آراء ومواقف

المرجعيات الثلاث أساس الاتفاق والمصالحة في اليمن

نصر طه مصطفى

على رغم استقبال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي صباح الخميس الماضي في مدينة عدن على رغم استقبال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي صباح الخميس الماضي في مدينة عدن – بعد قطيعة لم تطل – للمبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد وتسليمه ملاحظات الحكومة اليمنية على خريطة الطريق التي وضعها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلا أن هذا الاستقبال لا يعني تغيراً في موقف الحكومة التي ما زالت ترى أن الخريطة لا تصلح أساساً لمشاورات سلام ناجحة.
ولذلك فقد اكتفت الحكومة بحصر ملاحظاتها في إبراز مخالفات الخريطة للمرجعيات الثلاث المتفق عليها لمشاورات السلام اليمنية وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار الدولي رقم ٢٢١٦ والقرارات ذات الصلة. وبالتأكيد فإنها مخالفات جسيمة كون الخريطة تجاوزت المبادرة الخليجية والقرار ٢٢١٦ ووضعتهما خلف ظهرها، كما أنها تكاد تنقض مخرجات الحوار الوطني بدعوتها الغامضة إلى حوار سياسي جديد، وكأن حواراً طويلاً وموسعاً لم يجر بين القوى السياسية بما فيها الحركة الحوثية منذ عام ٢٠١١ وحتى انقلاب هذه الأخيرة على الرئيس المنتخب ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني في ٢١ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤.
أبلغ الرئيس هادي ولد الشيخ بوضوح أنه سيسلم السلطة لرئيس منتخب كما نصت على ذلك المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تمثل أساس المشروعية للوضع الحالي باعتبارها حاكمة للدستور في عدد محدود من النصوص، وإلا انفرط العقد ودخل اليمن في حالة من الفوضى التامة ستفتح الباب أمام التجزئة والتقسيم وتمزق البلاد إلى دويلات وسلطنات بصورة يصعب السيطرة عليها لاحقاً. فشرعية الرئيس هادي ما زالت المظلة التي تمسك بوحدة البلاد ويمكن في ظلها إنجاز أي اتفاقات لإنهاء الحرب ومصالحات سياسية تؤدي إلى انتقال طبيعي للسلطة عبر انتخابات تجرى بموجب الدستور الجديد الذي تم إنجاز مسودته الأولى في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤. ومن دون ذلك فإن الخريطة بصيغتها الحالية ستذهب باليمن إلى المجهول، ناهيك عن أن الاتفاق عليها بين طرفي الحرب يكاد يكون مستحيلاً خصوصاً عند الدخول في التفاصيل.
إن تجاوز المرجعيات الثلاث عند وضع المعالجات للأزمة والحرب القائمة سيدمر الأسس التي توافق عليها غالبية اليمنيين منذ الثورة الشعبية عام ٢٠١١ والتي كانت ثورة سلمية مميزة في رؤيتها للتغيير، كما كانت مميزة في المنهجية التي تحاورت بها القوى السياسية في حينه لتنتهي بنموذج فريد في عملية التغيير ونقل السلطة، إضافة إلى أنها تميزت بفرادة واستثنائية وإيجابية التعامل معها من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي. ومن شأن التغاضي الآن عن كل ذلك أن يتحول إلى عقاب جماعي للشعب اليمني على تطلعه للتغيير إلى الأفضل حينذاك والتزامه النهج السلمي – على رغم أنه من أكثر الشعوب تسلحاً – حتى جاءت الميليشيات في عام ٢٠١٤ لتقوض آماله وتدفع البلاد إلى حرب ضروس تجري منذ استيلائها على العاصمة صنعاء بقوة السلاح وتمددها إلى سائر المحافظات بذات الطريقة وبنفس أسلوب العنف. لذلك تظل المرجعيات الثلاث هي السقف الآمن الذي يمكن وقف الحرب والاتفاق السياسي بموجبه، لأن هذه المرجعيات اتسمت بالعدالة التامة في التعاطي مع قضايا الشعب اليمني. فالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية نظمت عملية نقل السلطة للرئيس هادي ومنه لمن سيأتي بعده. ومخرجات الحوار الوطني صاغت بتوافق كامل شكل الدولة الجديد ونظامها السياسي المنشود.
وجاءت كل القرارات الدولية الخاصة باليمن منذ القرار ٢٠١٤ لعام ٢٠١١ وحتى القرار ٢٢٠٤ للعام ٢٠١٥ لتحمي المبادرة وآليتها ومخرجات الحوار. وأخيراً جاء القرار الدولي ٢٢١٦ الصادر في نيسان (أبريل) ٢٠١٥ ليتعامل مع الانقلاب والتمرد وينظم آلية إنهائهما وإعادة السلام إلى اليمن ووقف الحرب والعودة للمسار السياسي كما لو أن شيئاً لم يحدث، بل إنه أتاح للانقلابيين الاستمرار في المشاركة، وتجنب محاسبتهم أو مساءلتهم أو تقديمهم لأي محاكمات على رغم كل ما ارتكبوه من جرائم فردية وعامة.
وهذا هو ما قصدته في ختام مقالي الأسبوع الماضي بإشارتي إلى مصالحة وطنية شاملة نرجوها برعاية أشقاء اليمن في المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، والتي أثارت – أي الإشارة – الكثير من التساؤلات حول المقصود بها. فأي مصالحة وطنية نريد لها النجاح لا بد أن ترتكز على أسس واضحة، وليس هناك بالتأكيد أسس أولى وأكثر نجاحاً لأي مصالحة وطنية من تلك التي حدث حولها توافق وطني وإقليمي ودولي كالمرجعيات الثلاث وفي ظل شرعية الرئيس المنتخب وبنفس الروح التي تم الاتفاق بها على المبادرة وآليتها ومخرجات الحوار ومسودة الدستور، مع مساحة مقبولة إلى جانبها يتحاور حولها الفرقاء وبالذات في ما يتعلق ببعض القضايا السياسية غير الرئيسيّة التي لم يحدث حولها توافق سابق وكذا بضمانات التنفيذ، خصوصاً ما يتعلق بتسليم السلاح الثقيل والانسحاب من المدن، وكذا بعض تفاصيل المصالحة والعفو العام ومعالجة آثار الحرب وعودة الاستقرار السياسي.
كانت المصالحة الوطنية الأشهر التي تمت في تاريخ اليمن المعاصر هي تلك التي جرت في شمال اليمن عام ١٩٧٠ بين الجمهوريين والإماميين – ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه اليوم إلى حد ما – في عهد الرئيس الراحل القاضي عبدالرحمن الإرياني بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية.
وباختصار فقد جرت تلك المصالحة بدعم ورعاية من العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز وبعد أن بسطت الشرعية الممثلة في النظام الجمهوري سيطرتها على كل الجمهورية ما عدا مناطق معدودة ومحدودة المساحة هنا وهناك، وفي ظل النظام الجمهوري ودستوره الموقت ورئيسه القاضي الإرياني، بل وفي ظل شكل النظام السياسي نفسه من دون تغيير، حيث المجلس الجمهوري يمثل الرئاسة والمجلس الوطني يمثل البرلمان والحكومة القائمة حينها. وجرى توسيع هذه المؤسسات الثلاث في إطار محدود لينضم إليها ممثلو الإماميين الذين قبلوا بوقف الحرب والانضواء في إطار النظام الجمهوري ومؤسساته لتستقر بذلك البلاد وتشهد أول وآخر حكم مدني في تاريخ شمال اليمن. وأظن أن في هذا النموذج التاريخي الناجح للمصالحة الوطنية الكثير مما يمكن أن نتعلم منه، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات القائمة اليوم وفي مقدمها أن اليمن أصبح موحداً وأن ممثليه في مؤتمر الحوار أقروا الصيغة الاتحادية كصيغة للنظام مستقبلاً، وهي صيغة لم يعد هناك مجال للتراجع عنها.
نقلا عن الحياة اللندنية

 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى