وفي الواقع تخرج المرأة اليمنيه لتحكي لغرور الاعداء وهشاشتهم الفاضحة هذا العنفوان الأنثوي الذي يمسح عن جبين الوطن حبات العرق وغبار المعاناة. وراء كل عظيم امرأة
ووراء كل وطنٍ متعافٍ أنثى.
ندين بكثير الفضل للمرأة المتعددة الأدوار والحاضرة ببهاء في تفاصيل حياتنا المقاومة
ومن منا يتنكر لهذا الفضل الذي يفوح من روح المرأة المقاومة
فضل الإسناد والإرشاد وتوفير الظلال الوارفة، حين نُبحر في صحراء الحياة
وفضل الحضور المُشجِّع المُعين في معارك العمر ولحظات النضال
بل وتمنحك هذه المرأة وقوفها المتجرد الأبدي
والذي لا يهددك قيد برهة بالتخلي أوالترك في مواجهة الأقدار وحيداً تدفع ضريبة حب الوطن.
فتشوا عن الوطن في كف إمرأةٍ يمنية أدمنت العطاء.
ذات يوم، زُرتُ أحد جرحى فبراير وكان قعيد الفراش، ولمحت عند دخولي أمه المسنة وقد خرجت من عنده وفي يديها دلو الوضوء والخرق التي نظفت بها أذى ولدها الجريح.
كانت هذه الدقيقة التي تتكرر ولا شك، في بيوت جرحى المقاومة من أمٍ أو زوجةٍ أو أخت كفيلة بأن يخر القلب باكياً لهذا التجرد الصامت، وهذا العطاء المغفول عنه من إعلامنا المقاوم.
سيخضر قلب هذا الجيل المقاوم والأجيال اللاحقة إن هو أعطى لهذه اللحظات التي تتجلى بريشة الأنثى حظها من التبجيل.
من صمت تضحيات المرأة تتعلم الأوطان الكلام، صمت ٌيتوارى عن العلن لكنه يحرك تفاصيل المشهد المقاوم.
عيونها تمنحنا الحب.
وحنانها يدثرنا من برودة الإستهداف القاسي.
وإيمانهن بنا: هذا الإيمان الذي ياخذ بأيدينا في لحظات التفكير باليأس أو التخلي.
كلماتها الحانية التي تمسح عن قلوبنا المرهقة تعبها.
وحائطها المتماسك الذي يسند سيقاننا المهدودة.
تقتسم المرأة معك أثمان التضحية، وتتوحد مع خياراتك حين تفهم أن الوطن يريد منك هذا!
الأوطان الجميلة هي إمرأةٌ فلسفت الجمال: وعياً وحركة دائبة وعطاءً وصبرا.
هذه الأنثى التي تتحدى ثقافة حاصرتها بنعوت الضعف.
بل وترسم بهمةٍ عاليه جغرافيتها الشاسعة المتمردة على محاولات التحديد والتسوير.
تستعير المرأة من الحياة أفضل السجايا وتتمثلها ببراعة وإخلاص مُخجل:
الصبر والإيمان والحب والتجلد والتجرد والعطاء وعمق المسئولية واليقين بخاتمة النصر بعد انتفاشة المتحدي الظالم.
حين تكون وراء القضبان يلقي السكينة في قلبك ذكرى إمرأة
والجرح المقاوم يتلمس طريقة للشفاء إن سمع همس إمرأة.
وكم يغتبط الواحد منا حين يصله الشعور بإعتزاز إمرأة.
هل هناك ما يحمل روحك على الإستهانة بالاخطار وحب احتضان المكاره مثل: رسالة جاءت من زوجة تقول لك فيها: إنها لن تقبل منك الإياب في حين أن اليمن ما يزال يتلمس طريق العودة.
تحكي لنا السيرة النبوية حكاية الحضن المساند الذي هدهد قلب النبوة في فجرها الآتي (والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق)..
كانت المرأة تسقي الدعوة في لحظة بحثٍ عن شربة مسانده. في حين كان الذكور يحتسون الخمر، ويتآمرون على وأد النبوة في مهدها الأول!
وفي الواقع تخرج المرأة اليمنيه لتحكي لغرور الاعداء وهشاشتهم الفاضحة هذا العنفوان الأنثوي الذي يمسح عن جبين الوطن حبات العرق وغبار المعاناة.
تقف المرأة المقاومة تحت ظل الشموس ساعات، تحوطها البنادق المُشرَعة وترفع صورة زوجها المختطف منذ عام.
ولن تفقدنا هذه الأيام العصيبة ذائقتنا في قراءة هذا التسامي والعطاء النبيل الذي يهز قلب الوطن وقلب كل جيل، ونحن نستمع الى خطبة أم شهيد في تعز خرجت في استقبال جثمانه، وخطبت فينا خطبة الوداع.
الوداع الذي يعقبه شروق الأوطان!
قدرنا الحسن أن نهتز لايقاعات تضحية امرأة في مأرب نزعت معارك الشرف من قلبها أبناءها الاربعة!
وكعادة الأوطان التي تقضم شيئاً من قلب المرأة، فيمنحها اكسير الحياة والصمود والعافية
هذه المرأة التي تبحث عن الاستقرار والأمن والهدوء بفطرتها.
أدركت كم هي الأوهام فاجعة.. إن هدأت الأجيال في مواجهة الميليشيا!
لا تحرص الأنثى على كلمات المديح وعبارات الثناء، بل ترمي بعطائها الباذخ اللامشروط في ذاكرة الزمن والوطن.
ويكون الإعتراف بالجميل منا هو مؤشر صحة الأجيال المنافحة عن الاوطان..
يسوق لك تاريخ كل نهضة وحضاره نماذج من نساء غرسن في قلب الأيام هيبة الحضور المقتحم المتحدي لثقافة الإنتقاص أو التقنين المجحف المتعالي من الآخر: لما ينبغي وما لا ينبغي للمرأة عمله.
ولهذا الظرف النضالي الإستثنائي من عمر اليمن معطياته وشروطه التي ينبغي أن نعي معه ضرورة خروجنا من دائرة الأفق الضيق في التفكير، والذي حصرنا فيه أدوار المرأة اليمنية أو حصرت المرأة نفسها فيه.
وعلى المرأه المناضلة اولاً وقبل كل شيئ: مسئولية الإبتكار والمبادرة والبحث عن المساحات التي تجيد فيها المرأة الإبداع وإدارة دفة الأحداث وخدمة المقاومة.
وبودي لو كسرت المرأة المقاومه بعض الأوهام والقيود المؤسسة على ثقافة المبالغة في الخوف والشعور بالدونية وقلة الحيلة.
يوحي لنا القرآن بأن هذه الانطلاقة الواعية هي رغبة السماء التي تفاعلت مع امرأة كسرت قيود الثقافة الظالمة المحبطة وجادلت نبي البشرية عن حقها
وانتصر لها القرآن وأصغى لها الرحمن: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها)
وإن كان لرفيقها الرجل ظرفه المُمسك بتلابيب تحركاته في هذه الأيام، فإن للمرأة في هذا الظرف الغائم أفقاً مفتوحاً تتقلص فيه مساحة التضييق والتهديد الأمني، وتتسع بين يديها مساحات الفعل المؤثر المقاوم.
ويصبح عندها الأعذار والنكوص والتكاسل والرتابة وهامشية التأثير وتعطيل الطاقات: مفردات دخيلة لا تليق بقوة وذكاء وقدرة المرأة المقاومة.
ومثلما منحت المرأة لذواتنا ولأوطاننا الكثير في الماضي فإن الكون يفتح أذنيه كل صباح ليسمع:
صوت إمرأة من اليمن..
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.