بعد وفاة «المنصور» علي بن «المهدي» عباس، منتصف العام «1224هـ»، آلت الأمور بسلاسة لولده «المتوكل» أحمد، أحد أبرز تلاميذ العلامة «الشوكاني»، أعاد للدولة جزء من هيبتها، وأظهر الحزم وبعد النظر، وخفض الضرائب، وأحسن للفقراء، وعفا عن كثير من المتمردين. بعد وفاة «المنصور» علي بن «المهدي» عباس، منتصف العام «1224هـ»، آلت الأمور بسلاسة لولده «المتوكل» أحمد، أحد أبرز تلاميذ العلامة «الشوكاني»، أعاد للدولة جزء من هيبتها، وأظهر الحزم وبعد النظر، وخفض الضرائب، وأحسن للفقراء، وعفا عن كثير من المتمردين.
أرسل الحملات لاستعادة تهامة، وحينما فشل تصالح مع الشريف حمود «1228هـ»، واعترف له بما تحت يديه، ليجدد العزم في العام التالي على استعادة تلك المناطق، إلا أن القبائل خذلوه، استنفذوا أمواله، وتركوه في منتصف الطريق، وفي ذلك قال «صاحب الحوليات»: «وخاب السعي من النفوذ على تهامة، فكلما هيأهم المتوكل للتحضير على المخالفين طلبوا المغلَّبات، وما مقصدهم إلا الفساد، ووقع لهم شيء من المال، ورجعوا بلادهم، ورجع الإمام إلى صنعاء».
توالت بعد ذلك عليه التمردات، ساهمت الطموحات النجدية في تأجيجها، ولذات السبب حدث بينه وبين محمد على باشا «والي مصر» عديد مراسلات، وقيل أنه أول من بادر بطلب المساعدة، وقيل عكس ذلك، مع اتهامه بالاستجابة حيناً، والمراوغة حيناً أخر.
«المهدي» عبد الله بن «المتوكل» أحمد، هو آخر الأئمة القاسمين الأقوياء، تولى الإمامة أواخر العام «1231هـ»، وعمره «25» عاماً، في مخالفة صريحة لوصية أبيه المتوفي عامذاك، والذي سبق وأوصى لأخيه «القاسم»، وقف «الشوكاني» إلى جانبه، وامتدحه بقوله: «كان راجح العقل، شريف الاخلاق، محمود الخصال».
فيما ذمه المؤرخ «العرشي» بقوله: «كان سفاكا للدماء، مال إلى الفجور، وشرب الخمور، مع تعظيمه للشريعة، ومقاتلته من ناوأها»، واتهمه آخرون بأنه اشتغل بتولية الوزراء، وعزلهم، ومصادرة أموالهم، حتى اختل أمر الدولة، وأصبح همّ المسؤولين تحقيق مصالحهم، وعزل من دونهم، ليصل السلب والنهب إلى القاعدة الشعبية بطرق رسمية متعارفة.
كان «الشوكاني» يرافق الأئمة أثناء زياراتهم الداخلية، ويتدخل في التفاوض بينهم وبين الأمراء الطامحين، وزعماء القبائل المتمردين، وحين اختلف أمير «كوكبان» شرف الدين بن أحمد، مع «المهدي» عبدالله «1233هـ»، خرج مع الأخير، وتدخل لإيقاف الحرب، وكذلك فعل قبل خمس سنوات، حين اُعتقل ذات الأمير من قبل «المتوكل»، ساعد بالإفراج عنه، وإعادته لمنصبه.
كانت «كوكبان» خلال تلك الحقبة أشبه بإمارة مُستقلة، تعاقب على ولايتها أمراء من بيت «شرف الدين»، وحكموها تحت مظلة «الدولة القاسمية»، والمفارقة العجيبة أن أميرها الأخير عمل على تدريس الفقه السني في مناطق حكمه، وهدد بالاستنجاد بـ «آل سعود»، حين اختلف مع «المتوكل» أحمد.
ظلت حملات الأتراك تتوالى على الجزيرة العربية، ونجحوا في إحداها بالتوغل إلى صحراء نجد، قضوا على «الدولة السعودية الأولى»، واقتادوا اميرها عبدالله بن سعود بن عبد العزيز أسيراً إلى «الباب العالي»، وقيل أن «المهدي» عبدالله استنجد بهم كأبيه، خاصة بعد أن ارتفعت وتيرة تهديداتهم لدولته.
استولى الأتراك على جميع مناطق تهامة «1234هـ»، فيما وصلت كُتب محمد علي باشا، وابن اخيه خليل باشا، مؤذنة بالمصالحة مع «الدولة القاسمية»، التي استشعرت الخطر، وظنت أن الدور القادم عليها، وظن الناس نهايتها، ليغادر الأتراك بعد ذلك تهامة، بعد أن سلموها للشريف علي بن حيدر، جعلوه تابعاً لـ «المهدي» عبدالله، وفرضوا على الأخير دفع الجزية السنوية لـ «الباب العالي» من محصول البن، وهو الوضع الذي استمر لـ «13» عاماً قادمة.
في العام «1236هـ» قاد الانجليز حملة عسكرية على المخا، قصفوا المدينة الساحلية بالمدفعية، وسووا مبانيها العتيقة بالأرض، بذريعة أن الحاج فتيح عامل الإمام فيها أهان «آمر طراد» بريطاني، رغم أن الأخير سبق وأهان العمال اليمنيين، وتسبب بنهبهم للوكالة البريطانية، سارع «المهدي» بعزل وحبس «فتيح»، إلا أن الانجليز أرادوا معاقبته على طريقتهم الخاصة، حاصروا المدينة لأربعة اشهر، ليلتقي بعد ذلك قائد حملتهم بالعامل الجديد، الذي استقبلهم استقبال الفاتحين؛ وتضمن اتفاقهما مطلباً يقضي باعتذار وتحقير العامل المعزول، ومعاقبته بأي شكل يراه الانجليز مناسباً، لتتجه أنظار الانجليز بعد هذه الحادثة صوب ميناء عدن، معلنين بدأ العد التنازلي لانهيار الميناء العريق.
خلال فترة حكم «المهدي» عبدالله ارتفعت وتيرة الغزوات «البكيلية»، دخلوا صنعاء «1235هـ»، أسرفوا بالنهب والسلب لمدة «22» يوماً، وأخذوا أبواب قصرها الكبير إلى «برط» ـ استعادها فيما بعد الإمام أحمد حميد الدين ـ ولم يغادروا المدينة المنكوبة إلا بعد أن أعطاهم «المهدي» الأموال الطائلة، قدرها أحد الرحالة الأجانب بـ «120,000» ريال نمساوي.
وحين حدثت مجاعة بكيل الكُبرى «1238هـ»، خرجوا بسببها خرجة رجل واحد، كبارهم وصغارهم ونساؤهم مُتشكلات بأشكال الرجال، وصلوا إلى مشارف صنعاء، نهبوا وقتلوا، وفي ذلك قال «صاحب الحوليات»: «فلما علم الإمام خبث نياتهم، وطلبوا من الغلبات التي لا يسعها المعقول، وما هم فيها، وإنما يريدون اليمن ـ يقصد اليمن الأسفل ـ فأعرض عنهم، وكتب إلى جميع الجهات بالاحتراس منهم، فعزموا اليمن، وذلك بغيتهم، يجعلوها وطناً».
شنَّ «الشوكاني» هجوماً حاداً على تلك القبائل، واصفاً إياها بأشنع الصفات، ومن ضمن ما قاله: «غالبهم يستحل دماء المسلمين واموالهم، ولا يحترمها، ولا يتورع عن شيء منها، وهذا مُشاهد معلوم لكل أحد، لا ينكره جاهل، ولا غافل، ولا مقصر، ولا كامل، ففيهم من آثار الجاهلية الجهلاء، اشياء كثيرة يعرفها من تتبعها».
أعلن «الهادي» أحمد بن علي السراجي نفسه إماماً «1247هـ»، كان «جارودياً» متعصباً، تستر بحماية المذهب الزيدي، وناصرته قبائل «خولان، وأرحب، ونهم، وحاشد، وبكيل»، زحف بهم لمحاصرة صنعاء، إلا أن أصحابه تفرقوا بعد أن أغدق «المهدي» على كبرائهم بالأعطيات، عاد مرة أخرى إلى «نهم» مُنطلق دعوته، ليحشد القبائل مرة أخرى، فدس له غريمه من قتله غيلة بضربة سيف.
دخلت «الدولة القاسمية» بعد وفاة «الشوكاني» «1250هـ»، ووفاة «المهدي» عبدالله في العام التالي، مرحلة الموت السريري، بل وعجزت عن حكم صنعاء نفسها، لتعود الإمامة الزيدية إلى وضعها المُعتاد، المليء بالخلافات الأسرية، والصراعات المناطقية، يتلقفها تارة أدعياء العلم والشرع والدين، وتارة أمراء طامحين من الأسر الهاشمية المتنافسة.
وحين تولاها الفقيه المُتعصب، و«الجارودي» المُتطرف، «الناصر» عبدالله بن الحسن «1252هـ»، حارب العلماء المجددين، زج بهم في السجون، وحاول ومعه حشد كبير من غلاة الزيدية بإخراج رفاة «الشوكاني» من القبر لحرقها، كونه بنظرهم المتهم الأول والرئيس بحرف الإمامة عن مسارها، وتعد تلك الحقبة بشهادة كثيرين، مرحلة ودولة الإمام الشوكاني.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.