من يؤيدون الميليشيا، سواء كانت أيديولوجية مذهبية ومناطقية، ويتحمسون لها، فإنهم يؤججون نزعتها العدائية لفكرة الدولة وتعطيل السياسة وترهيب المجتمع. طبعا، كل إنسان يحتاج لتكامله مع محيطه البشري، ليشعر بكينونته. وتحديدا.. كل إنسان طبيعي، يحتاج لإعتراف الآخر، الإعتراف الموضوعي الذي يأتي بكامل الإرادة والمحبة، وليس بالقسر والترهيب، بإعتباره الإعتراف الذي يحقق كرامة الإنسان وسعادته، فيما يعد الطريق الموضوعي، للإرتقاء وللاندماج، في كل تاريخ الشعوب والدول.
إلا أن الذين يعيشون ولايتعايشون، أولئك الذين يريدون ممارسة الإستبداد وليس ممارسة الشراكة، العنف وليس الديمقراطية، العنصرية وليس المساواة، الإستغلال وليس العدالة.. هم الذين يريدون إذلال الآخر، وتقديس الامتيازات الحصرية للأنا، أو لأنا الجماعة المغلقة فقط، مرورا بفرض الكراهيات المجتمعية، وكذا الإمعان في سحق علاقات المواطنة، كأفضل ما توصلت لها الإنسانية من علاقات توازن واعتدال وتسامح ومرونة ونظام وعقد إجتماعي راشد، ثم وصولا إلى تمتعهم في استعداء الحقوق والحريات والواجبات الموحدة والناظمة لجميع الأفراد، سياسيا واقتصاديا ودينيا أمام القانون، داخل بنية المجتمع ومؤسسات الدولة على السواء، وهم كذلك من يعملون دائما على تكريس بروتوكولات أحقيتهم المتخيلة والمزعومة والمخادعة، من أجل الاضطهاد والقهر والقتل، تارة بإسم الله، وتارة بإسم الوطن، أو لنوازع طبقية بحتة إلخ.
وهؤلاء بلا شك -كانوا ومازالوا، كما سيستمرون كذلك- بمثابة الأساس الحقيقي، الذي يفسر إندلاع الصراعات الإقصائية والعنفية والدمارية على مستوى السلطة في العالم -والجالبة بالضرورة لتعاسة الدول والمجتمعات- ماضيا وحاضرا ومستقبلا طبعا.
لذلك، فإن الفكر الذي يعادي المواطنة المتساوية، من الصعب مجاملته طويلا. والعصبية لكونها مع التمييز وعدم الإنصاف، فهي ضد المواطنة دائما.
أما الدولة التي تمثل بوتقة الحس المشترك للجميع، فهي ما يوحد المجتمع ولا يفرقه. وبالمقابل لا تثير الميليشيا إلا التوحش، كما لا تتحمل مسئوليات دستورية وقانونية وأخلاقية، لأنها التجلي الأبرز لوعي ما قبل الدولة الذي هو ضد العيش المشترك والكيان الوطني.
وأما من يؤيدون الميليشيا، سواء كانت أيديولوجية مذهبية ومناطقية، ويتحمسون لها، فإنهم يؤججون نزعتها العدائية لفكرة الدولة وتعطيل السياسة وترهيب المجتمع.
والحال أن الميليشيا تهورت، وهي تصادر ما تبقى من سلطة الدولة.
وحتى اللحظة، لا يبدو أن سلاما سيحضر قريبا، غايته النهوض من الركام، وتقديم صياغة نهضوية تصحيحة جديدة للحاضر وللمستقبل.
فبينما تتوغل البلاد أكثر في أقاصي العنف، يدفع اليمنيون أكلافا فادحة لذرائع مراكز القوى وصراعاتها وأنانياتها التي لا تمت بصلة للدولة الوطنية الجامعة.
وبما انه كان بالإمكان معالجة الدولة الهشة، بقليل من المسئولية والشفافية مع المجتمع قبل أن يحدث كل هذا، إلا أن الدولة حين تتفكك وتعم الفوضى، يصعب على المجتمع المنهك الوقوف صفاً واحداً ضد كل ماتراكمه العدائية المتفشية ذات الغريزة الجحيمية الشاملة ضده وضد أطلال الدولة كذلك.
على أن الأوضاع الإنسانية الفظيعة ستظل هي عبء الوطن الأول. وما زالت اليمن في يد جلاوزة الميليشيا الطائفية البغيضة والمشيخات المافيوية، مروراً بالذين يريدون اللعب بورقة الإرهاب والفساد المهيمنين، وليس انتهاء بالعصابات المناطقية، إلخ، فكل هؤلاء طبعا، لا يعترفون سوى بمصالحهم فقط، ما لم فإنهم يفضلون الانتقام بصنع الخراب وتدمير الدولة والمجتمع معا.
لكن الشعب المغلوب وقد دفع تضحيات كبيرة ومؤلمة لن يحترم سوى من يدافع عنه بوعي وطني حقيقي دون أي انفصام، أو من يوقف الحرب ليجبر الضرر الهائل الذي وقع على الشعب من كل النواحي.
ومهما استمرت الدماء، سيبقى بناء الدولة ونزع السلاح، وعدم التوائم مع كل ما ينغص حق الشعب في الحياة والتحرر والتطور والسلام، هو الأمر الأكثر الحاحاً.
وبالتأكيد عاجلا ام آجلا، لابد أن يستفيد اليمنيون من مخرجات هذه الحرب، بكل مآسيها وجنونها لتوحدهم كما ينبغي في أولويات مطالب تفعيل الدولة وحقوق المواطنة والجيش الوطني والديمقراطية، خلافاً للمصير المجهول، أو اقتسام جثة اليمن بين أمراء الحرب، فذلك هو الخطأ التاريخي الذي لا يجب السماح بتكراره!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.