الرواية والتاريخ … ثلاثة نماذج من مصر واليمن
قد يكون عام 2016 عام «الرواية التاريخية العربية»، بعد توالي صدور روايات من هذا النوع وفوز بعضها بجوائز أدبية. هذا يدفعنا إلى إعادة قراءة العلاقة بين النص الروائي يمن مونيتور/الحياة
قد يكون عام 2016 عام «الرواية التاريخية العربية»، بعد توالي صدور روايات من هذا النوع وفوز بعضها بجوائز أدبية. هذا يدفعنا إلى إعادة قراءة العلاقة بين النص الروائي والحقائق التاريخية، عبر ثلاثة نماذج، أولها رواية «الأزبكية» للمصري ناصر عراق، والفائزة حديثاً بجائزة «كتارا» القطرية. في هذه الرواية الصادرة عن «الدار المصرية – اللبنانية»، حبكة جيدة، لكن الحدث التاريخي مثير للجدل، فالكاتب بنى عمله على ظهور الحس الوطني لدى المصريين في جماعة أرادت قتل محمد علي باشا الذي تولى الحكم بإرادة شعبية عام 1805.
من وجهة نظر عراق أن هؤلاء لم يكونوا يرغبون في حكم محمد علي لأنه ليس مصري المولد والنشأة. وفي حقيقة الأمر أن محمد علي لم يكن الوالي الأول الذي يعزل المصريون والياً عثمانياً ليولوه، إذ سبقت ذلك حوادث مماثلة عدة، غفل عنها المؤرخون. كما أن الروح الوطنية المصرية لم تتبلور إلا في عصر الخديوي إسماعيل، وفق معطيات عدة. أولها: عودة البعثات المصرية في الخارج، وهؤلاء المبتعثون تولوا مناصب قيادية في عصر الخديوي إسماعيل، وكان لهم رأي واضح في السلطة وسلطات الحاكم، بل نادوا بمجلس نيابي ودستور، ثانياً: الصحافة التي ولَّدت رأياً عاماً مصرياً مقاوماً لاستغلال الأجانب لمصر ولمقدراتها، والتي كانت الامتيازات التي منحها سلاطين آل عثمان سبباً في توغلهم بعنف. ثالثاً: الهزيمة التي تعرَّض لها الجيش المصري في إثيوبيا عام 1876 ميلادي نتيجة خيانة قائده الأجنبي والضباط الأتراك، ما أدى إلى ظهور مقولة «مصر للمصريين». رابعاً: سقوط هيبة الدولة العثمانية، ما جعل بعض المصريين يعيدون النظر في هيمنة الدولة العثمانية. الراوي في «الأزبكية» يعتمد على التحليل النفسي، وهو نجح في التعبير عن الفرق بين المصريين والأتراك، فالمصري ودود بينما التركي جاف وحاد وغير ذلك.
وعبر المؤلف عن معاناة المصريين الفقراء والمعدومين، وبدأ روايته بالحملة الفرنسية وحنين الفرنسيين إلى مصر بعد خروجهم منها، فكشف طبيعة الاستعمار الفرنسي وعنصريته، ونوّه بعدم قبول المصريين زعم نابليون بونابرت أنه أشهر إسلامه.
هنا نستحضر كتاب محمد جلال كشك «عندما دخلت الخيل الأزهر» الذي كان له رواج كبير، فهو كان عملاً سردياً عاطفياً، في سبعينـات القرن الميلادي المنصرم، ومعـه كتاب عبدالعزيز الشناوي «الدولة العثمانية… دولة إسلامية مفترى عليها». عراق، استعان بــعدد من مقــولات المؤرخين حول الحقبة التي تناولها فــي روايـته، بل استــعاد بعض الشخصيات التاريخية، مثل عبدالرحمن الجبرتــي الذي أرَّخ لتلك الحقبة.
النموذج الثاني يتمثل في رواية المصري عمار علي حسن «بيت السناري»، فالتاريخ يطغى عليها حتى أننا يمكن أن نعتبره هو البطل في هذا العمل. يستعيد عمار علي حسن في الرواية التي صدرت أخيراً عن «الدار المصرية – اللبنانية» في القاهرة، المكان الذي ما زال موجوداً، وهو منزل السناري، وصاحبه الذي له قصة درامية، علماً أن أحداثها تدور في الحقبة ذاتها التي تناولتها رواية «الأزبكية»، وتركز على الفضاء المكاني ذاته، القاهرة العثمانية.
وهناك أيضاً رواية اليمني محمد الغربي عمران «مسامرة الموتى»، التي نشرت ضمن سلسلة «روايات الهلال» القاهرية وتعالج الرؤية المثالية للملكة «أروى الصليحية» في المخيلة اليمنية وبين محاولته جعلها إنسانة طبيعية. هنا السرد الروائي يصطدم بالمخيلة المثالية التاريخية للشعب اليمني، لكن نستطيع أن نعد هذه الرواية إنتاجاً أدبياً يستلهم من التاريخ سياقه، وليست رواية تاريخية نُسجت من وقائع محددة في ثوب أدبي.