتوسطة، يسقط مدنيون أكثرهم من الأطفال والنساء.