لا شيء إلى الآن يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحالة من الفوضى التي تطبع الموقف الدولي والإقليمي، فيما يبدو أن الثاني يأتي انعكاسا للأول بهذا القدر أو ذاك، فالعالم اليوم لم تعد تحكمه لا قوة واحدة كما كان الحال مع أميركا منذ مطلع التسعينات، وحتى بدايات الألفية الجديدة، ولا قوتان كما كان الحال قبل ذلك.
لا شيء إلى الآن يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحالة من الفوضى التي تطبع الموقف الدولي والإقليمي، فيما يبدو أن الثاني يأتي انعكاسا للأول بهذا القدر أو ذاك، فالعالم اليوم لم تعد تحكمه لا قوة واحدة كما كان الحال مع أميركا منذ مطلع التسعينات، وحتى بدايات الألفية الجديدة، ولا قوتان كما كان الحال قبل ذلك.
العالم اليوم يعيش مرحلة من الفوضى التي يمكن تسميتها بالتعددية القطبية، لكن أوزان القوى لم تستقر فيها بعد، وكل طرف يحاول احتلال ما يستطيعه من النفوذ، لاسيما روسيا التي تتلبس قائدها (بوتن) عقدة استعادة الوضع الذي كان يحتله الاتحاد السوفياتي سابقا، فيما تجد الصين في الارتباك الأميركي فرصة لتوسيع نفوذها، بما في ذلك نشر قواعد عسكرية.
وفيما ترتبك أوروبا إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن محاورها الرئيسة لا تزال ترى في الوضع الدولي ما يسمح لها باحتلال مواقع مهمة، ولا ننسى الهند الطامحة والبرازيل أيضا.
المعضلة أن هذا الارتباك في الوضع الدولي ينسحب على الوضع الإقليمي، وحيث وجدت إيران في الطموحات الروسية، فرصة لتوريطها في سوريا، وهو ما كان، الأمر الذي وجدت فيه أميركا بالمقابل فرصة لدفع موسكو نحو مزيد من التورط في ساحة ليس لديها فيه ما تخسره، في الوقت الذي لا يعنيها من المشهد أصلا إلا مصالح إسرائيل التي يحرص عليها بوتن أكثر من أي أحد آخر، وبذلك وجدت في مزيد من توريط روسيا وإطالة النزيف مصلحة لإسرائيل من جهة، ومصلحة لها في ضرب طموحات روسيا من جهة أخرى.
والحال أن جوهر الفوضى الراهنة في المنطقة هنا لا يتعلق ابتداء بوجود تنظيم الدولة وطموحاته الحالمة التي أخذت ترتطم بالجدار المسدود، بل أولا وقبل كل شيء في طموحات إيران، وهي ذاتها التي منحت التنظيم فرصة التمدد، هو الذي كان في حالة انحسار لافت قبل الربيع العربي، وقبل وصوله لسوريا تحديدا.
كان التنظيم مطاردا، وبلا سيطرة مكانية في العراق، حين دعمت إيران طائفية المالكي التي ردت على انخراط العرب السنة في العملية السياسية بمزيد من الإقصاء، الأمر الذي أعاد للتنظيم دوره عبر عودة الحاضنة الشعبية، وحين تفاقم الوضع السوري تمدد التنظيم إلى هناك، وهو ما وجدت فيه إيران فرصة لوصم الثورة بالإرهاب من دون أن تكلف نفسها عناء التفكير في التبعات، ثم ذهبت أبعد في مغامرتها الإقليمية بدفع الحوثيين إلى السيطرة على اليمن، الأمر الذي ردت عليه السعودية بعاصفة الحزم، والنتيجة هي دمار على كل صعيد في البلد، وتصعيد للنبرة الطائفية على نحو هستيري في المنطقة برمتها.
اليوم، لا نعثر على تدمير شامل للعراق وسوريا واليمن وحسب، بل على معركة بلا أفق أيضا، إذ أنها لن تضع أوزارها من دون أن تتواضع إيران في طموحاتها، وتقبل بتسوية متوازنة، وهو ما لم تظهر ملامحه بعد، مع أنها الأكثر نزفا، في وقت ينتظر شعبها عوائد اتفاق النووي، ولا تسأل عن العراق الذي يتحول فريق واسع من شيعته إلى الهتاف ضدها بدل تأييدها.
لا شك أن الكل مستنزف في هذه المعركة، لكن إيران أكثر نزفا، ومعها شعبها وشعوب المنطقة، فيما يغريها الموقف المصري بمزيد من الغطرسة، ولا حل إلا بحوار شامل لحل كل الملفات، ويمكن أن يحدث ذلك بعيدا عن أميركا وروسيا، بدل جعل الملف السوري الأكثر أهمية مجالا للمناكفة الروسية الأميركية.;
نقلا عن العرب القطرية