ما سأقوله في هذه السطور قد يزعج البعض، لكن يجب قول الحقيقة بكل شجاعة، نحن في مرحلة تاريخية فاصلة، وفي لحظة تحول كبير، ويجب أن نصارح أنفسنا وأمتنا ومجتمعنا بقول الحقيقة والحقيقة لا غير..!
ما سأقوله في هذه السطور قد يزعج البعض، لكن يجب قول الحقيقة بكل شجاعة، نحن في مرحلة تاريخية فاصلة، وفي لحظة تحول كبير، ويجب أن نصارح أنفسنا وأمتنا ومجتمعنا بقول الحقيقة والحقيقة لا غير..!
عند فجر السادس والعشرين من سبتمبر هتف أبو الأحرار : يوم من الدهر لم تصنع أشعته ، شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا، وكانت لثورة سبتمبر المجيدة ستة أهداف، لم يرى النور منها سوى اسم الثورة فقط، لم يتحقق منها شيء، لقد داسوا على قبر الشهيد علي عبد المغني وبصقوا على أثر الزبيري، ثم حولونا جميعا بجمهوريتنا وأهدافها السامية النبيلة إلى مجرد أدوات تخدم مشروع “الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما”، ثم سمّيناه عيداً وطنياً (!!) فعلنا ذلك باعتبار أن ما قدمه الأبطال يومها يستحق الصبر على موجة التغيير الأولى، وارسموا تحت “موجة التغيير الأولى” ألف خط بألف لون!.
وفي عدن كان الشهيد راجح لبوزة ومن معه يحشدون ويخططون ويستعدون حتى أنجزوا وطردوا المستعمر الذي كان متحالفا مع المستبد في صنعاء، فكانت ثورة 14 أكتوبر رديفاً حقيقيا لثورة 26 سبتمبر، ولكن ، ورغم استمرار النضال منذ فجر “يوم الدهر الأول” في 1962م حتى فجر يوم الدهر الثاني في 1967م ، إلا أننا نجزم جميعاً أن ثورتين عظيمتين جليلتين كان زيتها المضيء من أطهر دماء الشهداء، وأنقى تضحيات العظماء، لكنهما لم تحققا أهدافهما للأسف الشديد، وهذا طبيعي -نتيجة للأسباب التي سنحاول ذكر بعضها في هذه المقالة- ومع ذلك فلنا كل الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى الأجداد الأبطال الذين فجّروا تلك الثورتين الجليلتين، وأنجزوا مشروعا وطنيا وعربيا وإسلاميا كان نوعا من الأسطورة التي أبهرت العالم وهزّت الاستعمار من جذوره، وزلزلت الاستبداد من قواعده..!
ونحتفل بهما كعيدين وطنيين، وهما يستحقان ذلك وأكثر، بينما 11 فبراير فهو ليس عيداً وطنياً، أكرر ذلك مع التأكيد أن هناك من سيغضب لتكرار ذلك.
***
نحتفل بالعيدين الوطنيين 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، لأنهما تاريخ خلّد نضال أبطالنا العظماء، هو تاريخٌ لمرحلة شاقة ونضال قاس للغاية، من يقرأ حروف البردوني يشعر بحجم الكارثة التي كان الأحرار العظماء يواجهونها ويوجهون قومهم بصبر وتحد وجَلَد وتعب مضاعف، حتى أنجزوا “الموجة الأولى للثورة” أو “موجة التغيير الأولى”، لقد احتاجت منهم إلى كثير من التضحيات، كانوا قِلّة وكانت وسائلهم بسيطة جداً، وكان الحِمْل عليهم ثقيل جِدّ ثقيل، غير أنهم أنجزوا الموجة الأولى باقتدار وعرّوا السرطان الذي كان ينخر في جسد الأمة، واسقطوا قناع الزيف الذي كان يتدثر به العصابات الخادمة للاستعمار تحت دعوى “الإمامة” و “آل البيت” وهم في حقيقتهم ضمن مشروع استعماري صليبي ممتد من جذور التاريخ يديره “الصليبيون” منذ نشأته الأولى، هذا ما فعله أبطالنا العظماء في “الموجة الأولى” التي حرّكوا بها كل هذه التراكمات وأفسدوا مخططات بشعة للاستعمار القبيح، فاللهم اجزل لهم المثوبة، وارحم شهداء ثورتي 14 أكتوبر و26 سبتمبر، من عرفنا منهم ومن لم نعرف.
إننا نحتفل بهما تخليداً لبطولاتهم التي لا يمكن أن نتخيل حجم المعاناة التي بذلوها من أجلنا، إنهم صنعوا المعجزات ورب محمد، ويستحقون أن نتغنى بأمجادهم ليس في يوم ولا في شهر، بل طيلة العام كله، ويكفيهم مجدا وشرفاً أنهم عظماء وأنهم استطاعوا تحريك موجة التغيير الأولى، وصنعوا “فجر” جمهوريتنا الأول.
***
الأعياد الوطنية هي رمز لخلود التضحيات والأوطان، هي تجديد العهد للشهداء بالوفاء لهم بحفظ أهدافهم التي من أجلها قالوا “وهبناك دما غال وهل يغلى عليك دم”، العام الماضي حينما وضع نائب رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان إكليل الزهور على قبر الشهيد علي عبد المغني كاد أن يغمى على بعضنا، يا للهول، كيف غاب وعينا عن صاحب هذا القبر، نعم ما نفعله من مراسم هي لا تغني لهم شيئا كأبطال في أجداثهم، لكننا تخرجنا من قبور الذاكرة المزيفة، وتحرر عقولنا وتاريخنا وذاكرتنا الوطنية من سلاسل وأغلال المستبد والمستعمر الجديد الذي جثم على صدور أمتنا وأجيالنا نحو أربعة عقود، الأعياد الوطنية تعيد لنا الوعي وتعلم الأجيال المتلاحقة تفاصيل صناعة “يوم الدهر” الخالد، والمعنى الحقيقي لأن تكون حراً كريما تنتمي لوطن مصنوع من دم غال وكثير من الدموع، منحوت من الصخر والتراب المعجون بعرق العظماء وأرقهم وأرواحهم الطاهرة.
سبتمبر واكتوبر عيدان وطنيان، نحن نفخر بالتضحيات الكبيرة التي رافقت كل تلك الساعات والأيام والسنوات الصعبة التي تم فيها تحقيق “الموجة الأولى” للتغير، وكسر ليل الاستعمار والاستبداد وصناعة “فجر” اليمن السعيد، لقد ظل فجرأ فيه الضوء نعم، فيه النور، في الطمأنينة، لكنه كان بحاجة إلى “إشراقة” تتمم نوره وتنتمي إليه، وهو ما حدث في الحادي عشر من فبراير الذي كان “إشراقة” فجر سبتمبر وأكتوبر بحق وحقيقة، والإشراقة كانت تحتاج إلى ضحى، وها نحن نصنع الضحى بامتياز.
***
لم أنسى أنني وعدتكم بذكر بعض أسباب عدم تحقيق أهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر، أنا أحاول أن أقرّب الصورة، حيث أننا كنا ولا زلنا نخضع لأبشع استعمار عرفته البشرية منذ الفجر الأول للحياة، ومنذ وصول آدم إلى الدنيا، بدأت خيوط هذا الاستعمار الخبيث في مدينة بييل عام 1882م تقريبا، واستكملت مدّ أطراف أخطبوطها فيما يعرف بـ “سايكس بيكو” من العام 1916م، تلك هي البداية الحقيقية للاستعمار، وبعدها سقطت أمتنا في أيدي المستعمر، حيث كانت بريطانيا تدير ملف التقسيم والتفتيت، فبعض البلدان سلمتها للصهاينة اليهود كما فعلت في 1917م، بما عُرف بـ “وعد بلفور” بينما سلمت البلدان الأخرى للصهاينة العرب كما فعلت في “اليمن” حيث أعطت لأئمة الكهنوت مقاليد الحكم في اليمن، وما فعله أجدادنا في فجر التغيير يوم حركوا “موجة الثورة الأولى” كان خياليا وأسطورياً بحق، لأنهم أولا: كانوا نخبة، أي مجموعة مثقفين وعسكريين ومشائخ وعلماء وتجار وبعض من انضم لهم ممن تأثر بهم تأثراً مباشراً، والنخب لا تستطيع صناعة شيء في الغالب إلا بوسائل ضخمة، وسائل مخاطبة وإقناع الشعب، لكن أبطالنا تحدوا هذه الأوضاع المحيطة والتي كانت شبه مستحيلة، وانجزوا الموجة الأولى، وحققوا نقلة نوعية فتحت المجال أمامنا وهيأت لنا الصعود عليها لنبدأ موجة ثانية، غير أننا تأخرنا نحو خمسين عاماً نتيجة التخدير الذي تعرضنا له.!
ها نحن نتفق على أن الاستعمار والاستبداد جزء واحد وعدو مشترك لأوطاننا ولأمتنا، وبهذا الاتفاق نفهم تفاصيل الصراع، بأنه موجات ضد المستعمر وأذرعه التي تتحدث بلساننا.
سبتمبر واكتوبر كانا فجر لوطننا، وكنا بحاجة للموجة الثانية للتغيير.
والموجة الثانية كانت ثورة شعب، تسير على خطى ثورة “النخب” التي بدأت ولم يسمح لها “الاستعمار والاستبداد ومخلفاتهما” من تحقيق أهدافهما، فجاءت “الإشراقة” التي تحركت في الحادي عشر من فبراير، وفبراير ليس عيداً وطنيا، هو وطن بذاته، وجيل وشعب وأمة، وحكاية وعي جديد مختلف، وقصة ثورة حقيقية أخرى، في سبتمبر وأكتوبر، كان الفجر يحيطه بعض السواد، وكان اللصوص لا يزالون يستغلون فرصة للتسرب إلى جذور الدولة وقيادة الأمة متنكرين مستغلين حالة اندهاش الشعب بإنجازه العظيم ومستثمرين لفرصة انشغال الأبطال بفرحة النصر، فقدّموا أنفسهم خلسة أنهم من صناع الفجر، فجاءت “إشراقة” الحادي عشر من فبراير لتكشفهم وتطيح بهم، وتزلزلهم إلى الأبد، ولم تكن الإشراقة كافية، حيث كنا نحتاج إلى “الضحى” والذي تممناه بالمقاومة التي من رحمها ولد الجيش الوطني.
سيأتي الحديث بشكل موسع حول توصيفات أبطال كل مرحلة وعلاقة بعضهم بالذين أتوا من بعدهم، غير أن فبراير ليس عيداً وطنياً فحسب ، هو شعب وأمة وتفاصيل يوم خالد وحكاية إشراقة ممتدة أعقبت فجر ثورتي سبتمبر وأكتوبر، فبراير وشهداءه الأبطال أدركوا واجبهم وفعلوه، وطنهم الذي هو وطننا ينتظر منا أن نتعافى من السموم الفكرية وأن نعلن فبراير عيداً وطنياً، كما أننا على مشارف العيد الوطني الجديد الذي سينجزه الأبطال الذين هم على مشارف العاصمة صنعاء قريباً جداً بحول الله.
دمتم بخير.