كيف تبدو الحرب اليمنية على الجانب السعودي؟ (صور)
قدم مراسل تلفزيون BBC لما يجري على الحدود اليمنية السعودية من الجانب السعودي، ليروي مشاهدته وقائمة الضربات الممنوعة في أجندة التحالف العربي، وكيف تدار العمليات في غرفة التحالف. يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة:
قدم مراسل تلفزيون BBC تقريراً واسعاً عما يجري على الحدود اليمنية السعودية من الأراضي السعودية، ليروي مشاهدته وقائمة الضربات الممنوعة في أجندة التحالف العربي.
فرانك غاردنر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية الأمني من الحدود السعودية اليمنية كتب تقريره المنشور في موقع الهيئة تحت عنوان “صراع اليمن: وجهة النظر من الجانب السعودي”.
وجاء في تقريره: “وقف (جابر)، وهو رجل سعودي عجوز، طويل، وملتحٍ يكسو وجهه الألم، أمام أنقاض بيت عائلته في مدينة نجران، التي تقع بالقرب من الحدود الشمالية للسعودية مع اليمن المدمَّرة بفعل الحرب”. تظهر على الحوائط البيضاء لمنزله آثار الانفجارات وتجاويف تسببت فيها الشظايا المتطايرة.
قال جابر: “بالأمس في الساعة 5:15 مساءً، توجهت نحونا قذيفة قادمة من اليمن. كانت عائلتي تجلس هنا” وأشار إلى حشية سرير مُلقاة على الأرض.
وأضاف لمراسل هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”: “الحمد لله أنهم نجوا. يعيش في هذا البيت 5 عائلات. يعيش هنا أطفال ونساء ورجال. ما الذي اقترفوه كي يستحقوا هذا؟ إنه أمر خاطئ”.
ويقول المراسل: “بعد أن غادرنا المكان مباشرة، سقطت 7 صواريخ أخرى على الحي، ما تسبب في جرح عدة أشخاص وأفادت تقارير بمقتل اثنين”. يقول عمَّال الدفاع المدني السعودي إن المسلحين الحوثيين يطلقون النار عليهم دون تمييز عبر حدود اليمن.
السعودية في حالة حرب
المملكة العربية السعودية في حالة حرب. لن ترى تداعيات حرب اليمن في الشوارع الآمنة للعاصمة الرياض، لكن عندما تتوجه صوب الجنوب قاطعاً مئات الأميال ستجد آثار الحرب الأهلية، التي مزَّقت اليمن، ممتدة عبر الحدود إلى المدن والقرى السعودية.
يقول المسؤولون السعوديون إنَّ هناك أكثر من 500 مواطن سعودي قتلوا بسبب حرب اليمن، وهو عدد ضئيل مقارنة بآلاف القتلى في اليمن نفسه، لكنه لا يزال يمثل صدمةً بالنسبة لهذه المملكة الهادئة التي تعد موطناً للمواقع الإسلامية المقدسة وتعد أيضاً أكبر مُنتج للنفط في العالم.
زُرنا أنقاض مدرسة ابتدائية للبنات في قرية الخُبر بعد أن قُصفت بصاروخ من القوات الحوثية وسط الليل. في الفصل الدراسي المحطم، ترقد ساعة المدرسة على الأرض. توقفت عقاربها لحظة انفجار القذيفة.
قابلنا قرويين مصابين على نحو بالغ بعدما قصف مسجدهم بصواريخ القوات الحوثية وحصلنا على تصريح نادر للوصول إلى منصة الجيش السعودي المضادة للصواريخ والمسماة “باتريوت” والموجودة في الصحراء بمواجهة اليمن. ويقوم هذا النظام الدفاعي بتعقب وصدّ أي صواريخ تطلق على المدن السعودية الجنوبية.
وتستهدف قذائف الحوثيين، التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، مدناً سعودية كنجران، وأبها، وجيزان، وخميس مشيط، وحتى مدينة مكة، وفقاً لسعوديين.
الكتابة السيريلية
تأتي هذه الصواريخ، روسية الأصل والقديمة لكنها مميتة في الوقت ذاته، من مخزون أسلحة كان يكدّسه الجيش اليمني على مدار سنوات واستولى عليهِ الحوثيون لاحقاً.
وتشمل هذه الأسلحة صواريخ “سكود بي” التي تصل حمولتها إلى طن من المواد شديدة الانفجار وصواريخ “توتشكا” التي تصل حمولتها إلى 482 كيلوغراماً من المواد المتفجرة. وأَطْلعنا مسؤولون سعوديون على بقايا صاروخ ” توشتكا”، لاتزال نقوش الكتابة السيريلية بادية على جسمه.
وسجلت السلطات السعودية إطلاق 37 صاروخا باليستيا من اليمن إلى المجال الجوي السعودي في الفترة من 6 يونيو/حزيران إلى 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
بدأت الحرب في سبتمبر/أيلول 2014 عندما تحالفت أقلية الحوثيين مع الرئيس المخلوع على عبدالله صالح، الذي وفر لهم دعم القوات الموالية له.
تحرك الحوثيّون، الذين طالبوا بالقضاء على الفساد في الحكومة وتوزيع أكثر عدالة للسلطة، من معقلهم في الجبال شمالاً حول مدينة صعدة، ليُسيْطروا على العاصمة صنعاء ويحلّوا البرلمان ويضعوا الرئيس قيد الإقامة الجبرية في منزله.
كان اليمن خارجاً للتو من فوضى الربيع العربي، واكتمل الحوار الوطني، وانتُخب رئيس جديد وكانت هناك آمال كبيرة معلقة بمستقبل سلمي وديمقراطي.
لقد تبددت الآمال “حسب ما قاله المراسل -وترجمه “يمن مونيتور”.
اتهامات للطرفين
فرَّ رئيس البلاد عبدربه منصور هادي إلى ميناء عدن الجنوبي للنجاة بحياته، لكن الحوثيين قصفوا قصره جواً.
واستنجدت الحكومة اليمنية، الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة، طالبة المساعدة وتدخلت السعودية بعد أن شعرت بالقلق تجاه ما رأت أنه استيلاء على السلطة بوكالة إيرانية.
شكّلت السعودية، بقيادة وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، تحالفاً مكوناً بشكل رئيسي من الدول العربية وبدأت في شن حملة جوية ضخمة في اليمن في مارس/آذار 2015.
كانت تهدف الحملة إلى إجبار الحوثيين على التقهقر والتخلي عن المناطق التي يسيطرون عليها وإعادة الحكومة الشرعية، المدعومة بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، إلى الحكم.
لم يتحقق هذا الهدف. ولا يزال الحوثيون يسيطرون على معظم الأراضي اليمنية حالياً بينما تستمر حصيلة القتلى في الارتفاع.
ويتهم كلا الجانبين باستهداف المدنيين بتهور – ولكن الامم المتحدة قالت إن غالبية الضحايا في غارات جوية لقوات التحالف، وهو رأي تنازع عليه كل من السعوديين والحكومة اليمنية.
“غرفة حرب” التحالف
في قصر ضيافة بمدينة الرياض، حيث يجتمع أعضاء الحكومة اليمنية، قابلت راجح بادي، المتحدث باسم الحكومة. لم يكن لديه أدنى شك في تحديد الطرف الذي يقع عليه اللوم.
يقول بادي: “هناك سبب واحد للدمار الذي تعيشه اليمن. إنهم الحوثيّون وقوات الرئيس السابق صالح.
وأضاف: “لقد استولوا على الأسلحة الحكومية واستخدموها ضد المدنيين اليمنيين”.
ولسماع تفسير الجانب السعودي بشأن سقوط العديد من القتلى بين صفوف المدنيين، توجهت إلى مقرات التحالف في الرياض لسؤال قائد القوات السعودية بشأن الكيفية التي يختارون بها أهدافهم، والأهم من هذا سؤاله عن الإجراءات التي يتخذونها لتجنب سقوط مدنيين ضحايا.
تقع قاعدة الملك سلمان الجوية، الضخمة والمُترامية الأطراف وشديّدة الحراسة، على أطراف مدينة الرياض.
في أحد الطرق الدائرية بالقاعدة الجوية، تقف طائرة “تورنادو Tornado” المقاتلة البريطانية المنشأ، شاهدة على صفقات بيع الأسلحة المقدرة بمليارات الدولارات بين بريطانيا والقوات الجوية الملكية السعودية.
تُرفع أعلام 11 دولة داخل مركز القيادة والتحكم بالقاعدة ويتواجد موظفون بزيّ موحّد وضباط مخابرات من عدة دول عربية وخاصة من مصر والإمارات والأردن بالإضافة إلى السعودية.
يظهر على خريطة رقمية معلقة على الحائط كل تحركات الطائرات الموجودة في اليمن التي تقترب منها.
ويتمتع التحالف بتفوّق كامل في المجال الجوي بالحرب ولم يعد لدى الحوثيين أو القوات الداعمة لهم أي قوة جوية.
وفي حجرة كبيرة تسمى “غرفة الحرب”، تعرض خريطة رقمية بيانات المقاتلات الجوية المصطفة للتوجه إلى اليمن.
وتمثل الخريطة “جدول مهام جوية” يوميّاً، يوضح معلومات بشأن الطائرات التي تحلق في الجو حالياً، والدول التي تنتمي إليها، وإشارات تعريفها، والأهداف التي تقصدها (مثل طائرة إف 16، من مصر، إشارة تعريف “الأفعى السامة”، وقت الاستهداف 1600، منطقة الاستهداف ثلاثية الأبعاد).
عدد غير صحيح؟
يؤكد ضباط سعوديون داخل مركز القيادة والتحكم أن التحالف يلتزم بقانون النزاع المسلح “LOAC” عند اختيار الأهداف اليمنية لضربها، وأنه يتخذ كل الإجراءات الاحترازية لتجنب سقوط ضحايا مدنيين.
بعد تقارير من الأرض تصف المدارس والمستشفيات والمصانع والتجمعات الاجتماعية عن تعرضها للضرب من الجو.
وكان واحد من أسوء الأحداث في 8 أكتوبر 2016 عندما ضربت غارة جوية مزدوجة من قبل طائرة حربية التحالف قاعة جنازة مليئة بالناس في العاصمة صنعاء، مما أسفر عن مقتل 140 شخصا، معظمهم من المدنيين.
اعترف التحالف الذي تقوده السعودية في ذلك اليوم أنها خطأ، ووعد بتقديم تعويضات.
ويقول المراسل” صارحت اللواء أحمد العسيري، المتحدث باسم التحالف، بأن منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة يلقون باللوم على هجمات قوات التحالف الجوية. وكان ردّه هو اتهام الأمم المتحدة بتلقي بيانات خاطئة من المسلحين الحوثيين”.
قائمة الضربات الممنوعة
بذل الضباط السعوديون أقصى ما في وسعهم للتأكيد على التزامهم بقواعد الاشتباك الدولية (ROE) وقانون النزاع المسلح (LOAC).
لقد أروني “قائمة الضربات الممنوعة” التي تشمل أكثر من 30 ألف موقع في مختلف أنحاء اليمن المحظور قصفهم جواً، بينها مخيمات للاجئين ومستشفيات.
ومن بين قواعد الاشتباك الدولي: عدم استهداف أي منشأة موجودة ضمن قائمة المواقع المحظور قصفها، وافتراض أن كل المنشآت والأشخاص مدنيون حتى يثبت العكس.
كما شرح الضباط “دورة الاستهداف”، وهي عبارة عن رسم بياني دائري يوضح بالتفصيل الكيفية التي يتم بها التخطيط للهجمات الجوية وكيفية تنفيذها.
وقال لي ضابط استخبارات رفيع المستوى: “إذا كنا نخطط لاستهداف موقع ما، فهو يمر عبر هذه الدورة. وإذا كان الموقع بالقرب من مسجد أو مستشفى، لا نقوم بقصفه”.
قال اللواء العسيري: “نفعل كل ما هو ضروري لحماية المدنيين. نحن هنا لحمايتهم لا لإلحاق أي ضرر بهم”.
دور بريطانيا
إذاً ما دور بريطانيا في هذه الحرب اليمنية التي لا رابح فيها؟
زودت بريطانيا الحكومة السعودية بطائرات “تورنادو Tornado” و”تيفون Typhoon” وقذائف ذات توجيه دقيق ضمن صفقات سلاح بينهما قبل اندلاع هذه الحرب.
ومنذ بدء الحملة الجوية لقوات التحالف في اليمن في مارس/آذار 2015، باعت بريطانيا للسعودية أسلحة تبلغ قيمتها 4.1 مليار دولار، ولا يزال هناك مزيد من الصفقات القادمة.
وتقف الحكومة البريطانية في صفّ حليفتها السعودية وتؤيد جهودها المدعومة من الأمم المتحدة لإعادة الحكومة اليمنية الشرعية للسلطة.
فقد قال توبياس إلوود، وزير شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانية: “إن استجابة السعوديين وقوات التحالف للرئيس هادي وقرار مجلس الأمن رقم 2216 أمر شرعي لمواجهة عدوان الحوثيين”.
يقول المسؤولون الحكوميون، الذين يعملون في شارع “وايت هول” بقلب لندن، إن قوات سلاح الجو الملكي البريطاني الموجودة في المقر الرئيسي للتحالف لا تشترك في أي هجمات مستهدفة وإنهم موجودون هناك فقط لتزويد الحكومة البريطانية بمعلومات حول وضع الحرب وتمرير خبرتهم لقوات التحالف بقيادة السعودية حول أفضل الممارسات الواجب اتباعها لتجنب إصابة المدنيين.
قال السعوديون لي إن قواتهم الجوية حصلت من بريطانيا على رسم بياني لقياس المخاطر الضمنية لعمليات القصف والمسمى “Paveway 4 Collateral Damage Chart”.
ويتكون هذا الرسم البياني التفاعلي من مجموعة من الأسئلة التي تساعد المخططين على قياس حجم الضرر المحتمل غير المرغوب فيه الذي قد يتضمنه استهداف موقع معين (مثل سقوط مدنيين).
خط أحمر
ويقول المراسل: “تولد انطباع لديّ عبر زياراتي العديدة مؤخراً للسعودية بأن السعوديين لم يتوقعوا صمود الحوثيين كل هذا الوقت”.
لكنهم الآن يتوقعون سعي الحوثيين نحو السلام وقبول لعب دور سياسي في الحكومة اليمنية مستقبلاً وتسليم أسلحتهم للأمم المتحدة.
لم يتحقق هذا حتى الآن، وبالنسبة للسعوديين يعد هذا الأمر خطاً أحمر.
لقد قال السعوديون مراراً إنهم لن يسمحوا لميليشيا مسلحة، مدعومة من غريمتها إيران، بالسيطرة على السلطة في اليمن بطريقة غير شرعية.
واختتم بالقول: “حتى من جانب واحد أو غيرها لم يظهروا الانحناء إلى أسفل، ولاتظهر هذه الحرب أي علامة على نهاية”.
المصدر الرئيس
Yemen conflict: The view from the Saudi side