مياه الشرب لا تكاد تصل إلى منازل اليمنيين. الأسوأ أنّ الإهمال يؤدي أخيراً إلى اختلاط مياه الصرف الصحي والصدأ بها، وهو ما وقع في العاصمة صنعاء، أكبر مدن البلاد.
يمن مونيتور/ العربي الجديد
مياه الشرب لا تكاد تصل إلى منازل اليمنيين. الأسوأ أنّ الإهمال يؤدي أخيراً إلى اختلاط مياه الصرف الصحي والصدأ بها، وهو ما وقع في العاصمة صنعاء، أكبر مدن البلاد.
“تفاجأ أهالي منطقة مديرية الوحدة وسط صنعاء بتدفق مياه صرف صحي سوداء اللون نتنة الرائحة عبر الشبكة الحكومية لإمداد المياه ولمدة ساعة عملت على تلويث أنابيب الشبكة وبقية المياه المحفوظة في خزانات مياه 6 آلاف أسرة”. كان هذا ملخص بلاغ إلى النائب العام أودعه وجهاء المنطقة المحيطة بوزارة الدفاع في العاصمة اليمنية صنعاء، وتلته بلاغات مشابهة من سكان مناطق بير بشير وبير نهشل والصعدي في المدينة التي تضم نحو ثلاثة ملايين نسمة.
هذه الحوادث هي إحدى نتائج الأزمة المالية التي تعاني منها المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي في العاصمة اليمنية كأسوأ نموذج لإدارة مياه الشرب من المؤسسة نفسها في عدد من المدن اليمنية. تأتي هذه القضية البيئية والمعيشية الهامة في الوقت الذي سلمت فيه المؤسسة إنذاراً للسلطات بأنّها قد تشهر إفلاسها قريباً وتتوقف تماماً عن ضخ المياه للسكان إثر سنوات من العجز المالي وتعثر متطلبات الخدمة. ويعود عجز المؤسسة إلى عدد من الأسباب أبرزها تراكم مديونية ضخمة لها على المستخدمين.
من جهته، يشكو عاقل (عمدة) حيّ بير نهشل، عبد السلام الحبابي لـ”العربي الجديد” أنّ ضخ مياه الصرف الصحي في شبكة المياه نتيجته المباشرة “تلوث بيئي خطير يستهدف بشكل مباشر حياة أبنائنا وسلامتهم الصحية، خصوصاً في ظل انتشار الأمراض والأوبئة التي تسببها غالباً المياه الملوثة وعلى رأسها الكوليرا والأمراض الفيروسية والمعوية الأخرى”. يطالب الحبابي النيابة العامة بالتحقيق واتخاذ الإجراءت القانونية ضد المؤسسة مع إلزامها بمعالجة آثار الحادثة.
يعاني سكان صنعاء، أكبر المدن اليمنية، من انعدام ضخ المياه الصالحة للشرب عبر الشبكة العامة منذ بداية الحرب. ويلاحظ الحبابي ومواطنون آخرون تأخر زيارة المياه إلى منازلهم، فتصل ساعات محدودة كلّ شهر ونصف، فيما يشكو آخرون من عدم وصولها أبداً منذ بدء الحرب.
وبسبب ظروف المؤسسة وطول فترة انقطاع مياه الشبكة، تتأثر جودة المياه ما يؤدي إلى أخطار صحية مختلفة. وتعود معظم شكاوى السكان من أمراض معوية وتسمم غذائي إلى اختلاط المياه بالصدأ الذي يتكون داخل الأنابيب بسبب الأكسدة الناشئة عن طول فترة الانقطاع، لتخرج المياه من الصنابير بلون أصفر حين تصل.
الفئات الأيسر حالاً تشتري مياهاً محمولة بالشاحنات، لكنّها غير آمنة بدورها. وقد بات مشهد فقراء العاصمة وطوابيرهم الطويلة لتعبئة كميات غير كافية في صفائحهم البلاستيكية من نقاط توزيع المياه التي يوفرها محسنون، مشهداً اعتيادياً. لكنّ ذلك يكلف الأسر في المقابل تسرّب أطفالها من المدرسة، فكثير من هؤلاء الصغار يتولى الوقوف في الطوابير. كذلك، ينتشر العنف بين المنتظرين، ويتعرضون للغبار وأشعة الشمس الحارقة.
مصدر في المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في أمانة العاصمة يؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ المؤسسة تواجه تعقيدات عديدة. لكنّها “تبذل قصارى جهدها لتشغيل الشبكة بالرغم من شحّ الموارد المائية واستمرار انقطاع التيار الكهربائي اللازم للضخ واحتياج مولدات الكهرباء شهرياً إلى 1.5 مليون ليتر من مادة الديزل المرتفعة الثمن، بالإضافة إلى مشكلة انقطاع رواتب الموظفين”.
يشير المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى منحة شهرية قدرها 400 ألف ليتر من الديزل تقدمها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” منذ منتصف العام الماضي لكنّها بدأت تنخفض مؤخراً. يقول إنّ “للمؤسسة مديونية ضخمة بلغت 8 مليارات ريال يمني (26 مليون دولار أميركي) تراكمت على المستخدمين طوال العقد الماضي”. وتوقفت منح دولية تماماً عن دعم المؤسسة منذ عامين بسبب الوضع السياسي لتنخفض القدرة التشغيلية بشكل غير مسبوق، كما فشلت المؤسسة في استرجاع مديونيتها.
ومع انعدام أيّ دعم حكومي، بدأت المؤسسة في تنفيذ مشروع تجريبي محدود هدفه تشغيل خدمتها للمستخدمين مقابل دفعهم ألف ريال (3 دولارات) شهرياً كجزء من مديونيتهم، لتستمر الخدمة للملتزمين بالسداد. لكنّ المشروع اصطدم بتعثرات بسبب انقطاع رواتب الموظفين منذ أربعة أشهر وانعدام ثقة المستخدمين بالخدمة.
يقول محمد سالم، وهو أحد موظفي المؤسسة: “هذه الحملة فعالة لصالح المستفيدين فالمواطن يشتري المياه حالياً من الشاحنات بقيمة 3 آلاف ريال (9 دولارات) شهرياً”. لكنّه يؤكد أنّ كسب ثقة المستخدمين بالمؤسسة في مثل هذه الظروف أمر صعب.
تقف الظروف المالية حجر عثرة أمام تشغيل الشبكة العامة للمياه، فما يتمّ تحصيله يجري إنفاقه على صيانة الشبكة وتشغيلها بالحدّ الأدنى. ولا تجد المؤسسة ما تشتري به مادة الديزل لتشغيل مولدات الكهرباء لضخ المياه للمستخدمين.
وتعتبر صنعاء ثالث أسرع مدن العالم نمواً سكانياً في بلد هو سابع بلد مهدد بنضوب المياه فيه. وتعاني المدينة من انخفاض حاد في مستوى مناسيب المياه في حوض صنعاء المائي حيث يتجاوز معدل الاستنزاف معدل التغذية بمقدار ضعف ونصف سنوياً.
–