يبدو الموت حدثًا خارقًا إذا كان متعلقًا بالزعماء. حين كنا أطفالًا كان الأستاذ المنتمي لحزب صالح، يؤكد لنا: للزعيم صالح القدرة على القفز من الطائرة بلا مظلة، أو القفز من بناية مرتفعة، أو حتى الوصول إلى بلوتو أبعد كوكب في المجموعة الشمسية. يبدو الموت حدثًا خارقًا إذا كان متعلقًا بالزعماء. حين كنا أطفالًا كان الأستاذ المنتمي لحزب صالح، يؤكد لنا: للزعيم صالح القدرة على القفز من الطائرة بلا مظلة، أو القفز من بناية مرتفعة، أو حتى الوصول إلى بلوتو أبعد كوكب في المجموعة الشمسية.
كانت الخرافة تؤسطر الزعيم، تؤلهه، بتقنيات ناعمة، غير تلك التي استخدمها الكهنوتيون البغيضون كما كان يصفهم صالح.
في العهد الملكي، استخدم الإمام يحيي بن حميد الدين ونجله أحمد، الخرافة لحكم اليمنيين لعقود. قام الحكم الإمامي على رفض العلم والتعليم، على تجهيل الشعب، ساعدته التكنولوجيا لتعزيز الخرافة في ذهن العامة، لا تخمنوا حول التكنولوجيا التي استخدمها الإمام، لقد استخدم مكبرات الصوت، زرعها في أعالي الأشجار وكان يتحدث بالمايك ليلًا فيظن الناس أن تلك من كرامات الإمام.
الثورة أنهت الإمامة.. الكرامات لم تدواي علات الشعب.
وفي العهد الجمهوري، صيّرت الأحداث علي صالح، رجلًا يُخفي حروق يديه بقفازين غليظين، جعلت منه الثورة مخلوعًا يُذيل تعازيه بالرئيس السابق، رئيس المؤتمر. لكنه لا ينفك أن يتباهي بزعامته و تصوره حاشيته زعيمًا جائلًا بين البدروم وصفحته على فيسبوك، ورغم كثافة المرافقين إلا أن أرغون الموسيقى العسكرية غائب.
33 سنة من الحكم، 33 سنة جعلته يقارن نفسه بالكبار. نجل أخيه يحب جيفارا وزار بلاده والتقط صورًا مع ابنتيه، كما أنه نظم فعالية في صنعاء في 2010 استضاف فيها بنات جمال عبدالناصر. وأذكر صرخة علي السقاف في الوحدوي: عيب!.
تتجلى هذه الزعامة في تصرفات صالح إلى حد لا يُطاق. يصر على ربط اسمه مع الكبار، لقد ظهر ذلك جليًا وهو يستأذن الأمم المتحدة للخروج من مخبئه، ليذهب إلى كوبا ليشارك في جنازة فيدل كاسترو.
مات كاسترو إذن، وقد دون اسمه في سجلات الأساطير، حتى تلك التي تأكل نفسها.
كنا قد تعلمنا جملة أثناء دراستنا الجامعية: كاسترو أوقف زحف الإمبريالية. كنا نقرنه بشافيز. ولم نكن نعرف معنى الإمبريالية، في ذلك الوقت كانت الطائرات الامريكية تضرب داخل الأراضي اليمنية وكان صالح يقول: جت من الجو.. شو نعملها؟
تلاشت زعامة صالح في أعيننا، هوت الخرافات، خلع العلم صفة كوكب عن بلوتو، لكنه مازال حاضرًا في الكتب المدرسية التي نشتريها من السوق السوداء. الكوكب التاسع صامدًا في موقعه بلا راتب، صالح تحالف مع الذين وصفهم بالكهنوتيين، بقى شيئًا من الماضي: هل فعلًأ الزعيم لا يموت؟
لقد مات كاسترو بعد التسعين. وأوصى بحرق جثته.
بلادنا أيضًا تحترق.
يظن الزعيم صالح أنه الأسطورة التي لا تموت. يبتهج بإحالة مدن البلاد إلى رماد. نشوة نيرونية في إضرام الحرائق والثمالة بها. لديه سببًا ليذهب إلى كوبا: الابتهاج في حضرة الرماد. رماد كاسترو.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.