مع حدث الإنتخابات الرئاسية، في 2006، تحول المهندس الراحل، فيصل بن شملان، إلى بطل، جعل شعباً بكامله يعثر على نفسه، مؤكدا حاجة اليمنيين الملحة للتغيير. مع حدث الإنتخابات الرئاسية، في 2006، تحول المهندس الراحل، فيصل بن شملان، إلى بطل، جعل شعباً بكامله يعثر على نفسه، مؤكدا حاجة اليمنيين الملحة للتغيير.
لقد أعطى للمنافسة السياسية طعمها الوطني المعتبر، مقارنة باستقواءات السلاح، وما حدث في 2014 من إنقلاب فادح، على المشتركات الوطنية الكبرى، كما على إرادة المجتمع وكيانية الدولة، وما تبع ذلك تطييف وتفكيك وتدخلات وخرابات.
فبعد ترشحه رسمياً للرئاسة، أعلن بن شملان، تمسكه برفض أية اصطفافات مناطقية في القضايا الوطنية، وقال حينها إنه ينافس مرشح المؤتمر الشعبي العام، من أجل “المستقبل وليس ضمن صراع الماضي”، كما أشار إلى أن “إحترام متطلبات التداول السلمي للسلطة سيشكل أهم وسيلة لحماية اليمن (وتعزيز) وحدته”.
هذه الأيام تحل الذكرى السابعة لرحيل المغامر الجسور، الذي رسخ تحولات هامة في العمل السياسي أبرزها إظهار الصوت الهامد إلى السطح، وإدخاله السياسة دائرة الاهتمام الشعبي، بحيث أدى ترشحه إلى ردة فعل إيجابية شعبيا؛ كسبيل للتفاؤل بقدر ما كانت هذه الردة سلبية على النظام الذي استشاط غضباً وفضائح في مواجهة خصم شريف كان موثوقا لدى الناس ولم يتلطخ أبدا بالفساد.
ففي أكثر من جولة ظل بن شملان ينجح، بينما ظل منسوب الثقة الشعبية في تزايد مستمر منذ العام 2006 بشأن أهمية التغيير وضروراته.
ولقد كان العام 2006 فارقا في تاريخ اليمنيين المعاصر، حيث واجه فيصل بن شملان، علي عبد الله صالح، الذي كان يستحوذ على البنك المركزي والمال العام، إضافة إلى تجييره الإعلام الرسمي والوظيفة الرسمية بجانب سيطرته على مؤسسة القوات المسلحة والأمن.
بالمقابل كان المهندس فيصل بن شملان، مثالاً مشهوداً وقدوة نادرة للإداري المقتدر والنزيه في كل المناصب التي تبوأها قبل الوحدة وبعد الوحدة، إما بالهيئة العامة للكهرباء أو بمصافي عدن أو بوزارة الأشغال والمواصلات أو حتى بوزارة النفط أو حتى كبرلماني مائز في مجلس النواب.
والحق أنه الشخصية المؤثرة التي ستظل حاضرة بين الجنوب والشمال، كتمثيل جوهري لذلك الوطن المنتظر الذي نحلم به.
في العام 1969 قدم استقالته كوزير للأشغال والمواصلات بعد تجدد اختياره لشغل المنصب من حكومة جديدة، فيما برر ذلك بالقول «لا أستطيع شغل أي منصب سياسي في حكومة يلوح في الأفق أنها سوف تتبنى نهجاً أختلف معه». أما في العام 1995 فقد قام بتقديم استقالته كوزير للنفط احتجاجاً على التدخل في اختصاصاته وتدليل النظام للمفسدين في الوزارة. وفي السياق أيضا لا ننسى أنه من فاجأ الجميع العام 2001 عندما استقال من عضوية مجلس النواب رفضاً لتمديد دورة المجلس حينها عامين إضافيين خلافاً للدستور، وإرادة الناخبين.
على أن الأهم في ترشح بن شملان للرئاسة أنه جعل الشارع يتجاوز عقدة الحاكم الأوحد.
والمعروف أن مرشح المؤتمر تهرب من مناظرة تلفزيونية كان طلبها مرشح المعارضة في عز احتدام المنافسة. والحال رغم كل التحولات التي حدثت ليس من الممكن أن يتحول فيصل بن شملان إلى مجرد ذكرى باهتة وهو الذي أحدث كل تلك الزلزلة المفصلية خلال انتخابات 2006.. فيما كان الشعب مسروراً بالصفات القيمية لمرشح المعارضة الذي يمكن القول إنه أشاع كمرشح قدير ومهيب ثقافة المنافسة والدمقرطة الكانتا غائبتين.
بعد الانتخابات قال لصحيفة النداء، إن “النظام يسيطر بقبضة حديدية على كل الأمور، ولذا يجب على هذه الذهنية أن تزول”. وآنذاك كان المشترك متأخرا عن تحديد موقفه من نتائج الانتخابات، وقد وجد نفسه يعترف بها كأمر واقع أو بالإكراه.
من ناحيته اكتفى فيصل بن شملان خلال مؤتمر صحفي بتحية كل الذين عبَّروا عن إرادة التغيير، معتبرا في هذا السياق أن “النضال السلمي لن يتوقف”. وفي لقاء ثانٍ أجرته معه صحيفة النداء أيضا العام 2007، قال بكل صوته الجريء إن “الاحتجاجات والاعتصامات ينبغي أن تتطور شمالاً وجنوباً لنيل الحقوق وتحقيق المواطنة المتساوية”، موضحاً أن “الدولة تُدار بالهوى”، ومشدداً على أن الحكم الفردي “يجب أن يتغير لصالح الوحدة ولضمان المستقبل”.
كذلك في العام 2008 وقد تفاقمت أوضاع الحراك الجنوبي مع تفاقم أحوال اليمنيين عموما، قال بن شملان العظيم للصحيفة ذاتها إن “أحزاب المشترك ترددت كثيراً، وعليها أن تتجاسر وتخرج للدفاع عن الناس”، كما طالب بعقد مؤتمر وطني عام وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد.
ومن أقوال بن شملان في مهرجاناته وخطاباته ولقاءاته، التي انتشرت بين الجماهير: “المستقبل للنضال السلمي/ لقد كسرنا حاجز الخوف من المواجهة ورمينا كرة التغيير في الملعب وهاهي بدأت تتدحرج/ من أولوياتي إعادة النظر في المنظومة السياسية وتغيير السلطات الموجودة حتى تتكافأ مع المسؤولية/ التغيير المنشود ليس تبديل شخص بآخر وإنما تبديل نظام فردي بنظام مؤسسي/ إلى الآن لا يوجد نص في الدستور يحاسب رئيس الجمهورية مع أن لديه سلطات مطلقة ومتحكمة في كل أجهزة الدولة الأخرى/ سننظر إلى اليمنيين متساوين في الحقوق والواجبات أينما كانوا في اليمن من صعدة إلى المهرة/ إن أعظم الفساد هو الفساد السياسي الذي يأتي من الإستبداد الناتج عن تركيز السلطة في يد منصب واحد/ إذا لم ننافس علي عبد الله صالح فكأنما نسلم له بالاستمرار في السلطة والإفساد إلى أبد الآبدين فنتنازل عن حقوقنا طواعية وهذا أمر غير مقبول/ الحزب الحاكم استغل عائدات النفط في شراء الذمم وتغذية قوى الفساد وعندما تحصل البلد على دخل إضافي يذهب إلى جيوب خاصة وإلى بذخ مسرف ومترف ولا يقدم شئاً لاقتصاد البلاد.
في نهاية العام 2009 دخل بن شملان العناية المركزة، فيما عانى ظروفا سيئة أثناء وحدته العلاجية ليكون رحيله الفاجع على كل اليمنيين الذين رأوا فيه مثالا لا يتكرر في الشجاعة والحكمة مطلع يناير 2010.
بن شملان لم يكن شريكا في صياغة حلمنا الجمعي فقط العام 2006، وإنما كان قائدا مجلجلا له، علمنا بتجربته المعتبرة جدا عدم الرضوخ لشروط الماضي وبكيفية إستعادة الأمل. وأما من حماقة الاستبداد على فيصل بن شملان: تجاهل الإعلام الرسمي خبر رحيله وهو الوطني الغيور والأنبل، ما يجسد أحقر صور الخصومة والحقد الشخصي على الإطلاق.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.