علينا كيمنيين عدم الركون على حلول سحرية من مجلس الأمن.. مجلس الأمن هو المجمع العام لإدارة الصراعات في العالم.. غطاء لصناع القرار من اللاعبين الكبار الأكثر وحشية والذين يتقاسمون الدور وفقا لتضارب أجنداتهم الإستراتيجية في كل المناطق الهشة وعلى رأسها طبعا منطقة الشرق الأوسط. علينا كيمنيين عدم الركون على حلول سحرية من مجلس الأمن.. مجلس الأمن هو المجمع العام لإدارة الصراعات في العالم.. غطاء لصناع القرار من اللاعبين الكبار الأكثر وحشية والذين يتقاسمون الدور وفقا لتضارب أجنداتهم الإستراتيجية في كل المناطق الهشة وعلى رأسها طبعا منطقة الشرق الأوسط.
في البداية يوعزون لأياديهم المحلية بتفجير الصراع ثم يصدرون قرارات مطاطية ماكرة، لا يمكن تنفيذها، ويراقبون الوضع عن كثب. فيما يديرون مراحل الصراع لوجستيا إلى أن يصل أطرافه في الداخل إلى الرضوخ لمرحلة التخيير.. وهكذا فقط: كما لو انهم يلعبون البلايستيشن.
ولو كان هناك بقية من إحساس وطني وأخلاقي لدى طرفي الصراع والمفاوضات، فعليهما التوجه لإخراج اليمن من كماشة التدويل التسويفية والابتزازية والانقضاضية على ما تبقى من قيم وطن وشعب وهوية.. عليهما استيعاب أن الحلول الناضجة لن يكتب لها التحقق إلا بعد تفعيل المسؤولية اليمنية اليمنية، بالتوازي مع تفعيل المسؤولية اليمنية السعودية في نفس الوقت.
وبالتأكيد، فإن على تلك الأطراف التحرر من الدوران في مضمار همجيتها وانانيتها وكيديتها تجاه بعضها، وتجاه اليمنيين بالمحصلة -متغافلة عن كل ماسببته مقامراتها ورهاناتها التي بلا أفق من فائض قتلى وجرحى ودمار وتشظ وأوضاع مأساوية اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا- وبالمقابل، فإن على السعودية أيضا، الخروج من عقلية تسوية الصراعات بأساليب الستينيات والسبعينيات والثمانينيات التي أفضت إلى تغلغل يدها في اليمن، عبر مراكز نفوذ وهيمنة تقليدية، استمرت معادية لتخلق دولة يمنية متماسكة وناهضة، وبالتالي يصعب على السعودية أن تواصل تبرئة نفسها مما وصلنا إليه اليوم، أو تكتفي بأن تطنش وتبرر وتستريح.. ذلك أن سياساتها المتشابكة المفرغة من مضامين الدولة في اليمن عبر تلك المراكز، هي من شكلت بيئات حاضنة للانكشاف الإيراني ومخاطر ازدهار الفقر والعنف والتطييف.
بمعنى آخر.. كل هذه الشرور التي اثخنت وما زالت تنهك اليمن، سببها ذات النخب التي كانت السعودية تنتشي برعايتها، وتصر على تقويتها وتمتين مفاسدها، حتى وقعت الطامة الانقلابية، وسمعنا صراخ السعودية لأول مرة كما رأينا ارتباكاتها المتعددة أيضا جراء مطامع وتوسعات إيران.
أما اليوم فيمكن القول إن الجميع هنا وهناك قد وقعوا في وهم التفوق وصدمة البلاهات المفتوحة على حساب تجريف الدولة اليمنية وتقويض هوية الشعب.. وطبعا ما كان ليحدث كل ذلك لولا ازدهار هؤلاء في شبكة من المصالح الصغيرة التي لها تبعات شديدة الوطأة على كاهل الأمة اليمنية وحاضرها ومستقبلها.
ثم هل يعقل كل تلك المخاوف اللامبررة للمملكة من نجاح نموذج جمهوري ديمقراطي بجوارها ينشد التمدن والتحديث؟!
والمفترض أن ماحدث خلال العامين الأخيرين، يمثل فرصة تاريخية لتعميق مشاعر اليمنيين في سياق الإرادة العربية ومشاعر السعوديين.
غير أن هذا كان يستدعي من السعوديين أيضا التخلي عن اعتقادهم بأن منطق التغيير لن يصيبهم ويؤثر، مع العلم أنها عقليتهم المتصلبة منذ كانت المملكة مأوى للسلاطين وللملكيين، وقد زاد الطين بلة عقب المصالحة المجحفة بين دعاة الجمهورية شمالا وازلام الإمامة في العام 70.
أما إذا اعتبرنا بأن المعضلة السعودية لن تنحسر في اليمن إلا عبر استجلاب معضلة إيران، فإننا سنكون مجرد مغفلين وحمقى، كما نؤسس لفقدانات وخسائر يمنية عربية جديدة.
والمعنى أننا نأمل بأن تراجع الشقيقة أداءاتها تجاه اليمن كما تنبغي العلاقات الدولية الحديثة وباعتبارات الجغرافيا والتاريخ، إذ نعتقد كذلك بأنها لو حولت دوافعها المذهبية المزعجة إلى دوافع تنموية موضوعية تجدي، فمن شأنها أن تضفي تحولاً مؤثراً على الحساسية العامة لليمنيين الفقراء الناقمين على استراتيجيتها التاريخية في بلادهم، وبالتالي لها أن تزيح كل مخاوفها اللاموضوعية ببساطة.
رغم ذلك بدت مقبولة -على سبيل المثال- أقلمة الصراع الدموي الأعنف الذي استمر منذ قرابة عامين، فما يجري في أية دولة يمس جارتها، ولكن استمرار الحرب وفشل السياسة يراكمان الأعباء والمآزق على الجميع.
ولنأخذ في الإعتبار هنا أن النهج الدولي الشرق أوسطي هو أكثر ما يقلق اليمنيين.
ولذا يتوجب على السعودية أن تبادر وتعيد تصويب وتفعيل مسؤوليتها، كي تكون شفافة في الإعلان عن التزاماتها المستقبلية وبالذات الإنسانية والاقتصادية تجاه تحقيق دولة يمنية مستقرة، مع كل ما يلزمه هذا المسعى من بلورة سياسة غير تأزيمية، تراعي معالجة كل التداعيات التي حدثت بفعل الصراع الذي لابد أن يتوقف عاجلا أم آجلا.
أما إهمال تلك التداعيات، فهو ما سيؤدي بها لتكون عوامل انضاج شروط صراعات يمنية يمنية ويمنية سعودية مستقبلا، كما انه الإهمال الذي سيقوض كل تطلعات السعودية للعب دور قوة إقليمية بالطبع.
والأرجح أن التعويل على ذهنية الحلول الانحرافية والارتجالية أو التأجيجية والانتقامية، سيفاقم تماما من تطييف الصراع، كما أنها الحلول المزيفة المخدرة التي لن تحافظ على وحدة اليمن وما تبقى من كيانية الدولة، بل إنها في الحقيقة مشاكل مستجدة ستتمازج مع المشاكل المتراكمة لتعيد الجميع للمربع الأول، مربع الاستنزاف والفراغ وتفتت اعتبارية وشخصية الدولة المأمولة- بين عدة مراكز قوى ونفوذ.. مراكز حماقات وهيمنات لا تطاق- ما يعني دوام عدم الاستقرار وانتشار الحريق اليمني إلى قلب القرار السعودي نفسه، خصوصا وأن أعباء كبيرة ستقع على كاهل السعودية خلال المرحلة القادمة كما تفيد عديد مؤشرات، وهي أعباء ينبغي أن تفرض عليها القيام بمراجعة شاملة لمسلماتها الداخلية ولعلاقاتها الإقليمية مع الجميع خصوصا مع القوى اليمنية؛ بينما ستنجح –بلا شك- حين يكون تعاونها عبر الدولة لا عبر الجماعات أو الأشخاص.
ذلك أن التحولات العارمة، قد وضعت السعودية كما وضعت اليمن أمام أسئلة وجودية.
ولئن صارت السعودية لا تستسيغ التملق الذي يكال لها، فعليها إدراك أهمية تغيير الصورة الذهنية لسياساتها؛ وعليها في السياق أن تتحمس للمبادرات التحديثية إضافة إلى منح قضية مكافحة الإرهاب أولوية خاصة.
بينما لن يكون الطريق صعبا لإحلال صيغة التوازنات السعودية القادمة في اليمن بما يرضي اليمن والسعودية معا، في حال تم تفعيل النوايا الفاعلة لحل الإشكاليات العميقة العالقة وعدم التهرب من استحقاقات المستقبل التي لا تقبل المراوغات.
وباختصار شديد: تبدو اللحظة مثالية لإعادة ترتيب سياسة سعودية يمنية، وسياسة يمنية يمنية على قاعدة المصالح المشتركة للشعب ولدولتين جارتين أيضاً، وذلك بحسب مقتضيات المصالح المتبادلة والتكامل الخلاق الذي يمحو علاقة التابع بالمتبوع، كعلاقة غير مقبولة اليوم، وبالتأكيد لن تفضي هذه العلاقة المهينة لترشيد علاقات اليمنيين ببعضهم، ما بالكم بترشيد علاقات السعودية واليمن كدولتين جارتين.
وفي حين أن من مصلحة السعودية نهوض الدولة في اليمن وليس العكس، بحسب ما كانت تكرسه طوال خمسين عاما الماضية، فإن هذا هو ما سينتج جبر الضرر التاريخي الذي يقتضيه واقع الحال للجميع.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.