كانت الساعة الخامسة مساءا عندما مررتُ من أحد أسواق الحراج في العاصمة صنعاء، لأرى منازل يباع أثاثها بأبخس الأثمان من أجل أن يكافح أصحابها الجوع الذي أصبح يطرق أبواب منازلهم.
كانت الساعة الخامسة مساءا عندما مررتُ من أحد أسواق الحراج في العاصمة صنعاء، لأرى منازل يباع أثاثها بأبخس الأثمان من أجل أن يكافح أصحابها الجوع الذي أصبح يطرق أبواب منازلهم.
لم أكن أتصور أن أجد في ذلك السوق أثاث بسيط وعادي والبعض منه متهالك، فلطالما كان منذ أندلاع الحرب قبل حوالي عامين، أكبر سوق يلجأ إليه الغلابى والهاربون من بطش الميليشيات، أما الآن يبيع الأثاث الباحثون عن لقمة العيش لسد الجوع القاتل.
لم أجد في السوق مجالس عربية أو كنبات تباع أو حتى مجالس عادية أو أثاث, بمجرد أن تمر من السوق يجذب انتباهك وتبادر بعد ذلك للسؤال عن القيمة وتتفاوض لعلك تجد السعر المناسب وتأخذ ذلك من باب المصادفة والاستفادة من ذلك السعر الرخيص.
رأيت في الحراج الكثير من البسطات، بها أثاث أسر كان حالها ميسورا، وتعيش بأثاث متواضع أثاث المكافحين والمرابطين اللاهثين بعد لقمة العيش من أجل العيش الحر والكريم.
تقدمت نحو تلك البسطة وأنا أشعر بمرارة وحزن تلك الأسرة التي باعت أثاث منزلها وباعت معه ذكريات سنوات عاشت فيها مع ذلك الكأس وتلك الثلاجة وحتى عروسة الطفلة معروضة للبيع وسيارة الطفل وملعقة الحليب كل شيء بسيط معروض للبيع، وبأبخس الأثمان، والبعض يرمى في الشارع لأنه لم يعد صالحاً للبيع.
همست في أذن أحد المتفرجين على ذلك الأثاث: ما سر بيع مثل هذا الأثاث المتهالك؟ أجابني بأن الجوع كافر؛ وذكر لي أن الكثير ممن يعرضون أثاث منازلهم للبيع لشراء ما يشبع بطونهم من الجوع.
وكلما امتدت الحرب وطال عناد المتحاربين، كلما تحولت صنعاء والعديد من المدن اليمنية إلى مستنقع كبير للأمراض والجوع والهلاك، فيما تنضم أسر كانت ميسورة الحال فيما مضى إلى قائمة الأسر الفقيرة.
أصبح الجوع والفقر يلاحق مئات الآلاف الذين كانوا يكافحون ليل نهار من أجل الحصول على أجر يومي زهيد، بعد أن نخرت الحرب في أجسادهم عامين، ومعها ضاقت بهم السبل ولم يجدوا بارقة أمل.