ظهر الملك سلمان وهو يؤدي “العرضة”، وهي رقصة شعبية، من أعلى المنصة في الدوحة وبجواره أمير قطر، أفصحت عن جحم الانسجام فيما بين البلدين بعد أن شهدت عقب الثورات العربية توترات حادة. ظهر الملك سلمان وهو يؤدي “العرضة”، وهي رقصة شعبية، من أعلى المنصة في الدوحة وبجواره أمير قطر، أفصحت عن جحم الانسجام فيما بين البلدين بعد أن شهدت عقب الثورات العربية توترات حادة.
الأزمات هي من تُعيد رسم التحالفات من جديد، لكن هذه المرة جاءت التحالفات من بوابة الحرائق التي تشتعل في اليمن وسوريا والعراق بفعل تدخلات إيران واستنهاض حلفائها بعد أن ظلت تبنيهم أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
هذه الأزمات المحيطة بالمنطقة، هي التي أعادت للسعودية روح النشاط الدبلوماسي بشكله الظاهر بعد أن كانت تمارسه في الظل طيلة السنوات الماضية وما لطالما وإيران تشتغل في سوريا واليمن وعينها على مكة والمدينة.
مهما أدت بقية دول المنطقة مثل قطر أو الإمارات أو غيرها من دورٍ في إطفاء حرائق إيران في اليمن وسوريا فإنها لا تستطيع أن تكون فاعلة كدور المملكة، ولا يمكن للمملكة أيضاً أن تعتمد على أحد في إخماد نيران طهران إلاّ حين تستدير هي بنفسها للبحث عن حلفاء يمتلكون مواقف صلبة تجاه الخطر الايراني من العرب والمسلمين، والذين سيكونون هم التالي إذا ما توسعت رقعة تلك النيران وتطايرت شظاياها.
اليوم، تتحالف السعودية مع قطر وتركيا لأن سوريا تتعرض لحرب كونية، بعد أن أدار الحليف “النذل” أمريكا، ظهره عن دول المنطقة الحلفاء القدامى، وترك سوريا لإيران والروس حتى أصبحت دول المنطقة مهددة بشكل مباشر فيما لو خسرت الثورة السورية.
وفي اليمن تتحالف السعودية مع الإمارات، للتصدي لصواريخ ايران بعد أن وصلت إلى منطقة مكة، وتجاسرت التحالفات بينهما بعد أن كانتا قبل خمسة عشر سنة في حالة صراع على ترسيم الحدود.
كم سيتطلب الأمر مزيداً من أزمات، إذن، حتى تواصل المملكة جهودها في تجسير التحالفات مع بقية الدول العربية؟ لكن هل ستأتي هذه التحالفات وإيران لا زالت في سوريا واليمن؟!
المشكلة أن نتائج الربيع العربي، انتجت علاقات متوترة بين المملكة ومحيطها على مستوى الدول والحواضن السنية الشعبية كجماعات وأحزاب وتيارات، حتى تمكنت إيران من التوغل واستغلال الفراغ الميداني.
كان الربيع العربي، صراع شعبي مع السلطات، في ظرف كانت إيران بعيدة، ولما أصبح الصراع مع إيران وجدت السعودية نفسها بلا محيط شعبي في تلك الدول بعد تجربة ما بعد الثورات العربية، ولا تزال الفجوة متجذرة أفقدها على المناورة مع إيران أمام المجتمع الدولي.
بمعنى، أن الحواضن الشعبية السنية في الدول التي تخوض المملكة حرب نفوذ مع إيران أصيبت بتصدع وتشظي بعد حملات ما بعد الثورات، فوجدت المملكة نفسها بلا أدوات لكي تناور بها أمام إيران التي تمتلك هي الادوات وإن كانت مليشيا وأقليات شعبية.
الأدوات للمناورة، هي التيارات والجماعات والأحزاب في البلدان، وحين تفتقد السعودية هذه الأدوات ستضع إيران رجلاً وفق الأخرى ثم تخوض حرباً بِنفسٍ طويل. وهي تخوض، أي إيران، مشروع التوسع تعرف أن الآخر لا أدوات لديه على الأرض للمواجهة.
هذه حقيقة، في لبنان، تم الاعتماد على الحريري وحزب المستقبل وهو حزب لا يُمثل العمق السُني لمواجهة جيش حزب الله. وفي العراق لا يوجد حليف سني يواجه الدولة الطائفية، حتى أصبحنا نكتفي بالمشاهدة لقاسم سليماني وهو يدير معركة الموصل آخر معاقل السنة في العراق. وفي سوريا، كان الاعتماد على الجيش السوري الحر، حتى أصبح هذا الجيش ليس له أثر الا في القنوات الفضائية أو كقيادات في اسطنبول.
وفي اليمن، لولا الشباب السلفيين لما تحررت المناطق الجنوبية بتلك السرعة، ولولا شباب الاصلاح “إخوان اليمن” لما وجدت مقاومة في المناطق الوسطى، وحين يقتل من هؤلاء أحدهم فإنه يدفع الموت عن مواطن خليجي.
يجري الحديث عن دور السعودية في إعادة صياغة تحالفاتها من جديد؛ لأنها تمثل بلاد الحرمين كمشروع سني عربي، أمام مشروع الملالي الطائفي الفارسي، وهذه هي المعركة التي ستظل ماثلة خلال السنوات القادمة.
وحين تعيد المملكة خارطة تحالفاتها على مستوى الدول فإنها ستبقى بلا أدوات فاعلة ما لم تعيد العلاقة مع الحواضن الشعبية السنية بكل أطيافها.
ومهما كان دور الأنظمة الحلفاء في الوقت الراهن، مهماً، إلا أنهم لا يتملكون سوى المال والتصريحات السياسية، لكن معركة الثوابت والمعتقدات والحفاض على المقدسات مع إيران تتطلب أدوات وهي الحواضن الشعبية السنية العريضة.