اقتصادعربي ودولي

تحليل-اضطرابات في سوق النفط بعد عقوبات أمريكية جديدة على روسيا

سنغافورة/نيودلهي (رويترز)

أدى تشديد العقوبات الأمريكية على موسكو إلى تعطيل إمدادات النفط الروسي الأقل سعرا إلى الصين والهند، وزاد الطلب على نفوط الشرق الأوسط وأفريقيا، وأشاع الاضطرابات في قطاع الشحن كما دفع أسعار النفط إلى الصعود.

استهدفت العقوبات التي فرضتها واشنطن في العاشر من يناير كانون الثاني ناقلات تحمل الخام الروسي في محاولة لتقليل إيرادات موسكو من النفط بشكل أكثر فاعلية، وهو الهدف من العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد غزوها أوكرانيا قبل ثلاث سنوات.

وتركت العقوبات الجديدة ناقلات تحمل ملايين البراميل هائمة على وجهها في طرق التجارة البحرية ودفعت المتعاملين إلى البحث عن بدائل، في حين تباطأت التعاملات في الخام الروسي لشهر مارس آذار. والنفط الروسي وهو المصدر الأساسي لأكبر بلدين مستوردين في العالم وهما الصين والهند.

ودفعت حالة الارتباك التي أحدثتها تلك القرارات السوق إلى حالة من الفوضى. فخلال أسابيع قليلة أصبح خام دبي القياسي عالي الكبريت أكثر تكلفة من خام برنت منخفض الكبريت الذي يسهل معالجته. وأتاح ذلك فرصة للمنتجين من البرازيل إلى قازاخستان للاستحواذ على حصة من واردات الصين والهند.

وقال متعاملون إن علاوة الخام البرازيلي قفزت الشهر الماضي إلى نحو خمسة دولارات للبرميل فوق سعر خام برنت بما يشمل تكلفة الشحن إلى الصين، ارتفاعا من نحو دولارين في الشهر السابق. وانخفضت العلاوة حاليا إلى أقل قليلا من خمسة دولارات للبرميل للشحنات المقرر تسليمها في مايو أيار.

وأظهرت بيانات كبلر أن الصين من المقرر أن تستورد في مارس آذار أول شحنة لها من مزيج سي.بي.سي القازاخستاني منذ يونيو حزيران الماضي.

وقال متعامل في سنغافورة إن الذراع التجارية لشركة توتال إنرجيز تلقت في الأسبوع الذي أعقب العقوبات الجديدة العديد من الاستفسارات لدرجة أنها أجرت مناقصات بدلا من المفاوضات المباشرة لبيع شحناتها من خامات الشرق الأوسط، والتي ذهبت في النهاية إلى شركتي سينوك ورونغشنج الصينيتين.

ولم ترد توتال إنرجيز على طلب للتعليق بعد.

وفي انعكاس للطلب المتزايد على خامات في الشرق الأوسط زادت العلاوة على خامات عمان ودبي ومربان القياسية بأكثر من المثلين في يناير كانون الثاني مقارنة بديسمبر كانون الأول رغم انخفاض الطلب من المصافي بالتزامن مع أعمال صيانة موسمية.

ورفعت أرامكو السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، أسعار الخام الذي تبيعه إلى آسيا إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر كانون الأول 2023، مما رفع التكاليف على المصافي.

وقال متعامل أنجولي إن هناك زيادة في الطلب من مشترين آسيويين.

وقال متعامل صيني “تأخذ يونيبك الكثير من شحنات الخام من غرب أفريقيا، وخاصة البراميل الأنجولية”. ويونيبك هي الذراع التجارية لشركة سينوبك التي تعد أكبر مصفاة في آسيا.

ولم ترد سينوبك على طلب للتعليق بعد.

ومع توقف السفن الخاضعة للعقوبات في طرق التجارة البحرية سارع العديد من المتعاملين في التحول إلى سفن أخرى بتكاليف تفوقها عدة مرات، مما يرفع تكلفة الشحنة الواحدة ملايين الدولارات.

* ارتباك في الهند

يشكل ارتفاع التكاليف صعوبة كبيرة لمصافي النفط في الهند. ففي أواخر العام الماضي كثفت البلاد اعتمادها على النفط الروسي بدلا من خامات الشرق الأوسط عندما أبرمت شركة ريلاينس إندستريز اتفاقية توريد مدتها عشر سنوات مع روسنفت الروسية العملاقة بقيمة 13 مليار دولار سنويا.

وقال وزير النفط الهندي هذا الأسبوع إن مصافي التكرير في البلاد ترغب في شراء النفط الروسي عبر شركات وسفن غير خاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، والتي أدت بالفعل إلى تقليل عدد الشحنات والسفن المتاحة وفقا لمصادر هندية بقطاع التكرير.

وأوضحت المصادر أنه في ظل وجود إمدادات محدودة من الشحنات غير الخاضعة للعقوبات، تقلصت الخصومات على خام الأورال الروسي مقارنة بخام برنت إلى 2.50-2.90 دولار للبرميل للتسليم في مارس آذار، مقابل ثلاثة إلى ثلاثة ونصف دولار قبل عقوبات يناير كانون الثاني، وهي زيادة كبيرة في التكلفة على شحنة قياسية حجمها مليون برميل.

وقالت المصادر الهندية بقطاع التكرير إن ارتفاع تكلفة الخام الروسي قلص الفجوة السعرية مع نفوط الشرق الأوسط إلى نحو ثلاثة دولارات للبرميل من ستة إلى سبعة دولارات للمصافي الهندية، وهو ما لا يوفر حافزا كبيرا للمخاطرة بتكبد عقوبات ثانوية.

وأوضحت المصادر أن المشترين الهنود رفضوا عروضا من شركة الشحن الروسية العملاقة سوفكومفلوت لتلقي مدفوعات بأي عملة، بما في ذلك الروبية الهندية، مقابل النفط الروسي المنقول على ناقلات خاضعة للعقوبات، وذلك بعد أن التقى رئيسها التنفيذي بالمشترين الهنود على هامش مؤتمر للطاقة في الهند هذا الأسبوع.

وأحجمت سوفكومفلوت عن التعليق.

ويعني ذلك التباطؤ أن مخزونات النفط الروسي العائمة زادت 17 مليون برميل منذ 10 يناير كانون الثاني، وفقا لمذكرة صادرة عن جولدمان ساكس في الخامس من فبراير شباط، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 50 مليون برميل في النصف الأول من 2025.

* استهداف النفط الإيراني

يأتي توقف الإمدادات الروسية في أعقاب انخفاض واردات الخام الإيراني إلى الصين، وهي أكبر مشتر له، وسط ضغوط أمريكية مشددة وتعهد من الرئيس دونالد ترامب مؤخرا بخفض صادرات طهران النفطية إلى الصفر.

ويقدر جولدمان ساكس أن مخزونات النفط الإيراني العائمة زادت 14 مليون برميل منذ بداية العام إلى أعلى مستوى لها في 14 شهرا. وقال المحللون إن فرض عقوبات أشد قد يخفض إنتاج إيران بمقدار مليون برميل يوميا ويرفع سعر برنت إلى 80 دولارا للبرميل بحلول مايو أيار.

وقال أحد المتعاملين إن تقليص المتاح من الخام الأقل سعرا وضعف الطلب في الصين دفع العديد من المصافي إلى الإغلاق للصيانة بدلا من خسارة 500 يوان (68.62 دولار) لكل طن من النفط غير الخاضع للعقوبات.

* تحذير مسبق

قال مسؤولون في قطاع التكرير إنه قبل أسابيع من الإعلان عن العقوبات في وثيقة مكونة من 27 صفحة، حذرت السلطات الهندية المصافي في البلاد مما دفعها إلى إبرام بعض عمليات الشراء في خطوة استباقية. ولم ترد الحكومة الهندية على طلب للتعليق.

وفي الصين أصدرت مجموعة موانئ شاندونغ حظرا على رسو السفن الخاضعة للعقوبات قبل ثلاثة أيام من إعلان تلك الإجراءات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت تلك الخطوة مرتبطة بتحذير مسبق.

وقال متعاملون إن هناك إشارات إضافية على أن الأسواق توقعت عقوبات جديدة، منها ارتفاع الطلب على نفوط الشرق الأوسط وأفريقيا من المشترين الصينيين والهنود، والتدافع على استئجار سفن مما أدى لاحقا إلى ارتفاع حاد في أسعار الناقلات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى