حرب تجارية جديدة بين كندا والولايات المتحدة: الرسوم الجمركية تضع العلاقات على المحك
“العيش بجوار الولايات المتحدة يشبه النوم بجانب فيل” – بيير ترودو، 1969.
في تصعيد جديد للعلاقات التجارية بين كندا والولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على واردات كندا والمكسيك، و10% على الواردات الصينية. وبرر ترامب هذه الإجراءات بأنها ضرورية لحماية الاقتصاد الأمريكي والحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، إضافة إلى مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود الكندية والمكسيكية.
ترامب: قرارات لحماية الأمن القومي والاقتصاد
في خطاب من البيت الأبيض، قال ترامب إن هذه الرسوم تأتي في إطار “إعادة السيطرة” على الحدود الأمريكية، متهماً كندا والمكسيك بعدم بذل جهود كافية لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات إلى الولايات المتحدة. وأضاف: “لقد كنت واضحًا منذ حملتي الانتخابية، لن نسمح بعد الآن بأن تستغل دول أخرى انفتاحنا الاقتصادي بينما نواجه مشاكل داخلية بسبب الحدود المفتوحة والسياسات التجارية غير العادلة.”
وشدد ترامب على أن هذه الرسوم تهدف إلى تقليل العجز التجاري وحماية الصناعات الأمريكية، مشيرًا إلى أن كندا تستفيد من العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة دون أن تتحمل “نفس الأعباء”. كما قرر ترامب فرض رسوم بنسبة 25% على جميع واردات كندا والمكسيك، باستثناء المنتجات النفطية الكندية التي فرض عليها رسومًا بنسبة 10%. وقد أثار هذا القرار موجة من الانتقادات داخل كندا التي تضررت صناعاتها من هذا الإجراء.
ترودو: على الكنديين الاتحاد والرد بالمثل
بعد إعلان ترامب، عقد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو اجتماعًا طارئًا مع رؤساء حكومات المقاطعات، وخرج في مؤتمر صحفي من البرلمان الكندي ليعلن عن إجراءات مضادة.
“لقد حاولنا بكل الطرق الدبلوماسية تفادي هذه الأزمة، لكن إدارة ترامب اختارت المواجهة بدلاً من الحلول المشتركة. ليس لدينا خيار سوى الرد بالمثل.”
وأعلن ترودو عن فرض رسوم جمركية على المنتجات الأمريكية بنسبة 25%، تستهدف قطاعات مختلفة مثل المواد الغذائية، الأجهزة المنزلية، الملابس، والمعدات الرياضية.
وأكد ترودو أن هذا القرار لن يكون مجرد رد فعل اقتصادي، بل دعوة للكنديين للاتحاد في وجه هذه السياسات:
دعم المنتجات الكندية: دعا المواطنين إلى استبدال المنتجات الأمريكية بالكندية عند التسوق، قائلًا: “كل دولار ننفقه على منتج كندي هو استثمار في اقتصادنا ووظائفنا.”
السياحة الداخلية بدلًا من السفر إلى الولايات المتحدة: ناشد الشركات والمواطنين بقضاء إجازاتهم في كندا بدلًا من السفر إلى الولايات المتحدة، لدعم الاقتصاد المحلي.
التعاون بين الشركات الكندية: طالب الشركات الكندية بتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية وتوسيع أسواقها الخارجية.
تصريحات بيير بولييف: “كندا أولاً“
في تطور سياسي موازٍ، أدلى بيير بولييف، رئيس حزب المحافظين الكندي، بتصريحات قوية حيال الوضع الحالي، مشددًا على ضرورة أن تتبع كندا سياسة “كندا أولاً” في مواجهة هذه الرسوم الجمركية.
وقال بولييف: “يجب أن نضع كندا أولاً. وهذه هي اللحظة التي يجب أن نتصدى فيها لسياسات ترامب الجائرة التي تستهدف اقتصادنا الضعيف بالفعل. كندا هي أقرب جارة للولايات المتحدة وأكبر حليف لها، ونحن استثمرنا أرواحنا في الحروب العالمية كأصدقاء، ولا يوجد أي مبرر لهذا التوجه العدائي.”
وأضاف بولييف أن “الحكومة الليبرالية يجب أن تتوقف عن المناورات الحزبية وتدعو البرلمان للانعقاد فورًا لتمرير خطة “كندا أولاً”، التي تشمل فرض رسوم مماثلة على المنتجات الأمريكية التي يمكن إنتاجها داخل كندا، ودعم العمال والشركات المتضررة، إلى جانب إلغاء الضرائب المفرطة على الطاقة والبناء.”
وأوضح أن “سياسة إعادة بناء الجيش وتحقيق استقلالنا الاقتصادي هي أولوية، ونحن بحاجة إلى التأكد من أن كندا تظل قوية وتبقى في موقع السيطرة على مواردها.”
الاحتجاجات الشعبية وردود الفعل الإقليمية
في أعقاب إعلان ترامب، شهدت مباريات رياضية في كندا بعض الاحتجاجات الشعبية، حيث قام جمهور فريق “أوتاوا سيناتورز” بمقاطعة عزف النشيد الوطني الأمريكي بالتصفيق والهتافات المناوئة، مما يعكس تصاعد المشاعر السلبية ضد السياسات الأمريكية.
كما أقدم رئيس وزراء كولومبيا البريطانية، ديفيد إيبي، على اتخاذ تدابير مباشرة ضد السياسة الأمريكية، حيث أعلن عن وقف استيراد المشروبات الكحولية الأمريكية من الولايات التي تؤيد ترامب، معتبرًا أن هذه الرسوم تمثل “خيانة” للعلاقات التاريخية بين البلدين. وأضاف أنه يدعم الإجراءات الفيدرالية المقررة ضد السلع الأمريكية.
دعوات من الحزب الديمقراطي الأمريكي للعدول عن القرار
من جهة أخرى، دعا عشرات من أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي الرئيس ترامب إلى التراجع عن قراره بفرض الرسوم الجمركية، مشيرين إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد غير المبرر بين البلدين وتهدد الاقتصاد الأمريكي. وحذروا من أن العلاقات التجارية بين أمريكا وكندا تعتبر حيوية لأمن واستقرار الاقتصاد في كلا البلدين، وأن التصعيد قد يؤدي إلى أضرار طويلة الأمد.
هل يمكن تفادي التصعيد؟
في الوقت الحالي، يبدو أن التصعيد مستمر، لكن بعض المحللين يرون أن المفاوضات قد تعود بعد أن تتضح تداعيات هذه القرارات. وعلى الرغم من التوتر السياسي، فإن العلاقات التجارية بين البلدين لا تزال حيوية، مما قد يدفع الطرفين إلى إعادة النظر في هذه الإجراءات خلال الأشهر المقبلة.
وفي ظل هذه الأزمة، تبقى كلمات بيير ترودو صالحة أكثر من أي وقت مضى: “العيش بجوار الولايات المتحدة يشبه النوم بجانب فيل. مهما كنت حذراً، فإن أي تحرك للفيل قد يؤثر عليك.”
رضوان حبيش/ صحفي مختص بشؤون الهجرة/ مقيم في كندا