كتابات خاصة

هجمات الحوثيين في رداع: قراءة في استدعاء ورقة “الإرهاب”

يدرك الحوثيون أن الموقف الدولي تجاههم يشهد تحولا تدريجيا، وهو تحول مدفوع بشكل رئيسي بهجماتهم على إسرائيل أكثر من استهدافهم لطرق الملاحة في البحر الأحمر. إن هذا التغير ليس مرتبطا بشكل مباشر بأنشطتهم داخل اليمن التي تعتبرها بعض الأطراف الدولية مشكلة داخلية، بل يتعلق أكثر بمغامراتهم العسكرية خارج الحدود، والتي تهدد مصالح الدول الكبرى.

ونتيجة لذلك، لجأوا إلى استراتيجيتهم التي اتبعوها أثناء زحفهم على العاصمة صنعاء عام 2014، وهي استغلال شعار “محاربة الإرهاب” في محاولة لاستمالة أمريكا مجددا وتجنب عمل عسكري محتمل وواسع من قبل إسرائيل بدعم أمريكي.

منذ عدة أيام، شنوا هجوما عسكريا وكان لافتا فيه استخدام الطائرات المسيّرة على سكان قرية الحنكة بمديرية القريشية بمحافظة البيضاء، بحجة استهداف عناصر تنظيم “داعش” و “القاعدة”. غير أن هذه الذريعة أصبحت تتكرر في كل مرة يتم فيها الهجوم على السكان المحليين، لتبرير الهجمات وتصوير أي مقاومة شعبية على أنها إرهابية، خاصة في ظل نشاط القاعدة في بعض مناطق المحافظة سابقا.

تثير هذه التطورات العديد من التساؤلات حول توقيت الهجوم واستخدام الحوثيين مجددا ورقة الإرهاب، خصوصا في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، واحتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري واسع ضدهم بدعم أمريكي وربما أوروبي.

تاريخيا، أظهرت النزاعات في محافظة البيضاء أن المواجهات المسلحة بين الحوثيين والقبائل غالبا ما كانت نتيجة لانتهاكات الحوثيين، مثل القتل والاختطاف، بالإضافة إلى رفضهم الاستجابة لمطالب العدالة. ومع ذلك، يستمر الحوثيون في تأطير هذه الصراعات ضمن سياق “محاربة الإرهاب” لتبرير اعتداءاتهم على السكان، وقمعهم لأي مقاومة عبر اتهامها بالإرهاب.

الهجوم الأخير في البيضاء يعكس بوضوح قلق الحوثيين على استقرارهم الأمني، ويعكس أيضاً تناقضاتهم، حيث يدّعون تحرير المحافظة من تنظيم “القاعدة”، بينما يستخدمون نفس الذريعة لتبرير أعمالهم العدائية ضد السكان المحليين. رغم ذلك، يبقى العامل الحاسم هو التوقيت والسياق الإقليمي، حيث يسعى الحوثيون إلى إعادة تشكيل صورتهم دوليا عبر تقديم أنفسهم كقوة محلية تحارب الإرهاب، وهي قضية تحتل أولوية لدى الإدارة الأمريكية.

وفي هذا السياق، جاء تصريح القيادي الحوثي محمد البخيتي، الذي ادعى تحرير القرية من “داعش”، محاولا تقديم أنفسهم في خط الدفاع الأول عن الأمة ضد “المنافقين”. ولم ينس في تغريدته على منصة إكس، توجيه الاتهامات لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل في التورط بتحريك هؤلاء العناصر في القرية النائية، مما يبدو وكأنه نوع من المزايدة على أمريكا نفسها وتقديم جماعته كضحية للإرهاب.

مع ذلك، قوبلت هذه المزاعم بإدانة واضحة من السفارة الأمريكية، التي وصفت الهجمات الحوثية بأنها “قتل وإصابات واعتقالات غير مشروعة يرتكبها الإرهابيون الحوثيون ضد اليمنيين الأبرياء”، مما يشير إلى تغير ملحوظ في الموقف الأمريكي، على الرغم من أن طبيعة هذا التحول ما زالت غير واضحة، في ظل الغموض المحيط بسياسة إدارة ترمب تجاه الحوثيين.

وبالمثل، أدانت السفارة الفرنسية الهجمات الجديدة، وقالت في بيان إن “هذه الجرائم ضد الشعب اليمني لا يمكن قبولها والسكوت عنها”.

هذا التحول يعكس تغيرا في الأولويات الدولية، حيث أصبحت هجمات الحوثيين على إسرائيل وتهديدهم للملاحة الدولية مصدر قلق أكبر من صراعاتهم الداخلية، كما أن السياسة الأمريكية في الوقت الراهن، تبدو أقل تساهلا مع الحوثيين، بسبب تزايد هجماتهم على إسرائيل.

في ديسمبر 2020، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالا تناول تصريحات ضابط أمريكي كبير عمل مع وزير الدفاع الأمريكي الحالي أثناء قيادته للقيادة المركزية الوسطى. تحدث الضابط عن موقف الوزير من تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية بناءً على طلب الرئيس اليمني آنذاك، عبدربه منصور هادي، في مارس 2015. وذكر الضابط أن لويد أوستن كان مستاءً من التدخل السعودي، قائلا “لقد غضب لويد أوستن من التدخل السعودي، لأننا [الأميركيون] كنا ندعم بهدوء قتال الحوثيين ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت”.

يتضح أن التغير في الموقف الأمريكي تجاه الحوثيين يعود بشكل أساسي إلى هجماتهم الأخيرة على إسرائيل، بالإضافة إلى استهدافهم لحرية الملاحة منذ أكثر من عام، وهي هجمات لم تنجح الجهود الأمريكية في ردعها.

علاوة على ذلك، يبدو أن هناك تغييرات في السياسة الدولية، حيث تراجع الدعم الأمريكي لطهران الذي مكنها من التوسع الإقليمي في أعقاب ثورات الربيع العربي، وفق رؤية الرئيس الأسبق باراك أوباما لتحقيق توازن بين السنة والشيعة.

يتجلى هذا الأمر في المتغيرات الجيوسياسية التي أضعفت النفوذ الإيراني، في أعقاب تداعيات هجمات 7 أكتوبر 2023 التي شنتها حماس وفصائل فلسطينية أخرى على إسرائيل، وما تبعها من هزيمة قاسية لحزب الله ونجاح المعارضة السورية في إسقاط النظام.

 في ظل هذه الظروف، يسعى الحوثيون لاستثمار ورقة الإرهاب، في سياق التغيرات في الأولويات الأمريكية، التي تركز على حماية إسرائيل، في محاولة منهم لتجنب تصنيفهم المحتمل كمنظمة إرهابية.

كما يسعون إلى تقديم أنفسهم كجهة محلية تحارب الإرهاب، مستفيدين من التعاون السابق مع الولايات المتحدة، ويهدفون من وراء ذلك، تغيير الصورة النمطية التي تصورهم كأداة إيرانية خالصة، وهو ما قد يسهم في تخفيف الضغوط الدولية عليهم.

وعطفا على ما سبق، من الصعب تصوّر نجاح هذا النهج في ظل تصعيدهم مع إسرائيل، التي تتمتع بثقل كبير في تشكيل السياسة الأمريكية، لذلك، قد يجدون أنفسهم في مواجهة ضغوط دولية متزايدة تعيد رسم معالم تعامل المجتمع الدولي معهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى