آراء ومواقف

كيري ومهمته الأخيرة في اليمن

نبيل البكيري

 لم يسجّل لجون كيري حضور، في أيامه الأخيرة وزيراً لخارجية البيت البيضاوي بنسخته الديمقراطية، كما سجله في الحالة اليمنية،  لم يسجّل لجون كيري حضور، في أيامه الأخيرة وزيراً لخارجية البيت البيضاوي بنسخته الديمقراطية، كما سجله في الحالة اليمنية، من خلال ما عرفت بخريطة كيري للسلام في اليمن، وهي التي صممت مع استراتيجيات الديمقراطيين الأميركيين طوال فترتي الرئيس باراك أوباما التي تعيش آخر لحظاتها، وترتكز على مشروع تمكين الأقليات الطائفية في المنطقة العربية، مع شبه انحسار واضح للنفوذ الأميركي في المنطقة الشرق الأوسطية، لحساب وكلاء طائفيين جدد، أفرزهم الاتفاق النووي الأميركي الإيراني.
لكن، ومع فشل هذا المشروع للديمقراطيين الأميركان وتعثره، بتمكين الأقليات بتعقيد المشهد السياسي والعسكري والأمني في المنطقة، يصرح كيري، وفي آخر جولة له ربما في المنطقة، (15 نوفمبر/ تشرين الثاني) إن هناك اتفاقا مبدئيا بين التحالف والحوثيين، في مقارنةٍ عجيبة، لأول مرة تستخدم في القاموس الدبلوماسي، بتحويل مليشيات انقلابية متمردة إلى طرفٍ سياسي، وكأنه الممثل الشرعي الوحيد لليمن واليمنيين، مع تجاهل تام للحكومة الشرعية، والأخطر هو حصر الاتفاق بين التحالف والحوثيين.
دلالات هذا التصريح الذي نفاه وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، بقوله إنه لا علم للحكومة الشرعية بهذه الاتفاق وغير معنية به، وإنها محاولة من كيري لعرقلة خطة السلام الأممية، وهو ما يضعنا أمام حقيقةٍ حاول الوزير الأميركي عدم الظهور بها، والنأي بنفسه عنها سابقاً، وهي محاولة تكريس سلطة الأمر الواقع الانقلابية، بالتخاطب معها باعتبارها سلطة أمر واقع، يعترف بشرعيتها الانقلابية، تحت غطاء الحديث عن أوهام السلام.
لكن، مع هذا، يمثل هذا التصريح بخصوص وقف إطلاق النار الذي حدّده كيري في يوم
“أصبح مسار السلام اليوم في اليمن مرهونا أكثر من أي وقت مضى بإسقاط الانقلاب”
الخميس هذا (17 نوفمبر)، والسعي إلى تشكيل حكومة وطنية، حالة غير مسبوقة في مسار الدبلوماسية الأميركية التي قدمت نفسها بهذا التصريح طرفاً مسانداً وداعماً للمليشيات الانقلابية، ومعترفاً بها، عدا عن حماسه الزائد في الدفع بالمسار السياسي في اليمن بهذا الاتجاه الذي يعني، فيما يعني، محاولة أميركية حثيثة لإنقاذ الانقلابيين، وإعادة لملمة صفوفهم وتقديمهم طرفاً شريكاً ومهيمناً على أي تسوية سياسية مقبلة.
الأخطر هو أن يتم كل هذا الحديث بمعزل تام عن الحكومة الشرعية، وعن قيادة التحالف العربي ممثلة بالمملكة العربية السعودية، المعنية الأولى والأخيرة به، ومما يعنيه هذا التصريح إسدال الستار على مهمة التحالف العربي في اليمن، وتحويلها إلى أسخف محطة من محطات النضال العربي المشترك، في وجه المشاريع الاستئصالية التي تهدّد وجودها التاريخي والحضاري.
ويقول جون كيري ما قاله في وقتٍ يفترض فيه أن يُهال على خطته التراب بعد صعود الجمهوريين وأفول الديمقراطيين في البيت الأبيض، وبالتزامن مع تراجع عسكري كبير للانقلابيين، وخصوصاً في جبهتي تعز وميدي، عدا عن الفشل الذريع الذي منيت بها السلطة الانقلابية في إدارة الملف الاقتصادي لليمن، وعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مرتبات موظفي الدولة، وانهيار شبه تام للعملية الاقتصادية في المناطق التابعة لهم، عدا عن بوادر الصراع التي تلوح بين طرفي التحالف الانقلابي، ويجعلنا هذا كله نأخذ في الاعتبار عدم جدية تصريحات كيري وعدم جدواها.
أصبح مسار السلام اليوم في اليمن، وفي المنطقة عموماً، مرهونا أكثر من أي وقت مضى
“الحوثيون مجرد مليشيات للعنف الموجه في خدمة أجندات طائفية، ومشروع إيراني يبتلع المنطقة يومأً بعد آخر”
بإسقاط الانقلاب وهزيمته، ليس باعتباره طرفاً انقلابياً فحسب، بل وباعتبارات كثيرة تراكمت على مدى بقاء الانقلابيين متحكّمين بمقدرات البلاد التي نهبوها ودمروها، وجلبوا لليمن واليمنيين كل الشرور، فلم يعرف اليمنيون المجاعة والأمراض والأوبئة الفتاكة، والفقر والحرمان من التعليم، إلا في عهد هذه المليشيات الإمامية التي أعادت تذكير اليمنيين بما عاناه أجدادهم قديماً جرّاء حكم هذه السلالة الكهنوتية.
أما الحديث اليوم عن مسارٍ للسلام من خارج مربع هذه الحقائق التي يعرفها اليمنيون جيداً، فلم تعد سوى بيع للأوهام، وتسويق للأماني المفخخة بكل صنوف الحروب والاقتتال، ودورات العنف الأعمى التي سيؤسس لها أي مشروع سلام، لا يأخذ في اعتباراته الجذور الحقيقية لهذا الانقلاب الكهنوتي العنصري الذي يستند على جملةٍ من الخرافات والأساطير المازوخية المؤسسة له.
ومن هنا، ليس بمقدور كيري، وهو في آخر أيامه وزيرا للخارجية الأميركية، ولا غيره، أن يتحدث عن سلامٍ حقيقي شامل في اليمن، فما أحدثته مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح، أكثر من عام ونصف العام، في حق اليمنيين كفيل بإفشال أي محاولاتٍ التفافية لسلامٍ يعيد إنتاج الحرب والمليشيات، تحت شماعة السلام والقبول بهذه الكائنات الطائفية التي يختطفها ذهنياً ملالي الولي الفقيه في طهران، والتي تحولت إلى مليشيات للعنف الموجه في خدمة أجندات طائفية، ومشروع إيراني يبتلع المنطقة يومأً بعد آخر، وبرعاية دولية وأميركية واضحة، وصمت وارتباك عربي خليجي مخيف وفاضح.
نقلا عن العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى