الثمن الذي يدفعه الجيش الوطني والمقاومة باهض، ولكنه ثمن لا بد منه حتى لا يبقى للمخلوع صالح أمل في البقاء في تعز والتعلق بأحلامه القديمة بإمكانية استعادة السلطة، لأنه من تعز انطلق في مسيرة البحث عن السلطة، وفيها سقط ولن يقوم أبداً.
ذات يوم من عام 2014 وبينما الحوثيون يتقدمون في صنعاء، كان الحديث الذي يدور حينها يتعلق بدور الجيش والإسناد السري الذي كان يقدمه لقطعان الميلشيا. وعلى خلفية الموضوع ذاته قلت في مداخلة مع قناة العربية، إن هذا الجيش إذا استمر في دعم مشروع الفوضى وإسقاط الدولة، فإن خسائره المباشرة ستكون عدم قدرته على استلام المرتب الشهري وسيتحول إلى جيش احتلال في معظم مناطق البلاد وخصوصاً في المحافظات الجنوبية، وقد حدث هذا بالفعل.
قد تكون خسارة المرتب هي أهون مظاهر الخسائر الفادحة التي تسبب بها انقلاب الحوثيين المدعوم من المخلوع صالح والقوات الموالية له، ولكن هؤلاء الذين تحركهم المغانم يشعرون اليوم بوقع التواطؤ على أرزاقهم وكرامتهم وعلى وجودهم.
ها هي الكتائب التي كانت تفرض سيطرة أمنية شديدة على مختلف محافظات البلاد لحساب المخلوع صالح تفقد هذه السيطرة وتغادر مواقعها كجيش احتلال بلا كرامة ولا مكاسب. وتكاد القوات الموالية لصالح تفقد سيطرتها أيضاً في صنعاء. فالتحالف لا يكف عن استهداف معسكرات هذا الجيش وأسلحته، والحوثيون ينالون بدورهم من كرامة هذا الجيش الذي أصبح اليوم متمردا عن الشرعية ويخضع للعقوبات بموجب القرار رقم 2216.
قطعان الميلشيا تتحكم بالجيش وبأسلحته، وجزء من الصراع الناشئ بين شريكي الانقلاب سببها المحاولات الحثيثة من قبل الحوثيين للسيطرة على ما تبقى من وحدات الجيش المتمرد في صنعاء، في وقت تتضاءل الآمال لدى المخلوع صالح بإمكانية نجاحه في تجيير نتيجة الانقلاب الإجرامي على السلطة الانتقالية وعلى الإجماع الوطني لصالحه.
في محافظة تعز عاث المخلوع صالح وزبانيته فساداً، عمل طيلة فترة حكمه على إحكام السيطرة الأمنية على عاصمة المحافظة، فقام بعملية دؤوبة تشبه عملية الإحلال والتطهير في الوقت ذاته، في أحياء أساسية مثل حي “صالة” و”الجحملية”، والتي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة، وركز المؤسسات الأمنية في هذه المناطق، وأوجد حالة التحام بين سكان هذه الأحياء والأجهزة الأمنية، وتأسست منطقة أمنية مغلقة تقريباً.
ثم عمل عبر هذه الأجهزة على إفساد الشباب الذين لا يشاطرونه الانتماء الجهوي، فشجع على تعاطي المخدرات وأنشأ العصابات في أحياء تعز، وقام بإقطاع “التباب” للقادة العسكريين من أبناء منطقته، وكما نتابع في الأخبار هناك: “تبة الظنين” و”تبة القاضي”، ثم عمل على تركيز المعسكرات في محيط المدينة فهي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم.
المعارك التي تدور اليوم في تلك الأحياء تؤشر إلى أن الترتيبات الأمنية التي اعتمدها صالح في تعز بدأت تتداعى، وهاهم أبطال الجيش الوطني والمقاومة يحررون هذه الأحياء تبة تبة ومنزلاً منزلاً، وباتت قصور أقارب المخلوع صالح ومساعديه والتي تحولت إلى ثكنات، تقع في يد الجيش الوطني والمقاومة.
كانت الضربة القاصمة قد تحققت من قبل بالسيطرة على منزل المخلوع نفسه، ربما لم يكن يتصور أن يحدث ذلك ولكنه حدث.
التقدم الذي يحرزه الجيش الوطني والمقاومة، في مدينة تعز مهم للغاية لأنه يستهدف آخر المعاقل الأساسية للانقلابيين في المدينة ويقوض البيئة الحاضنة لأنصار المخلوع والتي تحولت أيضاً إلى متارس للميلشيا وقناصاتها.
الثمن الذي يدفعه الجيش الوطني والمقاومة باهض، ولكنه ثمن لا بد منه حتى لا يبقى للمخلوع صالح أمل في البقاء في تعز والتعلق بأحلامه القديمة بإمكانية استعادة السلطة، لأنه من تعز انطلق في مسيرة البحث عن السلطة، وفيها سقط ولن يقوم أبداً.