إياد مدني.. أمين عام التعاون الإسلامي “الممازح المستقيل”(بروفايل)
تقدم إياد أمين مدني أمين عام منظمة “التعاون الإسلامي”، أول سعودي يتولى هذا المنصب، مساء الاثنين، باستقالته من منصبه، وذلك بعد أيام من أزمة مع مصر سببتها “مزحة”.
يمن مونيتور/الاناضول
تقدم إياد أمين مدني أمين عام منظمة “التعاون الإسلامي”، أول سعودي يتولى هذا المنصب، مساء الاثنين، باستقالته من منصبه، وذلك بعد أيام من أزمة مع مصر سببتها “مزحة”.
استقالة مدني، التي قال بيان المنظمة إنها لـ”أسباب صحية”، جاءت بعد أقل من 3 أعوام من توليه منصبه، على خلفية أزمة مع مصر، وهي خطوة أثارت جدلا يضاف إلى ما لازمه طوال سيرة حياته.
وكانت مصر، قد لوحت بـ”مراجعة موقفها إزاء التعامل” مع سكرتارية وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني، على خلفية ممازحة الأخير للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، عبر التلميح بعبارة استخدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
والخميس الماضي، قال “مدني” أثناء حضور الرئيس التونسي، ووزير التعليم المصري، الهلالي الشربيني، في افتتاح فعاليات مؤتمر “الإيسيسكو” الأول لوزراء التربية بتونس: “فخامة الرئيس السيد القائد الباجي السيسي رئيس الجمهورية التونسية .. السبسي آسف (ضحك)، هذا خطأ فاحش أنا متأكد أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء فخامة الرئيس (ثم ضحك)”.
وتعود واقعة “الثلاجة والماء” إلى عبارة رددها السيسي أثناء لقائه مجموعة من الشباب المصري، في ندوة بعنوان “أزمة سعر الصرف”، على هامش المؤتمر الوطني الأول للشباب بشرم الشيخ يوم الثلاثاء الماضي.
وقال الرئيس المصري آنذاك: “أنا واحد منكم.. والله العظيم قعدت 10 سنين تلاجتي كان فيها ماء فقط، ولم يسمع أحد صوتي (يقصد أنه لم يشكو من ضيق الحال)”.
واعتذر مدني عن الحادثة بعدها بقليل في نفس اليوم، معتبراً في بيان له تصريحاته بهذا الخصوص “على سبيل المزاح والمداعبة”.
ورغم أن السبب المعلن للاستقالة أنها جاءت “لأسباب صحية”، إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن تلك المزحة هي التي أطاحت بمدني، تجنبا لأزمة مع مصر.
وبتلك الاستقالة لم يكمل مدني الذي تولى منصبه في يناير/كانون الثاني 2014، مدته المقررة وهي أربع سنوات قابلة للتجديد.
كما أن اللافت أن الاستقالة جاءت فيما يبدو مفاجئة، حيث تم الإعلان عنها بعد ساعات قليلة من دعوة مدني إلى عقد اجتماع طارئ، السبت المقبل، في مقر الأمانة العامة بمدينة جدة، غربي السعودية؛ لبحث إطلاق جماعة “الحوثيين” في اليمن صاروخاً باليستياً استهدف منطقة مكة المكرمة، يوم الخميس الماضي.
مدني.. أول سعودي يشغل هذا المنصب
وكان مدني قد تولى منصبه بعد أن أقرت القمة الإسلامية الـ12 بالقاهرة، في فبراير/شباط 2013، توليه مقعد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، خلفاً لأكمل الدين إحسان أوغلو، الذي تنتهي ولايته نهاية عام 2013.
وبهذا القرار أصبح مدني، والذي شغل في وقت سابق منصب وزير الإعلام، ثم وزير الحج والعمرة بالسعودية، الأمين العام العاشر للمنظمة الإسلامية، وأول سعودي يشغل منصب أمين عام المنظمة منذ تأسيسها عام 1969.
ويعرف مدني بين المثقفين السعوديين برؤيته العميقة وهدوئه وميله إلى عدم الحديث بكثرة إلى وسائل الإعلام.
وفيما يؤكد مقربون منه أنه “متدين”، يصفه آخرون بأنه أحد دعاة الليبرالية في السعودية، حيث أعادت وزارة الإعلام في عهده العديد مما يعتبره هؤلاء “محرمات” إلى أجندة التلفزيون والإذاعة.
وولد مدني بمكة المكرمة في 15/5/1946، لأسرة آل مدني المعروفة بالمدينة المنورة والتي برز منها الكثيرون في حقول القضاء والأدب والعلم، حيث كان والده أول رئيس تحرير لصحيفة “المدينة” السعودية.
وحصل على البكالوريوس في إدارة الإنتاج في جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1969.
ارتبط في ذهن الكثيرين بصورته حين كان وزيرا للإعلام، وظهر على جميع القنوات التلفزيونية مطلع أغسطس/أب 2005، ناعيا العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، ومعلنا بيعة الأسرة المالكة للأمير عبد الله بن عبد العزيز ملكا على البلاد ( الملك الراحل).
الوزير “الليبرالي”
وما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبح مدني الوزير الأكثر إثارة للجدل داخل الحكومة السعودية، والأكثر تعرضا للانتقاد على خلفية “السياسة المنفتحة” التي انتهجتها وزارة الإعلام في عهده.
ففي عهده عادت المرأة للتلفزيون كمقدمة لنشرات الأخبار، وبدأ بث الموسيقى والأفلام، الأمر الذي جعله عرضه لانتقادات مباشرة ومتواصلة من التيار المحافظ داخل المملكة، متهمين إياه بأنه “ليبرالي علماني تجاوز الخطوط الحمراء”.
وزادت الانتقادات تباعا بعد تخفيف الرقابة على معرض الرياض الدولي للكتاب، وإعلانه صراحة تأييد افتتاح دور سينما بالمملكة، بل وتشجيعه على إقامة مهرجانات لأفلام للشباب، حيث حرص بنفسه على افتتاح المسابقة السينمائية السعودية الأولى، التي انطلقت في الدمام تحت عنوان “أفلام سعودية 2008”.
ورغم الانتقادات الشديدة التي وجهت لمدني من التيار المحافظ، فإنه لم يسلم من انتقادات المثقفين السعوديين أيضا، الذين اتهموه بالمسئولية عن إلغاء انتخابات الأندية الأدبية.
ويذكر كلا الطرفين لمدني، الذي تولى حقيبة وزارة الحج على مدار 6 سنوات قبل توليه مقاليد وزارة الإعلام في 2005، التنظيم الجديد لخدمات المعتمرين وزوار المسجد النبوي الشريف، حيث قام بتيسير الإجراءات وتسهيل أداء المناسك بالنسبة للمعتمرين، وسمح بموجبه للراغبين في أداء العمرة بالتجول داخل المدن السعودية وفق ترتيبات حددها النظام.
وما أن تقاعد مدني عن عمل الوزارة في 2009، حتى قضى وقته في جمع وترتيب مقالات ومشاركات قدمها على مدى سنين عمره، أصدرها في كتاب حمل عنوان “سن زرافة” صدر عام 2012، وكان بمثابة نافذة أطل من خلالها الجميع على أطروحاته الفكرية، وقدم عبرها إجابات لكثير من التساؤلات والاتهامات التي واجهته خلال عمله.
ورغم وصفه بأنه أحد دُعاة الليبرالية في المملكة، فإن مدني يقف موقفاً صريحاً ومعارضاً لليبرالية، إذ يقول في مقالته (إلى اليسار در): “مرة أخرى، يجب أن نكرّر أن رفض الليبرالية ورفض أفكار اليسار يعني بالضرورة تقديم البديل، ومنطقة الجزيرة والخليج تمتلك إمكانية تقديم هذا البديل، بحكم أنهما لم يقعا ضحية الفكر الليبرالي الغربي أو الماركسي اليساري وبحكم إصرارها التاريخي على تقديم الممارسة الإسلامية على التبني غير المشروط لأفكار الآخرين”.
دائم الجدل
الجدل الذي رافق مدني خلال توليه وزارة الإعلام، رافقه أيضا أمينا عاما لمنظمة التعاون الإسلامي، وذلك على خلفية زيارته المسجد الأقصى في يناير/كانون الثاني 2015، ودعوته إلى “شد الرحال إلى مدينة القدس المحتلة والمسجد الاقصى المبارك لمواجهة سياسة التهويد الإسرائيلية والتأكيد على هوية القدس الإسلامية”.
وتبع دعوة المدني حينها، رفضاً من حركة حماس، التي قالت إن أية دعوات لزيارة الأقصى تعتبر “خدمة مجانية لإسرائيل”، والتطبيع معها، كما جدد الأزهر، والكنيسة المصرية، رفضهما زيارة القدس.
أيضا عاد الجدل مؤخرا على خلفية مزحته الأخيرة حول “ثلاجة السيسي”.
ورغم الجدل الذي رافقه، فإن الجميع يشهد لمدني بنشاطه المتواصل، حيث كان دائم الدعوة لاجتماعات طارئة في كل مناسبة إما للتضامن مع غزة أو من أجل القدس، أو لبحث الأزمة السورية، أو لبحث قضايا الأقليات الإسلامية ومكافحة الإرهاب.
وسبق لمدني أن عمل مديراً لإدارة التنمية الإدارية بالخطوط الجوية السعودية عام 1970، ثم مديراً عاماً لمنطقة جدة بالخطوط الجوية السعودية حتى عام 1976، كما كان أول رئيس تحرير لصحيفة سعودي جازيت التي تصدر بالإنجليزية عن مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر.
كما عمل مديراً عاماً لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، وله كتابات وإسهامات صحفية عديدة في صحف ومجلات المملكة منها سعودي جازيت، وعكاظ والمدينة والرياض.
له عدداً من الإنجازات الثقافية المهمة ارتبط باسمه، ومنها: تطوير مجلة “الحج والعمرة” عندما كان وزيراً للحج، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة خلال عمله.