عملياً، لم تسقط مدينة حلب، كثورة سورية أمام الأسد بقدر ما عبر الحدث عن انقسام إسلامي سني تشظى أكثر أمام التناغم الروسي الأمريكي الايراني في سوريا. عملياً، لم تسقط مدينة حلب، كثورة سورية أمام الأسد بقدر ما عبر الحدث عن انقسام إسلامي سني تشظى أكثر أمام التناغم الروسي الأمريكي الايراني في سوريا.
وصلت الثورة السورية قبل التدخل الروسي والايراني إلى أسوار دمشق، حينها كان الجميع يتحدث عن معارك في أريافها، وذاب جيش بشار “العربي” كفص ملح في ماء ساخن.
تدخلت إيران بعد ذلك وحشدت جميع الفرق الشيعية من أفغانستان وباكستان ودخل حزب الله، ورمى كل مليشياته في سوريا تلبية لأوامر ولي الفقيه لكنهم جميعاً لم يغيروا من سير المعركة، وكل يوم يمر تفصح إيران عن مقتل قائد عسكري لها في سوريا.
وحينما دخلت روسيا، كان جيش بشار قد تحلل وأكلته الثورة السورية، بينما غاصت أقدام إيران في رمال الأرياف والمدن.
أصبح الوضع في سوريا، بعد ست سنوات، أمام حرب عالمية ثالثة، أو أقرب للإعلان عنها، أمريكا أوروبا وعرب الخليج طرف فيما روسيا وإيران على الطرف الآخر، لكن الذي اتضح غير ذلك. الثورة السورية واجهت تناغم عالمي ضدها، وبقيت دول المنطقة تحت مظلة أمريكا في موقفها المهزوز كما جسدته الخسارة في حلب مؤخراً.
حلب لم تسقط، فقد تحملت عام من الضربات أمام سلاح ثاني أقوى دولة في العالم، وهي روسيا، ودحرت مرتزقة إيران، لكن الذي سقط هو قناع كشف عن تشظي موقف الدول الاسلامية، وهي ظاهرة عكست عن أصل الانقسام السني وانعدام مشروع الدولة التي يستظل تحتها المسلمين ضد عدوان إيران ولؤم الغرب.
الشعوب الاسلامية قد تخسر أمام الأعداء، لكن لا يوجد في قواميسها الانهزام، وهو ما ينطبق على أبناء حلب. وسياسات الأنظمة العربية والاسلامية هي التي سيؤثر عليها مفهوم الانهزام لأنها في حلب وسوريا تعامل وفق المصلحة الضيقة.
تركيا التي كان رئيسها أردوغان تمثل أهم دولة في مساندة السوريين، قال في بداية الثورة السورية، يجب على الأسد أن يسعى لإصلاحات، بعد فترة تحول الموقف إلى عملية دعم المعارضة وقال يجب على الأسد أن يرحل، ثم فرضت تطورات الأحداث العدول عن الرغبة في سقوط الاسد للرضى بالحل السياسي ثم القبول به خلال الفترة الانتقالية.
هذه التراتبية في موقف تركيا، خضعت للتطورات الداخلية ومصلحتها الخارجية، وهذا وإن كان يمكن أن يحسب لها عذراً إلاّ أنها لم تستطع موازاة المشروع الايراني الذي جازف من أجل أهدافه وخسر قيادات عسكرية لتجميع أشلاء حليفها الأسد.
أما دول المنطقة، فقد كانت تشجع من خارج الحلبة، وعلى طريقة أوباما التي تقول سيرحل الأسد في ظرف أصبح الحكم مختطف بيد ملالي طهران ومرهون بقرار الكرملين، وأبقت هذه الدول فاعليتها تجاه سوريا وحلب تحت مظلة سياسة اللؤم الأمريكي.
المشكلة لا تقتصر على عدم وجود رؤية عربية أو إسلامية موحدة لدى الأنظمة تجاه عدوانية إيران، ولكن أيضاً بتفرعات التيارات الاسلامية في سوريا وغيرها، وهي ما ستبقى نقطة ضعف طويلة الأمد أمام إيران، فيما ستبقى إيران تُحيد خصومها حتى تنفرد بكل دولة لوحدها، إضافة إلى أن المشروع الغربي تجاسرت علاقته بالمشروع الشيعي بعد سقوط بغداد 2003.
أمريكا لا ترى خطراً على مشروعها “الرأسمالي” و”الصليبي الديني” من الشيعة لأنه يمكن التفاهم مع إيران وهي في الأخير لديها طموحات مادية على الثروة في الخليج، بينما الشعوب السُنية هي التي تمثل المشروع السُني كحضارة إسلامية عابرة للقارات، ولذلك قررت أمريكا كما ذكر “بريمر” رجل أمريكا الأول في العراق في مذكراته التحالف مع الشيعة، وابتكرت فوبيا “الارهاب” وجعلته مصمماً خاصاً على مشاريع التيارات الاسلامية السنية.
هذا توجه عام غربي روسي لا يمكن فصله عما حدث في حلب، وسيحدث في بقية الدول العربية والاسلامية التي تحاول المناطحة، وهو ما عكس عن الموقف حلفاء حلب منذ ما بعد انطلاق الثورة السورية وحتى الآن.
ستظل هذه المشكلة مفتوحه وستفتتح شهية إيران أكثر بعد حلب على خلفية تصريحات المسؤول الايراني بأن التوجه القادم سيكون في اليمن والموصل والبحرين، ولا يمكن القول إن دول الخليج لا تعي هذا الخطر بل تدركه أكثر، ولكن انعدام المشروع وافتقارها لأدوات المناورة ومسألة فوبيا الارهاب المصمم على من يتصدر، وتشظي الحواضن السنية هي من سيبقيها على ممارسة المشاهدة للألغام الايرانية وهي تزرعها في محيطها وبأعين أمريكا.
قد يتغير هذا الوضع في حال تغيرت الظروف، وحلب وسوريا ستعود لأصحابها حتى وان مضى عليها زمن، لكن هل يمكن أن تمثل حادثة حلب حالة استنفار خلاقة للأنظمة، لأن الهزيمة في الأخير لم تكن لأبناء حلب الشهباء ولكن للمشروع العربي والاسلامي في آن.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.