ومما يستدل به القائلون على أن ما صدر من النبي عليه السلام خارج القرآن وحي وتشريع ملزم خالد أن النبي معصوم عن الخطأ وكونه معصوم عن الخطأ يعني أن كل أقواله وأفعاله ملزمة، وهذه العصمة تنفي فكرة المقامات التي تقر بالخطأ في بعض مقاماته كمقام ولي الأمر ومقامه البشري. (عصمة الرسول)
ومما يستدل به القائلون على أن ما صدر من النبي عليه السلام خارج القرآن وحي وتشريع ملزم خالد أن النبي معصوم عن الخطأ وكونه معصوم عن الخطأ يعني أن كل أقواله وأفعاله ملزمة، وهذه العصمة تنفي فكرة المقامات التي تقر بالخطأ في بعض مقاماته كمقام ولي الأمر ومقامه البشري.
والمتأمل في القرآن الكريم يجد أنه كرر مرارا أن النبي بشر مثلنا إلا أنه يوحي إليه (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) الكهف110. وحتى لا يذهب بعضهم بعيدا فيراه بشرا مختلفا عنا في طبيعة بشريته –كما يقول بعض المتصوفة- أكدت الآية بأنه “مثلكم” وما دام النبي بشرا مثلنا فينطبق عليه ما ينطبق على كل البشر من جواز الخطأ.
أما مسألة عصمة النبي فقد تكلم عنها السابقون كثيرا وانقسموا فيها مذاهب مختلفة وأقوالا متعددة، ولن أقف عند اختلافهم وأقوالهم تلك، وإنما سأذهب مباشرة إلى الدليل الأساس لإثبات هذه الفكرة، والمرجع الأساس في ثبوت هذه العصمة.. فما هي الآية أو الآيات التي أشارت أو ذكرت عصمة النبي؟ وما هو سياقها وما هي العصمة الممنوحة للنبي فيها وفي أي مقام كان معصوما؟
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة 67. وهذه الآية تأمر النبي بتبليغ ما أنزل عليه من الوحي وقد خاطبته بمقام الرسول الذي يشير للرسالة، كما بينت أنه إذا لم يفعل ذلك فما بلغ الرسالة، كما أكدت الآية أن الله سبحانه سيعصمه من الناس بحيث لا يستطيعون أن يحولوا بينه وبين تبليغ رسالته، ولا يستطيعون قتله قبل أن ينهي تبليغ رسالته، ولا يستطيعون التأثير على عقله أثناء تبليغه للرسالة، فالله سيعصمه ويعصم عقله بحيث لا يختلط عليه الوحي أو يزيغ عقله فلا يدري ما يقول.
وهناك آية أخرى تؤكد أنه لن يتقول على الله وينسب للرسالة ما ليس منها، يقول تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)) المعارج.
وآية تأمره أن يعلن وبكل وضوح على الملأ ، أنه مأمور باتباع ما يوحى إليه من الآيات القرآنية ( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) الانعام 50 . وآية تقرر أنه ما يكون له أن يبدل آيات القرآن بغيرها من عنده ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) يونس 15.
والمفارقة العجيبة أنهم في حين يجعلون عصمة النبي في كل أفعاله وأقواله ينسبون إليه أنه سحر من قبل يهودي وأن ذلك السحر أثر على عقله فكان يأتي الشيء وهو لا يدري أنه أتاه، ولست أدري كيف قبلوا بهذه الكذبة القادحة في عصمة الله له من الناس والتي ذكرتها الآية! لقد أكدوا بتلك الكذبة ما كرره المشركون من تهمة ضده (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ) الإسراء47. فقولهم بتلك الرواية التي ذكرتها كتب الحديث سينبني عليها كلام خطير فهو قد يسمع الكلام فيعتقده وحيا وهو ليس كذلك. وقد يظن أن جبريل بلغه وهو لم يفعل، تقول الرواية في البخاري: ( حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ )، وفي رواية عنده أيضا: ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلاَ يَأْتِي )، وفي ثالثة خرجها البخاري: ( حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ الشَّيْءَ وَمَا صَنَعَهُ )؟!! هكذا يقولون رغم أنهم يكررون أن من استمر على الأذكار لا يصيبه شيء من ذلك فهل الأذكار لم تنفع أم أنه لم يستمر عليها أم الرواية ملفقة ؟ والعجائب والتناقضات كثيرة في الموضوع فمثلا عمر بن الخطاب -كما تقول الرواية- يخاف منه الشيطان ويمشي في واد آخر بينما النبي يمكن أن يتلبسه الشيطان كما تقول الأكذوبة (الرواية) !!
أما اختلافهم في عصمته من الوقوع في الكبائر والصغائر فمع إيماني بأن النبي لا تقع منه الكبائر، وكذا الصغائر التي تحطُّ من قدر صاحبها وتزري بفاعلها، إلا أن هذا الموضوع لم تناقشه الآيات بوضوح ولذا سأكتفي فيه بما جاءت به الآيات، ولأولئك المبالغين في قضية عصمة النبي لتشمل كل ما يصدر منه من قول أو فعل أضع هذه الآية بين أيديهم قوله تعالى: ” إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ” فهذه الآية تشير إلى أنه قد يذنب وإن لم تحدد مقدار ذلك الذنب وحجمه ونوعه.
هذا التصور للعصمة يؤكد ما قلته لك سابقا من مقامات النبي الثلاثة (الرسول-ولي الأمر-المقام البشري) ويوضح أن لا دليل لما قالوه من عصمة كاملة لكل فعل وقول رغم خرقهم لها بما نسبوا إليه من سحر.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.